مع استمرار السّجال حول البطاقة البايومترية كوسيلة للاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة، وبدء مراسم عاشوراء، تكاد تكون فرص إقرار مجلس النّواب تمويل الانتخابات النيابية قبل نهاية الشهر الحالي، معدومة.
وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، كان قد وضع مهلة للبدء بإجراءات تنفيذ مشروع البطاقات البايومترية (توقيع العقد مع الشركة المنفّذة، ثم البدء بجمع بيانات طالبي البطاقة بداية الشهر المقبل)، تمهيداً للمباشرة بإصدار البطاقات مطلع عام 2018.
هذه المهلة التي قال المشنوق إنها تنتهي بنهاية الشهر الجاري، ستمرّ من دون تأمين مجلس النواب للموازنة المطلوبة. فالمجلس لن يجتمع قبل نهاية مراسم عاشوراء. كذلك لن يحدد الرئيس نبيه بري موعداً للجلسة في اليوم الأول بعد ذكرى عاشوراء (الأول من تشرين الثاني)، بل يُتوقّع. غير أن اجتماع المجلس النيابي وإدراجه على جدول أعماله بند تمويل العملية الانتخابية وتوفير الاعتماد المطلوب لذلك، الذي يقدّر مجموعه بنحو 186 مليون دولار، بينها 40 مليون دولار لإصدار البايومترية وحدها، لا يعني إقرار المجلس لهذا البند، في ظلّ الانقسام الحاصل حول تلزيم العقود لشركة واحدة بالتراضي، وتمسّك بعض الأطراف بإحالة الأمر على إدارة المناقصات.
وبالتالي، إن اعتماد البطاقة البايومترية لن يكون محسوماً، لا بل يكاد يجزم أكثر من وزير معني بأن «البطاقة البايومترية طارت».
مصادر وزارة الداخلية أكّدت لـ«الأخبار» أن «اعتماد البطاقة البايومترية لم يكن فقط بهدف الانتخابات، بل أيضاً كبداية لتطوير الأحوال الشخصية، والأحوال الشخصية تحتاج ما لا يقلّ عن نصف مليار دولار على عشر سنوات لتطوير هذا القطاع». وأضافت مصادر الداخلية أن «الانتخابات النيابية يمكن إجراؤها من دون البطاقة البايومترية وبالوسائل التقليدية، وهذا يخفّف العبء علينا، إلا أنه في حال عدم اعتمادها فإن هذا الأمر يضيّع فرصة التطوير الجزئي للأحوال الشخصية». وأكّدت المصادر أنه «في حال توافر القرار والاعتماد المالي في الأيام المقبلة، فإنه بوسع الوزارة إنجاز هذا الأمر، لكن في حال المماطلة لا شيء مضمون».
بدورها، قالت مصادر الرئيس نبيه برّي لـ«الأخبار» إن «مسألة البطاقة البايومترية متوقّفة الآن على قبول المجلس النيابي للتمويل، وعلى ما يمكن أن يحصل خلال جلسة المجلس لهذا الأمر من انقسام، وما إذا كان المجلس سيوافق سريعاً، فضلاً عن قدرة وزارة المال على تحويل هذه الاعتمادات سريعاً». وقالت المصادر إنه «في حال تعذُّر اعتماد البطاقة، ممكن العودة إلى آلية الانتخاب التقليدي، أي عبر الهوية أو جواز السفر، وبذلك نكون قد وفّرنا على الدولة مبالغ طائلة، وفّرنا طبع البطاقات تحت الضغط وتأمين نحو عشرة آلاف ماكينة الكترونية لقراءة البطاقات في كلّ مركز، ووفرنا شبكة الربط بين المراكز وكذلك تفريغ نحو 7000 موظّف تقني لهذا الأمر. وفي هذه الحالة، لن تكلّفنا الانتخابات أكثر من 30 مليون دولار أميركي. وبعد ذلك، نعمل على مشروع طويل الأمد لإصدار بطاقات الهوية البايومترية». وقالت المصادر إن «الحديث عن إصدار البطاقات في الوقت المناسب يبدو أقرب إلى الوهم، والدليل هو بطاقة الهوية اللبنانية، التي يعمل عليها منذ 1997 ولم تنته بعد».
مصادر التيار الوطني الحرّ أكّدت لـ«الأخبار» أن «الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها، وهذه قناعة لدينا»، وإنه «إذا لم تستطع وزارة الداخلية إصدار البطاقات، فإن الانتخابات ستحصل حتماً ولكل حادث حديث، لكن لماذا إفشال البايومترية منذ الآن، فلتبدأ الداخلية بالعمل عليها، وإذا اقتربت المهل ولم تنجز نبحث عن الحلول في وقتها». كذلك أكّد النائب آلان عون أن «البايومترية لن تكون على حساب الانتخابات».
الحديث عن عدم اعتماد البطاقة البايومترية، يفتح السّجال مجدّداً حول مبدأ انتخاب المواطنين في أماكن سكنهم، وآلية ترجمة هذا الأمر، وفي خلفية هذا السجال مواقف الأطراف المتناقضة من مسألة التسجيل المسبق. ويوم أمس، كرر كل من حزب الله وحركة أمل موقفهما المتمسّك بمبدأ التسجيل المسبق، خصوصاً في اللقاء بين بري والرئيس سعد الحريري على هامش جلسة مجلس النواب. وفي المقابل، أكّد الحريري والتيار الوطني تمسّكهما برفض التسجيل المسبق. غير أن عدم اعتماد البطاقة البايومترية في حال عدم اعتماد التسجيل المسبق، ينسف مبدأ انتخاب المواطنين في أماكن سكنهم، فيما يحلّ التسجيل المسبق أزمة الانتخاب في أماكن السكن، كما يحصل في مختلف دول العالم. ويبدو الخلاف حول هذا المبدأ خلافاً جوهريّاً غير قابل للحلّ في الوقت الحاضر، ما لم يحصل تفاهم كبير بين الأطراف السياسية الرئيسية في البلد، وإلّا فإن الاستحقاق الانتخابي برمّته يكاد يكون مهدّداً. وكان رئيس الحكومة قد أكد بعد لقائه بري أن «الحكومة قادرة على إنجاز البطاقة الممغنطة وتتحمل المسؤولية».
برّي ردّ على ترامب وعون يردّ اليوم
بعد أن غاب الكلام السياسي والانتخابي عن جلسة مجلس النواب أمس، بدا لافتاً تأنيب رئيس المجلس للنواب، بعد تأخر بعضهم عن موعد الجلسة، ما أخّر انعقادها. وقال: «لم أكن مخطئاً في الدعوة إلى انتخابات مبكرة». إلّا أن أبرز مواقف برّي أمس، كان الردّ على الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحديثه عن التوطين في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل يومين. وأصدر بري توصية رسمية باسم المجلس النيابي لـ«رفض أي شكل من أشكال التوطين على الأراضي اللبنانية وفق الفقرة ط من الدستور اللبناني»، مؤكّداً أنه «لا يمكن التعامل بخفة مع كلام ترامب». ورأى برّي أن «أهمية التوصية تكمن في كونها تتزامن مع وجود رئيس الجمهورية ميشال عون في نيويورك ومشاركته في الجمعية العمومية». بدوره، علّق الحريري على التوصية بعد لقاء جمعه ببري وعدد من الوزراء والنواب فور انتهاء الجلسة. وقال رئيس الحكومة إنه «لا أحد يطرح التوطين في لبنان أو يقبل به، والأميركيون يعرفون ماذا يعني هذا الموضوع بالنسبة إلينا».
ومن المتوقّع أن يردّ رئيس الجمهورية خلال كلمته اليوم أمام الجمعية العمومية على كلام ترامب.
وصدّق المجلس النيابي أمس على قانونين لا أكثر. الأول الرامي إلى معادلة البكالوريا اللبنانية للتلاميذ، وحق التشريع في الحقل الجمركي. فيما أحيل اقتراح إقرار عيد إعلان دولة لبنان الكبير على لجنة الإدارة والعدل لدراسته، بسبب الخلاف حوله. وكان بري قد أرجأ البحث في القوانين المتعلقة بعطلة يوم الجمعة، لأنها «تحتاج إلى نقاش» وفق تعبيره. وعندما حاول بعض النواب التحذير من عدم إقرار العطلة لما لها من تداعيات في «الشارع السني»، خصوصاً النائب خالد الضاهر، قال بري: «ما حدا بيهددني»، مضيفاً: «لا يزايدن أحد على إسلامي». كذلك أرجأ المجلس البتّ بالقوانين المرتبطة بسلسلة الرتب والرواتب، بانتظار قرار المجلس الدستوري