شعر الإيرانيون باتفاقهم النووي مع الدول الكبرى يتمزق على وقع الكلمات النارية التي ألقاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطاب هو الأول له أمامها منذ توليه سدة الرئاسة في البيت الأبيض. 

فقد هاجم ترامب الاتفاق النووي واصفاً اياه بـ«المخجل» واعتبره «غطاء» يسمح لإيران في نهاية المطاف بتحقيق أهدافها العسكرية النووية. وازدحم خطاب الرئيس الأميركي بتوجيه انتقادات شديدة اللهجة لدول وصفها بـ«المارقة»، فأكد استعداد واشنطن لتدمير كوريا الشمالية في حال قام رئيسها الذي سماه ساخراً بـ«الرجل الصاروخ»، بأي خطوات عسكرية ضد أراضي الولايات المتحدة أو أي من حلفائها. 

وهاجم الرئيس الأميركي كذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد ووصفه بـ«المجرم» الذي استخدم الأسلحة الكيميائية في بلاده حتى ضد الأطفال، وفي هذا السياق أيضاً طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمحاكمة الأسد أمام القضاء الدولي. 

وذكر ترامب بالدور الهدام لإيران في الشرق الأوسط فقال «إن إيران عززت ديكتاتورية بشار الأسد وأشعلت الحرب

في اليمن». وقال إنه «بدلاً من استخدام مواردها لتحسين حياة الإيرانيين، فإن أرباح الحكومة الإيرانية النفطية تذهب إلى «حزب الله» ومجموعات إرهابية أخرى تقتل المسلمين الأبرياء وتهاجم جيرانها العرب والإسرائيليين». وذكر بما يهتف به الإيرانيون الموالون للنظام المتشدد داعين «علناً إلى القتل الجماعي مطالبين بالموت لأميركا والدمار لإسرائيل».

ولم تسلم كوبا هي الأخرى من نقد ترامب الذي أشعل اليوم الأول من الخطابات أمام الجمعية العامة بتهديدات واضحة وصريحة للدول «المارقة» مثل كوريا الشمالية وإيران التي تعادي بلاده وحلفاءها الذين وصفهم بـ«الدول اللائقة».

ففي خطابه الذي استغرق 41 دقيقة استهدف ترامب طموحات إيران النووية ونفوذها المتعاظم في الشرق الأوسط، وهدد كوريا الشمالية بالدمار التام في حال جنت على نفسها به، وحذر من انهيار الديموقراطية في فنزويلا ومن التهديد الإرهابي الذي يُشكله الإسلاميون المتطرفون.

واعتبر ترامب أن «الحكومة الإيرانية دولة مارقة مستنفدة اقتصادياً، والشيء الأول الذي تصدره للخارج هو العنف»، ووصف الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه في العام 2015 من قبل سلفه باراك أوباما بأنه «مخجل»، ولمّح إلى أنه قد لا يعيد التصديق على الاتفاق عندما يتعلق الأمر بالموعد النهائي في منتصف شهر كانون الأول المقبل عندما تقدم وزارة الخارجية الأميركية تقريرها عن مدى احترام إيران للاتفاق ومدى جديتها في تنفيذه، وهو قال في هذا الصدد «لا أعتقد أنكم سمعتم آخر ما يتعلق بهذا الاتفاق»، في إشارة واضحة إلى أن أموراً جديدة قد تطرأ عليه بعد منتصف الشهر المقبل. 

واعتبر الرئيس الأميركي أن «الشعب الإيراني هو الضحية الأبرز لممارسات النظام في طهران»، مؤكداً أن النظام في إيران «خارج عن القانون ويحاول الاختباء خلف الديموقراطية»، مضيفاً أن «الاتفاق مع إيران كان من جانب واحد وهو مخجل لنا». وأضاف «لن نقبل الاتفاق مع إيران إذا استخدم كغطاء لتطوير برنامج نووي».

وميز ترامب بين الدور الإيراني الهدام والدور العربي البناء في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وقال في هذا الصدد «علينا أن نحرم الإرهابيين من أي ملاذ أو دعم. وعلينا التصدي للميليشيات التي تقتل الأبرياء مثل القاعدة وحزب الله». وأضاف: «علينا حرمان الإرهابيين من أي ملاذ أو تمويل أو ممر آمن»، مشيراً إلى أن الأوان قد حان لمواجهة الدول التي تدعم الجماعات الإرهابية. وشدد على أن واشنطن تسعى لـ«عدم تصعيد الحرب في سوريا والتوصل لحل يلبي مطالب الشعب السوري». 

وبشأن أزمة اللاجئين قال الرئيس الأميركي إن «كلفة توطين لاجئ واحد في الولايات المتحدة تكفي لمساعدة 10 لاجئين في أرضهم».

وبالطبع كان التهديد الكوري الشمالي المحور الرئيسي لخطاب ترامب الذي سخر من نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون واصفاً اياه بـ«رجل صاروخ في مهمة انتحارية له ولنظامه»، لأنه تجرأ على التهديد بضرب أراضٍ أميركية، فأكد الرئيس الأميركي أن بلاده قد تضطر إلى «تدمير كوريا الشمالية بشكل كامل» إذا لم تتراجع بيونغ يانغ عن تحديها النووي. وحث ترامب الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة على العمل معاً لعزل حكومة كيم حتى تتوقف عن سلوكها «العدائي». وأضاف محذراً «أن كوريا الشمالية تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية وصواريخ باليستية تهدد العالم بأسره بكلفة لا يمكن تصورها». وأوضح ترامب ملمحاً إلى الصين الشريك التجاري الأول لكوريا الشمالية أنه «لمثير للغضب أن بعض الدول لا تتاجر فقط مع مثل هذا النظام ولكن تسلحه وتدعمه مالياً برغم التهديد الخطر الذي يُشكله على العالم من احتمال إشعاله صراعاً نووياً». 

وقيل إن ديبلوماسياً كورياً شمالياً واحداً فقط من بعثة بيونغ يانغ شاهد خطاب ترامب وكان يجلس في الصف الأمامي. وقبل خطاب ترامب، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس نداء لتفادي الحرب مع كوريا الشمالية. وقال رئيس الوزراء البرتغالي السابق «لقد حان الوقت لدعم حل سياسي». وأضاف «يجب أن لا نسير نياماً نحو الحرب». 

وبعد التحذير الناري الذي أطلقه ترامب عن استعداد الأميركيين لتدمير كوريا الشمالية تماماً إن استدعت الحاجة، دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي إلى «تهدئة الأجواء»، معتبراً أن «التهديد بالخيار العسكري لا يخدم التوصل إلى حلول».

وأثنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطاب ترامب قائلاً إنه «في أكثر من 30 عاماً في تجربتي مع الأمم المتحدة، لم أسمع أبداً خطاباً أكثر جرأة أو أكثر شجاعة». وفي خطابه أمام الجمعية طالب نتنياهو المجتمع الدولي «بتغيير اتفاق إيران النووي أو إصلاحه أو إلغائه». وحذر من «ستار إيراني ينسدل على شتى أنحاء الشرق الأوسط». وأكد بالفارسية أن «إسرائيل دولة صديقة للشعب الإيراني».

أما وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف فوصف خطاب ترامب بأنه «خطاب كراهية جاهل ينتمي إلى العصور الوسطى وليس القرن الحادي والعشرين، وأنه خطاب غير جدير بالرد. وتعاطفه الوهمي مع الشعب الإيراني لا يخدع أحداً».

وجاء الخطاب الأول للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مليئاً بالملفات الدولية ولا سيما الشرق أوسطية منها، فهو تطرق إلى العديد من القضايا الدولية، كملف الأزمة السورية فأكد عزم بلاده على «طرح مبادرة مع شركائها لوضع خارطة طريق سياسية شاملة في سوريا». ودعا إلى «تشكيل مجموعة اتصال حول سوريا لإعطاء زخم جديد لمسار الحل السلمي للنزاع هناك»، واعتبر أن «آلية المفاوضات التي تخوضها موسكو وطهران وأنقرة في الآستانة لا تكفي»، وأشار إلى أن مجموعة الاتصال التي يقترحها تشمل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن إضافة إلى «الجهات المعنية بالنزاع السوري».

واعتبر الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي اثر إلقائه خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن «بشار الأسد مجرم، يجب أن يُحاكم ويُحاسب على جرائمه أمام القضاء الدولي. ولكنني من منطق براغماتي، لم أجعل من تنحيه شرطاً مسبقاً»، مشدداً على أنه يعود إلى الشعب السوري «أن يختار قائده المقبل بحرية».

وعقدت الدول الداعمة للمعارضة السورية اجتماعاً أمس في نيويورك أعادت من خلاله فرنسا وبريطانيا موضوع «عملية الانتقال السياسي في سوريا بعيداً عن بشار الأسد إلى الواجهة». وأكد وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون أن بلاده والدول الأخرى الصديقة للمعارضة السورية ترفض المشاركة في إعادة إعمار سوريا طالما بقي الأسد في الحكم.

وفي سياق آخر، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال الرئيس الأميركي إنه يعتقد أن النزاع بين قطر وبعض الدول العربية التي تتهم الدوحة بدعم الارهاب، سيجد طريقه إلى الحل قريباً.

وهو صرح لدى لقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «إننا الآن في وضع نحاول فيه حل مشكلة في الشرق الأوسط. وأعتقد أننا سنحلها ولدى شعور قوي بأنها ستجد طريقها إلى الحل سريعاً جداً». وفي رده على سؤال عما إذا كان حذر السعوديين بشأن التحرك عسكرياً ضد قطر قال ترامب «لا».

وقال أمير قطر خلال اجتماعه مع ترامب إن العلاقة مع الولايات المتحدة قوية جداً.