• "مجلس حكم"
إتفاق تركيا العوني – المستقبلي تـُرجِم عبر ما بات يمكن إعتباره مجلس حُكمٍ غير معلن ، ينعقد غالباً في القصر الجمهوري ، ويضم بالإضافة إلى باسيل والحريري عدداً من الوزراء والمدراء والمسشتارين ، وغالباً ما يتم في هذه الإجتماعات ترتيب التفاهمات على الملفات في مجلس الوزراء ، وكيفية إدارة المصالح المشتركة والمنفردة للطرفين.
• تفاهم على العلمنة؟!
ولعلّ أسوأ ما قد يكون في إتفاق الحريري – باسيل هو ذلك الخطّ غير المنظور من التفاهم على خطوات العلمنة في الحكم.
فالتيار العوني لطالما نادى بالعلمنة بدل الدولة المدنية ، أي بتغيير طبيعة المنظومة الدستورية المدنية القائمة على إحترام الطوائف في إدارة أحوالها الشخصية عبر محاكمها الدينية إلى الإنتقاص من دور هذه المحاكم لصالح منظومة جديدة تقصي الدين عن حياة الناس.
فما نراه من توجه الحريري بإستهداف صلاحيات المحاكم الشرعية وضرب المطلب التاريخي للمسلمين في عطلة يوم الجمعة ، يجعلنا نتساءل عن ما إذا كان الإتفاق العوني – الحريري يتمدّد ليشمل طرح العلمنة الذي لا يتمّ إلا بعد أن يقوم ممثل السنة في الحكم بتقويض المعارضة داخل طائفته ، لأن الطرح من خارجها سيوحد القوى والجمهور السني ويجعل تمرير المشروع صعباً للغاية كما حصل في مراحل سابقة.
• عندما هدّد اللواء عثمان بالإستقالة
يلقي تقاطع المصالح بين باسيل والحريري بظلاله على مجمل الملفات والقضايا ، لا بل إن الوسط السياسي بات يتعامل مع حالة التخلي العامة التي يمارسها تيار المستقبل على أنها هي السائدة ، مما يجعل إستهداف المواقع السنية أمراً مستساغاً ومستسهلاً لدى الجميع ، وهذا ما يجعل واقع القيادات السنية مكشوفاً ودون مقوّمات صمود حقيقية.
وفي هذا الإطار تستمر معاناة شعبة المعلومات ، التي تقوم بواجب حماية أمن كل اللبنانيين ، جراء الحصار المالي عليها من الرئيس نبيه بري الذي يراهن على تلاشي مقاومة الرئيس الحريري وتخليه عن الدفاع عن "المعلومات" بعد شهور الحصار.
ويبدو أن الرئيس الحريري وصل إلى هذه النقطة وطرح على اللواء عماد عثمان الإستجابة لطلب الرئيس بري والتراجع عن تعيين العميد علي سكينة قائداً لمنطقة الشمال الإقليمية بدون إذن بري ، إضافة إلى تعيينٍ آخر بدون إذن "الأستاذ".
لكن الحريري وجد لدى اللواء عثمان تمسكا بقانونية قراراته وبالحفاظ على صلاحياته وعلى هيبة المؤسسة.. وبالتالي فإنه فضّل الإستقالة على على التراجع عن قرارات سيادية خاصة بقوى الأمن الداخلي في بداية وجوده على رأس مؤسسة قوى الأمن الداخلي ، لهذا تم التفاهم على إبقاء الوضع على ما هو عليه حالياً.
لن يـُنجِد الرئيسُ الحريري شعبة المعلومات ، ولن يتدخل إلى أن ييأس الوزير نهاد المشنوق ويتعب اللواء عثمان من وطأة حصار يضرب مؤسسة تقوم بدور محوري في حماية الأمن الوطني.
الوزير المشنوق ، المحاصر بحصار المعلومات ، يضيق هامش مناورته السياسية بين الحفاظ على علاقة مكلفة مع الرئيس الحريري ، من أثمانها البدء بمحاولة شلّ حركته الوزارية من خلال محاصرته بقرارات تخالف مهامه الأساسية كوزير للداخلية ، وهذا ما يجعل حركته في لجان وإجتماعات التحضير للإنتخابات ثقيلة ومثقلة بأجندة غير معلنة للحريري مبنية على إسقاط فكرة الإنتخابات التي ستـُفقد الأخير وزنه الأكثري في الساحة السنية.
لكن المشنوق قام بإنتفاضة مزدوجة على طريقته في خطابه الأخير. حيث إنتفض في وجه "حزب الله" الذي يستهدف الرئيس تمام سلام ، وانتفض في الوقت نفسه في وجه منطق الرئيس الحريري الذي يضرب عرض الحائط مقومات صمود الموقف السياسي والثوابت السيادية.. وبدا المشنوق في المشهد السياسي أقرب إلى سمير جعجع في خطابه بذكرى شهداء القوات اللبنانية.
• تداعيات إتفاق الحريري – باسيل: الآتي أسوأ
حصارُ شعبة المعلومات ، التخلي عن مواقع السنة في هيئة "أوجيرو" ، تساقط المواقع الإدارية في الوزارات من عكار مروراً بطرابلس وليس إنتهاءاً بصيدا أو البقاع ، إستهداف المحاكم الشرعية وعطلة الجمعة ، إعادة الضباط العونيين المستقيلين من العام 1991 بمفعولٍ رجعي وعدم إعادة الإعتبار للضباط السنة المنتفضين ضد إنقلاب 7 أيار 2008 ، التخلي عن القاضي شكري صادر وإضطهاد عبد المنعم يوسف علناً وفارس خشان بدون إعلان ، وإقصاء الدكتور توفيق شبارو، والدكتور مجيد عبد الرحمن، والمهندس حسام سعد (من اﻷقليم)، عن أهم المواقع السنية في أوجيرو.
المضايقات والمحاصرة التي يتعرض لها الرئيس السنيورة مع إرادة تقليص دوره ودور إجتماعات كتلة المستفبل النيابية ، وكذلك تهميش وإقصاء النائب أحمد فتفت الذي يأتي ضمن دفعات اﻻتتفاق المذكور مع باسيل.
..التخلي نهائياً عن العقيد المتقاعد عميد حمود الذي كان يدير أفواج المستقبل في الشمال والذي كان يعرض أمنه وحياته وأمن عائلته للخطر، من أجل التصدي لتمدد "حزب الله" وتوابعه في البيئة السنية وتركه في واقع قضائي وأمني وشخصي رديء ومحفوفٍ بالمخاطر.. التنازل المخزي في ملف قانون اﻹنتخاب حيث نفذ الحريري بشكل أعمى ودون تردد مشيئة "حزب الله" بهذا الشأن متخليا عن حليفه وليد جنبلاط الذي حاول المقاومة حتى آخر لحظة. لكن تخلي الحريري جعله يستسلم هو أيضا.
الدخول في نفق القبول بالتحقيق في ملف أحداث عرسال وما سيؤدي إليه من تداعيات تطال الرؤوس الكبيرة المعارضة لـ"حزب الله" في حال إستمرار التراخي في هذه الملفات ، وعدم القدرة على تقديم التغطية السياسية اللازمة لكل من صمد في وجه حملات الحزب على مدى السنوات الماضية ،
.. يتصرف الرئيس الحريري مع قاعدته وجماعته ومناصريه، وكذلك مع خصومه وأعدائه اﻷشداء في السياسة، على قاعدة أنه مهزوم في حربه السياسية وقد أعلن استسلامه وهو بينهم رهينة حرب ينفذ مشيئتهم ويوقع على مستندات اﻻستسلام والتخلي. ويفضل أن يخرج من هذا الواقع بمكاسب شخصية له ولبطانته التي تضر به على حساب التوازن الميثاقي التاريخي للبنان وعلى حساب اﻻستقلال الدستوري للمؤسسات واﻹدارة العامة.
كل هذا يبدو أنه يأتي في سياق إتفاق الحريري – باسيل والآتي يبدو أنه أعظم وأسوأ ، لأن إستهداف القيادات المعارضة سيجعل الرئيس الحريري مكشوفاً والتخلي عن أحد أهم صلاحيات رئيس الحكومة المتمثلة في وضع جدول أعمال مجلس الوزراء عن طريق حصر التعيينات في الجلسات المنعقدة في قصر بعبدا قد حصل على رؤوس الأشهاد.. والتطبيع مع التنازلات ماضٍ على قدمٍ وساق ، ونتائجه نحصدها يومياً جرعات من الإنكسار والإحباط والغضب.
• أمين عام التحالف المدني الإسلامي