نشرت صحيفة "ليترا43" الإيطالية تقريرا تحدثت فيه عن الصعوبات التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، حيث يعيشون تحت استهداف حزب الله لهم بحجة البحث عن الإرهابيين، وخطر إعادتهم إلى سوريا والتعرض لبطش نظام بشار الأسد، ناهيك عن التحريض الذي تمارسه ضدهم بعض الأطراف السياسية اللبنانية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن حزب الله زاد ضغطه على مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، بالتعاون مع الحكومة في بيروت، حيث بات يستهدف هذه المخيمات بحجة البحث عن مقاتلي تنظيم الدولة. ولكن، من يدفع ثمن هذه العمليات هم المدنيون الذين يتعرضون لأشكال الانتهاكات كافة، إذ تتم إعادتهم قسرا إلى سوريا ليتم تعذيبهم على يد النظام.
وفي هذا الصدد، تحدثت الصحيفة إلى مواطن سوري يعيش في مخيم الريحانية في منطقة عكار شمال لبنان، الذي يبعد نحو 10 كيلومترات عن الأراضي السورية. وأفاد هذا اللاجئ، الذي يعيش مع ثمانية أشخاص في خيمة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة متر مربع، "لقد أخذوني إلى أحد مراكز الشرطة في منطقة حمص، ووجهوا لي تهمة الضلوع في الإرهاب لمجرد أنني كنت أعيش في حي خرج منه العديد من مقاتلي المعارضة، ثم قاموا بوضعي في شاحنة".
وأضاف هذا الشاهد قائلا: "لقد تعرضت للضرب أنا وحوالي 50 شخصا آخرين بعد محاصرتنا في زنزانة ضيقة، وكنا مضطرين للنوم وقضاء حاجاتنا في نفس المكان".
وأشارت الصحيفة إلى أنه بينما كان هذا الشاب يروي قصة معاناته، كان باقي أفراد عائلته الحاضرين يبكون في صمت لدى سماع هذه الفظائع. وأردف هذا الشاهد قائلا: "لقد كنا نعذب بشكل يومي، وكنا نعلق في السقف لساعات طويلة أو نوضع في براميل، لقد كسروا أسناني. وأحيانا كانوا يقومون بصعقي بصدمات كهربائية في مناطق حساسة".
كما أكد هذا اللاجئ أن تعامل عناصر النظام السوري مع المعتقلين كان يتم دون أي شفقة أو إنسانية، ربما بسبب الخوف من انتقام الشعب منهم، أو فقط لمجرد الاستمتاع بتعذيب الناس، خاصة أنهم لم يكونوا يقومون بأي شيء مع السجناء باستثناء التعذيب.
وذكرت الصحيفة أن هذا اللاجئ بعد ثمانية أشهر من الاعتقال والتعذيب في السجون السرية في حمص، تمكن أخيرا من الحضور أمام قاض خاص بقضايا الإرهاب، وحصل على حكم بالإفراج. وهو لا يزال إلى اليوم يحتفظ بالورقة التي عليها الختم الرسمي للإفراج عليه، لأنه يخشى من أن تتم مداهمة المخيم ويحتاج لإظهارها مجددا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على غرار هذا الشاهد، هناك الآلاف من اللاجئين السوريين الذين فروا بعد تعرضهم للعنف والتعذيب. وتشير الإحصائيات إلى أن 100 ألف سوري اختفوا قسرا منذ بداية الصراع، والحصيلة مرشحة للارتفاع.
وبينت الصحيفة أن الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، قد أعلن يوم 28 آب/ أغسطس الماضي عبر قناة المنار التلفزيونية أنه توصل إلى اتفاق لنقل مقاتلي تنظيم الدولة من جرود عرسال في لبنان إلى الأراضي السورية. وقد تمكن مقاتلو الحزب بعد ست سنوات من المعارك من إنهاء وجود هذا التنظيم في لبنان، ولكن الحزب الآن يعتزم إعادة اللاجئين إلى بلادهم.
في الحقيقة، تشير تقارير الوكالة الأممية لإغاثة اللاجئين، إلى أن الأشهر الستة الأولى من سنة 2017 شهدت عودة 450 ألف سوري إلى مدنهم الأصلية، ولكن 30 ألفا منهم فقط جاؤوا من خارج البلاد، بمعنى أن الغالبية العظمى من عمليات العودة تمت داخل الأراضي السورية.
وأوردت الصحيفة أن السلطات اللبنانية باتت تضيق الخناق على السوريين من أجل إجبارهم على العودة إلى بلادهم. والجدير بالذكر أن اللاجئين السوريين يعانون من أوضاع اجتماعية واقتصادية سيئة، إذ إن لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف للاجئين لسنة 1951، التي تجبره على استضافة طالبي اللجوء. كما أنه يعتمد أساليب غير مباشرة من أجل التحايل على القانون الدولي، عبر ممارسة ضغوطا حياتية ويومية على هؤلاء السوريين.
وذكرت الصحيفة أن السلطات اللبنانية قررت في آذار/ مارس من سنة 2017 رفع رسوم إذن الإقامة، من 220 يورو في السنة إلى 220 يورو كل 6 أشهر. وهو ما يمثل مبلغا مشطا جدا بالنسبة لهؤلاء اللاجئين الذين يعملون في وظائف بسيطة لا يجنون منها أكثر من 6 أو 7 يورو يوميا.
وقالت الصحيفة إن الضغوطات المتزايدة الرامية لإجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلدهم، تظهر أيضا من خلال القوانين الجديدة، التي باتت تستهدف نظام الدراسة، الذي وضع لضمان حق الأطفال السوريين في التعليم. فهناك حوالي 200 ألف طفل لن يتمكنوا من الذهاب إلى المدارس اللبنانية في سنة 2017، وسيحرمون من الدروس المسائية التي تم تخصيصها لهم قبل سنتين.
واعتبرت الصحيفة أن الشرطة والجيش اللبناني أيضا ضالعان في هذه الضغوط، حيث كثفت هذه الأجهزة في السنوات الأخيرة من عمليات المداهمة والتفتيش لمخيمات اللاجئين، التي باتت مستهدفة من قبل المخابرات، مدعية في كل مرة أن الهدف هو تحييد الخلايا الإرهابية داخل المخيمات.
وأفادت الصحيفة أن أكثر طرف في لبنان يسعى لإعادة هؤلاء اللاجئين في لبنان هو حزب الله، حيث شدد نصر الله في عدة مناسبات على ضرورة إيجاد حل لهؤلاء اللاجئين، وعبّر عن استعداد منظمته لمساعدة الحكومة اللبنانية على إعادتهم إلى بلادهم.
وفي الختام، نوهت الصحيفة إلى أن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان في الفترة القادمة ستشهد المزيد من التدهور، بسبب تزايد الضغوط عليهم وتناقص الدعم الإنساني وجهود الإغاثة الموجهة لهم. كما ينبغي الإشارة إلى أن العديد من المنظمات الدولية التي كانت تقدم لهم المساعدات في الأراضي اللبنانية، تستعد الآن لنقل أنشطتها داخل الأراضي السورية، بعد التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية.