يستمر الرئيس نبيه بري في هجومه الهادف إلى حماية الاستحقاق الانتخابي كما يقول. يركز على وجوب إجراء الانتخابات في موعدها، بل حتى قبل الموعد الذي حدّده التمديد الثالث، والذي كانت ذريعته إنجاز البطاقات الممغنطة.
لم يكن بري ليتحرّك بهذا الشكل العلني المكثّف، لو لم يكن لديه أجواء أكيدة تفيد بأن البعض يسعى إلى تأجيل الانتخابات، وينتظر أي ذريعة تمكّنه فرض خياره هذا. يعرف بري جيداً مكامن قوة كل طرف وضعفه. بالتالي، يعرف كيف يوجه سهامه ومن تصيب. بدأ بري الحملة باكراً بالمطالبة في تقريب موعد الانتخابات وعدم الإانتظار حتى شهر أيار 2018. وهو بذلك يحاول "زكزكة" كل من الرئيس سعد الحريري، والوزير جبران باسيل، لعلمه أنهما غير مستعدين للانتخابات النيابية. وهو قادر على التعويل على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، الحريص على الاستحقاق وإنجازه، لانه لن يرضى لعهده أن ينطلق بتمديدين.
جديد بري هو ما خرج به اجتماع كتلة التنمية والتحرير، بالإعلان عن التقدم بإقتراح قانون معجل مكرّر إستناداً إلى الدستور، لتعديل الفقرة الثانية من المادة 41، لتصبح على الشكل الآتي: "تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي في نهاية العام الحالي، على أن تجري الانتخابات قبل هذا التاريخ وفق الأحكام المنصوص عليها في القانون، بعد تعديل المهل في الإجراءات التنفيذية بما يتلاءم مع هذا التعديل".
ويأتي هذا الإقتراح بسبب وجود صعوبة في إصدار نحو مليون بطاقة ممغنطة كلّ شهر. بالتالي، تحسباً لأي تمديد طارئ. وقد تمسّكت كتلة بري بالمطالبة بالتسجيل المسبق للناخبين الراغبين في تسجيل أسمائهم خارج مسقط رأسهم، لأن ذلك يسهّل العملية الانتخابية.
لا شك في أن هدف بري من هذه الخطوة، سياسي أكثر منه تقنياً، إذ إن هناك صعوبة حتى في إجراء الانتخابات النيابية في الشتاء، لأن أساساً أهداف تأجيل الانتخاب سياسية وليست تقنية. وهناك قوى غير جاهزة لخوض غمار المعركة الانتخابية خلال فترة قريبة، خوفاً من مراكمة الخسارات. ولكن، قد يعتبر البعض أن الهدف غير المعلن لبري من وراء ذلك، هو إعادة فتح الجدل بشأن قانون الانتخاب على مصراعيه. وذلك لقطع الطريق على التعديلات التفصيلية التي يطالب بها تيارا الوطني الحر والمستقبل، من إلغاء الصوت التفضيلي، أو اعتماد صوتين تفضيليين، والذهاب إلى نقاش أوسع قد يؤدي إلى اعتماد النسبية الكاملة، وعودة السجال السابق، بشأن اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، أو العودة إلى اعتماد المحافظات على أساس النسبية.
نقل بري النقاش من الخلافات والاعتراضات على آلية تلزيم البطاقات البيومترية، إلى مكان آخر، وهو تقريب موعد الانتخابات. فيما يستمر ذلك السجال، الذي ترفع لواءه داخل الحكومة القوات اللبنانية. وهذا ما سينتج تصعيداً في المواقف خلال الأيام المقبلة، خصوصاً أن القوات تعتبر أن هناك فضيحة في مسألة البطاقات البيومترية، لا سيما أن الشركة التي تم تلزيمها ذلك، معروفة مسبقاً، وهي قريبة من أحد التيارات السياسية الحليفة للقوات. وتعترض القوات على التلزيم من خارج دائرة المناقصات، وترفض ذريعة ضغط المهل والوقت.
يعود بري إلى اليوم الثاني بعد اقرار القانون الجديد. في حينها، خرج الوزير جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح وأعلن أن معركة قانون الانتخاب بدأت في حينه. وقد ردّ بري وفي حينها، بأن التعديل مرفوض. وتفيد أجواء سياسية بأن حزب الله هو أكثر المتحمسين لاجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وقد أبلغ جميع القوى بذلك وبأنه ضد تأجيلها، بل يفضّل تقريب موعدها. وإذا ما ربط هذا الكلام بما أقدم عليه بري، فسنغدو نتيجة واحدة هي أن الانتخابات يجب أن تجري في موعدها، حتى لو تم التوصل إلى إلغاء البطاقة البيومترية، وحصول عملية الإقتراع بالشكل التقليدي. خطوة بري هذه تمهّد الطريق لضرب الإتفاق المعقود بين المستقبل والوطني الحرّ. والأيام المقبلة ستشهد مزيداً من الخلافات والسجالات.