في المشهد السوري فإن الأمور تسير نحو التهدئة، ويبدو ذلك واضحًا من خلال الإعلان عن خفض مستوى العنف والتصعيد في العديد من المناطق التي كانت مشتعلة بنيران الحروب والمعارك لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأزمة السورية في طريقها إلى الحل السياسي.
فمن السابق لأوانه الحديث عن إعادة إعمار سوريا فضلًا عن أن إعلان الإنتصار الذي حققه النظام السوري ضد معارضيه يبدو في غير محله، إذ أن الأنباء الواردة والمتواصلة خلال الشهرين المنصرمين من الميدان السوري وتتحدث عن حجم المكاسب التي حققها رئيس النظام السوري بشار الأسد وباتت في متناول يده خصوصًا بعد الصواريخ التي أطلقتها البوارج الروسية على مواقع ومراكز داعش في منطقة دير الزور لا تعبر عن الواقع الحقيقي لما يدور في الداخل السوري.
إقرأ أيضًا: لبنان يدفع وحزب الله يكسب
والإتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي في أستانا والتي أعلنت روسيا عن إنجازه بالإتفاق مع إيران وتركيا ويرمي إلى خفض التصعيد وهو ما دفع بالنظام السوري - وفي معرض تبريره للإتفاق - بالإعلان عن أنه كلف موسكو وطهران للتفاوض مع أنقرة فهذا التبرير الذي يؤشر إلى أن التوافق بين كل من روسيا وإيران وتركيا على توزيع مناطق السيطرة ومراقبتها يعني بالتأكيد على أن هناك لاعبين دوليين واقليميين يتحكمون بالملعب السوري وليس للرئيس الأسد أي صلاحية عليهم ولا يملك حق الإعتراض على قراراتهم وليس له اي قول في شأنهم، وهذا يدحض مقولة استعادة النظام السيطرة أو تحقيق إنتصار في منطقة معينة.
وما يمكن قوله أن روسيا استطاعت أن تجنب النظام السوري من السقوط وأن تنقذ المؤسسات السورية ولا سيما الأمنية من الإنهيار كما حصل في العراق وليبيا، وحافظت على هيكلية هذه المؤسسات من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الشعب إلى مجلس الوزراء إلى باقي المؤسسات الأخرى لكن إنقاذ النظام لا يعني حكما ضمان مستقبل الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا.
إقرأ أيضًا: حزب الله يلغي مهرجان إنتصار الجيش
على أن المثير للاستغراب بل للسخرية أن الرئيس الأسد يعلن وبكل ثقة تصل الى حد الوقاحة عن إعادة إعمار البلد الذي أفرط في تدمير معظم مدنه وقراه وشرد أكثر من ثلث سكانه، وتوغل في إرتكاب المجازر بحق شعبه، وفتح الأجواء للعديد من الإحتلالات والسيطرات الخارجية على معظم أراضيه، وحول بلاده إلى أوكار للإرهاب، ولقمة سائغة لكل طامح وطامع للكسب والمغانم وذلك من خلال تصديه لإنتفاضة شعبية منذ الأيام الأولى لإنطلاقتها مطالبة بإصلاح النظام وليس بتغييره، وإستخدامه العنف المفرط ضد هذه الإنتفاضة التي انطلقت في شهورها الأولى سلمية رافعة شعار الإصلاح الأمر الذي دفعها لتوسيع مساحة تحركها وبالتالي تحولت إلى ثورات عسكرية مسلحة حتى دخلت البلاد في حروب أهلية وانفتحت الأبواب مشرعة على مصراعيها للتدخل الخارجي.
وجدير بالإشارة إلى أنه وقبل أن تتوقف شلالات الدم في العديد من المناطق السورية يقف الرئيس بشار الأسد ليوزع مغانم الإعمار فيغدق على هذا ويحرم ذاك ويقدم نفسه على أنه البطل المناضل الذي قاد ثورة لتحرير بلده من مستعمر أو محتل.
إقرأ أيضًا: فاجعة العسكريين قضية وطن
وكان الأولى بالرئيس بشار الأسد أن يسعى لفتح أبواب سوريا ويعطي الأمان لملايين اللاجئين والمشردين السوريين المنتشرين في أصقاع الأرض للعودة إلى بلدهم بكرامة قبل أن يتحدث عن الإعمار وبالتالي فإن الرئيس الذي يضع مصلحته فوق مصلحة بلده والذي تشبث بالحكم على جماجم مئات الآلاف وتشريد الملايين من أبناء شعبه فهو ليس في موقع بل لا يحق له أن يضع نفسه بموقع المتغطرس الذي يوزع مغانم الإعمار وهو الفاقد لشرعيته والعاجز عن ضمان إستمراريته في الحكم.