ارتفعت حماوة تحركات ومواقف المثلث العراقي ـ الإيراني ـ التركي لمواجهة احتمال الانفصال الكردي مع بدء العد العكسي لاستفتاء استقلال كردستان عن بغداد المقرر إجراؤه الإثنين المقبل، وسط مخاوف إقليمية ودولية من التبعات الخطيرة للخطوة الكردية على خارطة المنطقة أمنياً وسياسياً. 

ودخل القضاء العراقي طرفاً في الأزمة المشتعلة مع إقليم كردستان عندما اصطف إلى جانب حكومة بغداد برفض استفتاء الانفصال الكردي، بعدما ازدادت الأصوات المطالبة بإلغائه وسط مخاوف من الآثار «الخطيرة» للخطوة الكردية على مستقبل دول المنطقة، بالتزامن مع تصريح أنقرة بأن «الذين يسعون وراء أحلام في العراق وسوريا، ويحاولون أن ينشئوا دولة مصطنعة هناك، سيرون أن كل محاولة تهدد أمننا القومي داخل البلاد وخارجها ستلقى الرد اللازم في لحظته»، حسب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم.

ففي العراق أصدرت أعلى سلطة قضائية أمراً «ولائياً» بوقف إجراءات استفتاء إقليم كردستان إلى حين حسم الدعاوى المقامة بعدم دستورية القرار المذكور.

وجاء موقف القضاء العراقي منسجماً مع تحرك الحكومة العراقية لقطع الطريق أمام تحركات حكومة إقليم كردستان لإجراء الاستفتاء.

ولم يتأخر الرد الكردي على موقف القضاء العراقي، إذ اعتبرت كتلة الحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة رئيس الإقليم مسعود البارزاني) في البرلمان العراقي، أن القضاء العراقي «مسيس» لأطراف «معادية» للأكراد.

وقال نائب رئيس الكتلة شاخوان عبد الله في تصريح إن «قرار المحكمة الاتحادية برفض الاستفتاء هو قرار غير مُلزم لنا ولا قيمة له»، معتبراً أن «القضاء مسيس وقراراته غير مُلزمة لنا، لأنها تصب بمصلحة أطراف محددة عرفت بموقفها المعادي للكرد». 

ولفت الى أن «المحكمة الاتحادية ليس من حقها ايقاف الاستفتاء، وليس من صلاحياتها هذا الأمر»، مؤكداً أن الإقليم «سيمضي بالاستفتاء ولن يتم إلغاءه إلا بقرار من القيادة السياسية في الإقليم، أما دون ذلك، فالاستفتاء ماضٍ بموعده وقرار المحكمة لا يهمنا».

ويأتي الموقف الكردي بعد ترحيب شيعي لافت بقرار المحكمة الاتحادية العليا بوقف إجراءات استفتاء إقليم كردستان.

وخلال مؤتمر صحافي لنواب التحالف الشيعي (180 مقعداً في البرلمان العراقي من أصل 328) دعا النائب عمار الشبلي إلى الالتزام بحكم المحكمة الاتحادية العليا، معتبراً أن قرار المحكمة «بات حجة على الجميع باعتبارها أعلى سلطة قضائية ويجب الالتزام بقرارها».

وعلى الرغم من حال الشد والجذب بين بغداد وأربيل، يواصل الرئيس العراقي فؤاد معصوم مساعيه الرامية لعقد اجتماع سياسي موسع لاحتواء آثار وتداعيات قرار الاستفتاء المقرر في 25 أيلول الجاري.

وبحسب بيان مكتب رئاسة الجمهورية الإعلامي، فإن «معصوم بحث قضية الاستفتاء مع وفد تركماني ضم رئيس الجبهة التركمانية أرشد الصالحي وعضو البرلمان العراقي عباس البياتي عن التحالف الوطني الشيعي (أكبر كتلة برلمانية)»، مؤكداً سعيه «لتقريب وجهات النظر والاطلاع على رؤى جميع الأطراف ذات الشأن من أجل تهيئة أرضية مناسبة يستند عليها الحوار للوصول إلى مخرج حقيقي للأزمة الحالية».

وأكد الصالحي والبياتي وفق البيان تأييدهما «مبادرة معصوم لإطلاق حوار بنّاء وشامل بين الجميع، وحرصهما على إنجاح هذه المساعي».

وفي أربيل، أعلنت مفوضية الانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان فتح مكتبين في محافظتي كركوك ونينوى لإدارة عملية الاستفتاء.

وقال المتحدث باسم المفوضية شيروان زراري في مؤتمر صحافي أمس إن «المفوضية أقامت مكتبين في محافظتي كركوك ونينوى لإدارة عملية الاستفتاء فضلاً عن تدريب الموظفين وآليات تصويت الكرد الموجودين في الخارج»، مشيراً إلى أن «نسبة وصول المواد اللوجستية للاستفتاء الى إقليم كردستان بلغت 90 في المئة».

وأضاف زراري أنه «تم التنسيق مع الجهات المعنية بشأن التصويت الخاص»، موضحاً أن «عملية التصويت الخاص ستشمل القوات الأمنية والمستشفيات والنازحين» وأنه «تم تسجيل 11 كياناً سياسياً و64 مراقباً دولياً و65 مؤسسة إعلامية لمراقبة عملية الاستفتاء».

وتتزامن استعدادات مفوضية الانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان لإجراء الاستفتاء مع ضغوط دولية على الإقليم للتراجع عن قرار الاستفتاء الذي تعارضه دول عدة في المنطقة، خصوصاً تركيا وإيران اللتين اجتمع سفيريهما في بغداد لمناقشة الخطوة الكردية.

وبحسب مصادر صحافية فقد «بحث السفير الإيراني لدى العراق إيرج مسجدي مع نظيره التركي فاروغ كايماكتشي (أول من أمس) آخر التطورات السياسية في المنطقة والعراق بما فيها استفتاء إقليم كردستان»، مضيفة أن «الجانبين أكدا ضرورة اتخاذ خطوات منسقة بين بلديهما في هذا الخصوص». وأضافت المصادر أن «السفيرين الإيراني والتركي في العراق طالبا رئيس الإقليم مسعود البارزاني بالتوقف عن متابعة هذا المشروع لما فيه من مخاطر على أمن المنطقة وإقليم كردستان».

وكذلك تحركت تركيا التي أجرى رئيسها رجب طيب أردوغان اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وأكد رئيس الوزراء التركي أنّ كل التطورات التي تحدث في سوريا والعراق، والتي من شأنها تهديد الأمن القومي التركي، لن تبقى من دون رد.

وقال يلدريم: «سيرى الذين يسعون وراء أحلام في العراق وسوريا، ويحاولون أن ينشئوا دولة مصطنعة هناك، أن كل محاولة تهدد أمننا القومي داخل البلاد وخارجها ستلقى الرد اللازم في لحظته».

وفي غضون ذلك، أعلنت القوات المسلحة التركية بدء مناورات عسكرية على الحدود العراقية، وذلك قبل أيام على موعد استفتاء حول الاستقلال في إقليم كردستان العراق تعارضه أنقرة.

وقال الجيش التركي في بيان إن «عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة الحدودية تتواصل بالتوازي مع التمارين».

وأفاد شهود عيان أنهم رأوا ما يصل حتى مئة آلية عسكرية بينها دبابات، تنتشر على الحدود العراقية في وقت مبكر من صباح أمس.

ودولياً، وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الاستفتاء الذي تعتزم حكومة الإقليم الكردي في العراق إجراؤه في 25 أيلول الجاري بشأن الانفصال، بأنه «خطوة غير مناسبة».

ومن مقر الأمم المتحدة في نيويورك، دعا لودريان الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم الكردي للجلوس إلى طاولة الحوار، مبيناً أنّ الدستور العراقي يتضمن عناصر شديدة الأهمية بشأن الحكم الذاتي يجب احترامها والحفاظ عليها عبر الحوار.

واستفتاء استقلال إقليم كردستان هو استطلاع لرأي سكان المحافظات الثلاث في الإقليم في كل من أربيل والسليمانية ودهوك ومناطق أخرى مُتنازع عليها، حول رغبتهم بالانفصال عن العراق حيث يرفض التركمان والعرب شمول الاستفتاء محافظة كركوك وبقية مناطق المُتنازع عليها، كما ترفض ذلك الحكومة العراقية وبشدة.