التّحقيب الزمني:
لا تنفصل مأساة كربلاء التي ذهب ضحيّتها الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ومعه ستة عشر رجلاً من أهل بيته ، عن مأساة الطالبيّين التي بدأت بالمسار الدرامي الذي طبع حياة والده الإمام علي، الذي ما إن أفضت الخلافة إليه بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، حتى كان عليه أن يُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، أعداءه في معارك الجمل وصفّين والنّهروان، قبل أن يُغتال في رمضان عام أربعين للهجرة، لينتهي أمر الدعوة المحمدية والإسلام المبكّر بي يدي معاوية بن أبي سفيان عام واحد وأربعين للهجرة، في انتقالٍ سلمي للسلطة بعد بيعة الإمام الحسن بن علي له، وإعلان اعتزاله الحكم "لخير أمة محمد".
إقرأ أيضا : عاشوراء من ذكرى إلى.. كارنافال
وهكذا وجد معاوية بن أبي سفيان، سيد قريش القديم ، نفسه على رأس الخلافة الإسلامية، وبدا كأنّ المبدأ الارستقراطي قد تفوق على الفضل الديني، الذي طالما فاخر به عليٌ على معاوية، أو أنّ الدهاء السياسي قد انتصر على الشعور الديني، ومع دهاء معاوية الذي اشتهر به وتباهى فيه ، إلاّ أنّه لم يتمكن من ردم الهوة الفاصلة بين الجماعتين اللتين تواجهتا في صفّين، وبدلاً من الاهتمام الكافي بأحوال العراق الخاصة وبلاد الحجاز، انغمس كثيراً في الخصوصية الشامية، وفشل فشلاً ذريعاً في صهر جناحي الأمة، والأدهى من ذلك، أنّه أرسل إلى العراق وُلاةً مستبدين استثاروا ثورات كبيرة، نجح في إخمادها ، لكن ذلك بقي سياسة قطع وقوة، وليس سياسة جمع وتوحيد، وبدلاً من اجتثاث الفتنة، انكبّ على الحرص في زرعها من خلال دعاية تحقيرية لعلي، من هنا ولدت حركة معارضة، حركة مقاومة ،ستُعرف فيما بعد بشيعة علي، تمركزت تلك الحركة في الكوفة، عاصمة خلافة علي، من نواةٍ صغيرة ظلّت وفية لذكراه، وسيغلب عليها الطابع السياسي أكثر مما هو ديني، وهو في الأعمّ الأغلب تشيُّع عربي وكوفي سينهج طريقه الخاصة في مواجهة الأمويين .
إقرأ أيضا : توجيهات السادة السيستاني ونصر الله في عاشوراء... فرق كالبعد بين الأرض والسماء !
وستكون واقعة الطّف في كربلاء عام ٦١ للهجرة مفصلاً هاماً سيطبع تاريخ الأمة الإسلامية حتى يومنا هذا.
يتبع: ممهدات مأساة كربلاء