نجد لزاما علينا منذ سنوات وفي مثل هذه الأيام من كل عام، وعلى أعتاب بداية شهر محرم الحرام، وذكرى انطلاق إحياء مراسم عاشوراء أن نستنكر كل مرة هذه الأساليب الدخيلة والمبالغ فيها على مظاهر لا تمت بصلة إلى جوهر القضية الحسينة والتي تساهم عن قصد أو عن جهل بالابتعاد أكثر فأكثر عن مضامين الثورة الحسينية المباركة وتساهم بطمس الأهداف الراقية التي لأجلها كانت كربلاء.
أعتقد أن هذا الإدعاء لا يحتاج إلى كثير أدلة أو براهين، فالمناطق الشيعية نفسها التي توشحت منذ أيام بالسواد وتتهيء للبكاء والندب ومجالس العزاء والصراخ والعويل والهريسة والراحة والبسكوت وفتح الحسينيات والمساجد أمام قراء العزاء في موسمهم الزاخر وتوقف أي مظهر من مظاهر الفرح (إن وجدت أصلًا) وتجهيز الشبيبة سياراتهم بأهم مكبرات الأصوات وأحدثها وشراء الثياب السوداء للصغار والكبار واليافطات المتدلية على الجدران والأعمدة، وغيرها وغيرها، هذه المناطق عينها لا تزال ترضخ كما غيرها من المناطق اللبنانية تحت أبشع أصناف الحرمان والإهمال والفقر والفوضى والتشبيح وعدم توفر الحد الأدنى من مظاهر الحياة الكريمة!!
إقرأ أيضًا: شهداء الضاحية،،، والأسئلة المشروعة
والأنكى من كل هذا، وما يمكن اعتباره أعلى درجات التحريف والخداع أن نواب هذه المناطق ووزرائها، الذين من المفترض أن يختبئوا في هذه الأيام على الأقل، كون عاشوراء بمفهومها الحقيقي لا تعني إلا التصدي لأمثالهم كونهم هم المعنيون الأساسيون بمقولة الإمام الحسين عليه السلام: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي"، نراهم هم أنفسهم هؤلاء على المنابر الحسينية يحدثوننا عن قيم عاشوراء وأهدافها!! وهذا لعمري أعلى درجات الإسفاف والهبوط.
أن تنتهي مفاعيل إحياء المراسم العاشورائية كل عام بدون أن نتلمس أي تغير أو تحوّل في واقعنا أو على الاقل عدم تكريس ما نحن عليه، فهذا لا يعني إلا أن تضحيات الإمام الحسين وأصحابه في سنة 61 للهجرة ذهبت أدراج الرياح وأن عمر بن سعد ويزيد بن معاوية قد انتصر حقا على الدم، وأن عاشوراء لا تعدو أكثر من كرنفال سنوي لا يسمن ولا يغني من تغيير.