فاجأ الرئيس الاميركي دونالد ترامب لبنان والعالم امس بدعوته الخطيرة الى توطين النازحين السوريين «في اقرب مكان من بلادهم»، قاصداً بذلك لبنان والاردن وتركيا من دون ان يسمّيهم، ما طرح علامات استفهام كثيرة حول ابعاد هذا الموقف وخلفياته ومستقبل قضية النزوح السوري برمّته في قابل الايام والاسابيع والاشهر، وربّما السنوات المقبلة، على رغم البحث الجاري في أستانا وجنيف وغيرهما عن حلّ سياسي للأزمة السورية. وينتظر ان يثير هذا الموقف الاميركي ردّات فعل ومضاعفات لبنانية واقليمية ودولية، أقلّه لدى دول الجوار السوري ولا سيّما منها لبنان الذي يستضيف العدد الاكبر من النازحين السوريين حيث يفوق عددهم نصفَ عدد سكّانه، حسب إحصاءات رسمية وغير رسمية. وفيما كان لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ردٌّ أوّلي على ترامب دعا فيه الى إعادة النازحين الى بلادهم ومساعدتهم فيها، تترقّب الأوساط الموقفَ الذي سيعلنه في هذا الصَدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته غداً أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
لم تقلّ «جبهة نيويورك» في الامم المتحدة، سخونةً ولو كلامية، عن السخونة العسكرية التي تشهدها جبهة الشرق الاوسط. فخطاب ترامب الهجومي امام المنظمة الدولية والذي تضمّن تهديداً لكل من كوريا الشمالية وايران و«حزب الله» وكلّ الدول التي تموّل الارهاب او تدعمه، من شأنه ان يعقّد الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط بما فيها لبنان.

واللافت انّ خطاب ترامب في 19 ايلول 2017 يتلاقى مع خطابه خلال قمّة الرياض في 21 أيار الفائت، ما يعني، في رأي بعض المراقبين، انّ سياسة الادارة الاميركية الجديدة حيال الشرق الاوسط بدأت تأخذ منحى ثابتاً، مع كلّ ما يحمله من مخاطر، أبرزُها، الى تهديد تلك الدول، تأييدُ ترامب إعادة توطين اللاجئين، ويعني بهم ضمناً النازحين السوريين، في اقربِ الدول المجاورة لأوطانهم.

وهذا يؤكّد المخاوف اللبنانية التي لطالما كانت تُحذّر من انّ السياسة الدولية، أكانت اميركية أو اوروبية، أو أممية، أو الدول المانحة، أو المنظمات غير الحكومية، تعمل على تثبيت النازحين السوريين في البلدان التي نزحوا إليها. وقد سبقَ للأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون في أيار 2016 أن أدلى بتقرير رسمي في فيينا ذهبَ فيه أبعدَ من ترامب، إذ دعا إلى إعطاء الجنسية لهؤلاء النازحين أيضاً.

ماذا قال ترامب؟

وكان ترامب قد دعا، في أول خطاب له أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، زعماءَ العالم الى إيجاد سبلٍ لإعادة توطين المهاجرين الفارّين من الأزمات في أنحاء العالم «في أقرب ما يكون من أوطانهم» والسعي الى تسويةِ النزاعات التي تدفع المواطنين الى النزوح. وقال: «باستخدام تكلفة إعادة توطين لاجئ واحد في الولايات المتحدة يمكننا مساعدة أكثر من 10 في منطقتهم الأصلية». وأعلنَ انّ واشنطن ستحاسب الدولَ التي تدعم وتموّل منظمات إرهابية مِثل «طالبان» و«القاعدة» و«حزب الله».

وأوضَح انّ ثروات إيران يتمّ استخدامها في تمويل «حزب الله» وتقويض السلام في الشرق الأوسط، وقال: «على حكومة إيران وقفُ دعمِ الإرهاب والبدءُ في الاهتمام بشعبها». وأضاف: «علينا أن نحرم الإرهابيين من أيّ ملاذ أو دعم. وعلينا التصدّي للميليشيات التي تقتل الأبرياء مِثل «القاعدة» و«حزب الله».

ترقّب موقف عون

وفيما تترقّب الاوساط كلمة لبنان التي سيلقيها عون غداً الخميس امام المنظمة الدولية، وما ستتضمّنه من مواقف بعد خطاب ترامب، اكّدت مصادر سياسية لـ«الجمهورية» انّه لا يجوز الاكتفاء، كما جرت العادة، بإثارة موضوع النازحين، بل بطرحِ مشروع عودتِهم الفورية الى بلادهم، بغضّ النظر عن موقف المجتمع الدولي، وإلّا بقيَ ما لا يقلّ عن مليون ونصف مليون نازح سوري على ارضِ لبنان، مع ما يَعني ذلك من مخاطر على وحدة البلاد وصيغةِ التعايش والتوازن الديموغرافي، عدا عن الأخطار الأمنية».

وقد ردّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من هيوستن على موقف ترامب في شأن النازحين، قائلاً: «ترامب يقول إنه بكلفة كلّ نازح يقيم في الولايات المتحدة يمكننا مساعدة عشرة نازحين في منطقتهم، ونحن نقول يمكننا مساعدة مئة في بلدهم».

وكان عون قد شارَك امس في افتتاح اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 72، وعَقد لقاءً ثنائياً مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أكّد مجدداً «التعاونَ مع الحكومة اللبنانية بكلّ ما يعود بالخير على الشعبين اللبناني والفلسطيني، اضافةً الى الحفاظ على امنِ المخيّمات وعدم السماح باستعمالها للإساءة الى الاستقرار اللبناني من جهة والى سلامة سكّانها من جهة اخرى».

«تِخبزوا بالأفراح»

ومِن نيويورك الى ساحة النجمة في بيروت، حيث أعلِنت رسمياً مراسم دفنِ الانتخابات الفرعية بعد إقرار المسؤولين رسمياً بمخالفة الدستور بعدم إجرائها، وقول رئيس مجلس النواب نبيه بري «تِخبزوا بالأفراح».

وقد اعترَف رئيس الحكومة سعد الحريري بحصول خرقِِ للدستور نتيجة عدمِ إجراء الانتخابات الفرعية، محمّلاً «القوى السياسية مجتمعةً المسؤولية»، وسأل: «لم يُثر أحدٌ الانتخابات الفرعية في طرابلس بعد استقالة النائب روبير فاضل، فلماذا اليوم؟ وأكّد «أنّ الحكومة اتّخذت قراراً باعتماد البطاقة البيومترية، وستنفّذه».

إقتراح برّي

وكانت السجالات «الانتخابية» قد فرَضت نفسَها بقوّة أمس على أجواء الجلسة التشريعية العامة التي تُستأنَف عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم.
وعلى رغم غيابه عن جدول اعمال جلسة الأمس، فقد سلكَ اقتراح رئيس مجلس النواب بتقصير ولاية المجلس النيابي وتقريب موعد الانتخابات وإجرائها قبل نهاية السنة الجارية، طريقَه القانوني وتمّ تسجيله في قلمِ المجلس بعدما وقَّعه نواب من كتلة «التنمية والتحرير»، ومن المفترض ان يدرَج على جدول اعمال اوّلِ جلسة تشريعية جديدة.

وعلى هذا الاساس، يُنتظر أن تشهد الايام الفاصلة اتّصالات ومشاورات بين القوى السياسية للبحث في مصير هذا الاقتراح، علماً انّ جلسة الأمس شهدَت نقاشات حول هذا الامر، وقد سأل عدد كبير من النواب على هامش الجلسة، عن طبيعة هذا الطرح وخلفياته.

نُمدّد ونقصّر

وردّ باسيل من هيوستن على اقتراح بري، ورأى فيه «ضرباً للإصلاحات الإنتخابية». وقال من هيوستن: «بعدما بدأ تحقيق بعض ما طالبنا به في قانون الانتخابات، ومنها البطاقة البيومترية، بدأ الحديث عن تقصير ولاية مجلس النواب لضربِ الإصلاحات في قانون الانتخاب كمنعِ الرشوة وإتاحة الاقتراع للجميع أينما وجِدوا». ورأى انّ هذه الإصلاحات «تستأهل الانتظارَ من ثلاثة إلى اربعة أشهر»، وأضاف: «كانت هناك عملية لضربِ الإصلاح، نُمدّد لضرب الإصلاح ونُقصر الولاية لضربِ الإصلاح، إلى الأمام وما بقى في حَدَن يشدّنا لورا».

«الحزب»

أمّا «حزب الله»، فأكّد بلسان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم انّه يؤيّد «كلّ الاجراءات المسهّلة للانتخابات النيابية»، لافتاً إلى «أنّ الظروف الحالية لا تشوبها أيّ شائبة تمنَع تحقيق الانتخابات التي هي بمثابة مفصل مهمّ في تاريخ لبنان».

جنبلاط

وفي غضون ذلك، نأى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بنفسه عن اقتراح بري، واكتفى بالتغريد عبر «تويتر» عن علاقته مع الحريري، معترفاً بأنّ «الدوزنة الجديدة» معه «تشوبها ثغراتٌ موضوعية حول بعض الملفات تأخذ لاحقاً بُعداً ذاتياً نحن في غنى عنه»، وقال: «لن نقبل بعودة العلاقات اللبنانية ـ السورية إلى سابق عهدها من الوصاية»، مؤكّداً أنه «لا بدّ من موقف موحّد من العهد والوزارة في إرساء دوزنةِِ مدروسة من الندّ إلى الند منعاً للانبطاحية المعهودة».

لكنّ عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل ابو فاعور خاطبَ بري خلال الجلسة التشريعية قائلاً: «إنّ الجدل الدائر حول قانون الانتخاب هو نتيجة وجود قانون ارتكَبنا جميعاً خطأً فيه، نحن نثق بكم يا دولة الرئيس، وبرئيس الحكومة، للوصول الى تفاهم يكون اساسه إجراء الانتخابات وعدم تأجيلها».

بدوره، أكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في ردّ ضمنيّ على بري، جهوزَ «القوات» لخوض الانتخابات «في أيّ وقتٍ تستطيع وزارة الداخلية تنظيمَها». وأشار الى «أنّ موقف «القوات» الرافض مناقصة البطاقة البيومترية بالتراضي في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء يندرج في سياق تمسّكِ «القوات» بالشفافية والإجراءات القانونية والآليات المؤسّساتية تبعاً لإدارة المناقصات في كلّ مناقصة وتلزيم».

«الكتائب»

أمّا حزب الكتائب فحمَّلَ السلطة «مسؤولية المماطلة في إجراء الانتخابات الفرعية وصولاً إلى إلغائها»، ونبَّه من «نيّات مبيتة للسلطة السياسية، للتحكّمِ بنتائج الانتخابات العامة، سواء من خلال تحويل هيئة الإشراف على الانتخابات هيئةً تابعة لأهل السلطة، أو من خلال محاولة التحكّم بخيارات الناخبين بالبطاقة الممغنطة، أو بشرط التسجيل المسبَق للناخبين، وكلُّ ذلك بهدف إعادة إنتاج السلطة نفسِها، هذه السلطة التي تخلّت عن المرجعية السيادية للدولة اللبنانية، وتفرّغت للهدر والفساد».

بريطانيا

ورحّبت بريطانيا بلسان سفيرها في بيروت هيوغو شورتر بالتحضيرات القائمة للانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات. وقال: «سيمثّل إجراء الانتخابات النيابية محطة مهمّة لإعادة تأكيد نظام لبنان الديموقراطي».

رواتب الموظفين

في مجال آخر، علمت «الجمهورية» أنّ وزارة المال أعدّت كلّ الجداول لصرفِ رواتب الموظفين والعسكريين والاساتذة والمتعاقدين وفق قانون سلسلة الرتب والرواتب، وهي تنتظر المشاورات حول سبلِ تأمين الواردات اللازمة لها وقرار المجلس الدستوري المتعلق ببتّ الطعنِ بقانون الضرائب الذي إذا قُبل سيعطّل تأمينَ الواردات.

وعلمت «الجمهورية» انّ مشاورات ستجري في الايام المقبلة بين رئيس الحكومة وكافة القوى السياسية تدارُكاً للتداعيات التي ربّما تكون كارثية على مستوى المالية العامة بحسب مصادر وزارية. ونَقلت هذه المصادر تخوّفَ الحكومة من انّه إذا بدأ الصرف حسبَ السلسلة هذا الشهر فإنّه لن يكون بمقدورها التراجع عن هذا الصرف في الاشهر المقبلة، وإذا تعطّلت الإيرادات فإنّ خطراً كبيراً ستُصاب به المالية العامة والاقتصاد اللبناني، لأنّ الطمأنة على استقرار الليرة لن تنفعَ حينها.

المجلس الدستوري

ويعود المجلس الدستوري التاسعة من صباح اليوم الى الاجتماع لاستكمال البحث في الطعن المقدّم في دستورية القانون 45 الخاص بإحداث الضرائب، وذلك اعتقاداً بأنّ هذا الاجتماع قد يكون ما قبل الأخير في ضوء حجمِ التقدّم في توحيد المواقف من النقاط الأساسية التي سيتناولها الطعن، ما قد يؤدّي إلى إصدار القرار النهائي في جلسة ستحدّد قبل ظهر الجمعة المقبل.

وقالت مصادر معنية لـ«الجمهورية» إنّ البحث سيتركّز في عدد من النقاط الأساسية التي تناوَلها الطعن ولا سيّما منها المتصلة بآلية التصويت على القانون الجديد وتجاهلِ المناداة بالأسماء لمصلحة المناداة الجماعية وإعلان التصديق على القانون بالأكثرية في وقتٍ كان النواب يغادرون القاعة العامة، كذلك بالنسبة الى موضوع الازدواجية الضريبية وتخصيص ضرائب لهدف محدّد في القانون وهو أمرٌ غير دستوري. وعُلم انّ إطلاع المجلس على محضر جلسة مجلس النواب التي أقِرّ فيها القانون الضريبي هو ما فتحَ العيون على عدد من المخالفات المرتكَبة.

التوسّع في التحقيق

وفي هذه الأجواء كشَفت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» انّ المجلس الدستوري «يتّجه الى التوسّع في مناقشة بنود أخرى في القانون المطعون به لم يَشملها الطعن الذي قدّمه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل والنواب التسعة الآخرون بعدما ظهر انّ هناك مخالفات دستورية اخرى ارتكِبت في بعض مواد القانون، خصوصاً أنّ إحداث ضرائب جديدة خارج إطار الموازنة العامة يعَدّ خروجاً على الدستور.

فالضرائب لا تأتي من العدم، فهي من صلبِ الموازنة وإليها تعود، والبتّ بها خارج إطار الموازنة يشكّل خرقاً دستورياً». ولفَتت المصادر الى «انّ للمجلس الدستوري الحقّ بالتوسع في تناولِ ايّ مواد في القانون يَظهر انّها تشكّل خروجاً على الدستور، وهو ما قد يؤدي الى تحديد مخالفات جديدة».