شهد الأداء العسكري الإسرائيلي "انقلابا" في التفكير، بين الحسم والردع، فقد أكد معلقون إسرائيليون أن المناورة العسكرية الأخيرة نجحت في تحويل حزب الله اللبناني من "رادع لمردوع".
هدف الحرب
وأوضح المعلق العسكري الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمير أورن، أن المناورة العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في الشمال خلال الأسبوعين الماضيين، أكدت لحزب الله اللبناني أن "الردع لن يكون هدف الحرب المقبلة في لبنان، وإنما الحسم تحقيقا للردع".
وأشار إلى أن جوهر أي مناورة عسكرية، هو "حفظ المادة النظرية، والتحقق من مدى ملاءمتها للواقع، والربط بين التخطيط والميدان، والتعارف بين المستويات المختلفة داخل القوات البرية وبينها وبين النظم الأخرى".
ولفت أورن، إلى وجود "معادلة طموحة؛ مفادها أن الحسم يساوي الردع؛ وظاهريا هما مفهومين مختلفين وحتى متضاربين"، منوها إلى أنه "إذا تمكن الجيش الإسرائيلي من إقناع أعدائه بأن هزيمتهم مؤكدة، سيردعهم عن الهجوم، ويحقق الردع، وهنا يتضح أن الحسم؛ هو نوع من الانتصار بالضربة القاضية وليس بالنقاط، ومقابلها هو سقوط أبدي وليس مجرد خسارة".
وبين المعلق العسكري، أن "إسرائيل منذ بداية وجودها، قادرة على الصمود فقط في الحروب القصيرة، التي تنتهي بهزيمة سريعة للعدو والعودة إلى الحياة الروتينية"، موضحا أن "هذا التقييم يقلل من قدرة الجمهور الإسرائيلي على التكيف".
إنجازات عاجلة
ورأى أن النموذج المطلوب لعملية الحسم، هي حرب 1956 (العدوان الثلاثي على مصر)، التي كانت نتيجتها، تحقيق عشر سنوات من الهدوء على الحدود الجنوبية.
وقال: "لقد احتل جيشنا سيناء خلال أربعة أيام، وانسحب في غضون أربعة أشهر، وتمركزت قوة الأمم المتحدة على الحدود، وامتنعت الحكومة المصرية عن العدوان ضد إسرائيل لمدة عقد من الزمان"، مضيفا: "إذا وضعنا لبنان مكان مصر، واستبدلنا جمال عبد الناصر بحسن نصر الله، فسيسود في هيئة الأركان الارتياح".
وبما أن الأمين العام لحزب الله نصر الله، "ليس سيد نفسه، وهو يعمل على الموازنة بينه كلبناني وبين التوجيهات الإيرانية، فإن التهديد باستثمار قوة إسرائيلية مدمرة من أجل حسم منظمته، يهدف لردعه عن إطاعة الحرس الثوري الإيراني وحثه على أن يكون لبنانيا أولا"، وفق أورن.
وأضاف: "من يريد الردع يهدد بالحسم، ولكن مصداقية الردع تعتمد على تقييم العدو، وعلى وجود جيش إسرائيلي مؤهل حقا لتنفيذ المهام التي يتدرب عليها"، مؤكدا أنه في حال "لم تتحقق إنجازات عاجلة للوحدات النوعية، وكانت هناك حاجة لإرسال قوات من الدرجتين الثانية والثالثة، يمكن للمعركة أن تصبح معقدة وعكسية".
من جانبه، رأى الخبير الإسرائيلي البارز في الشأن السوري، البروفيسور إيال زيسر، أن المناورات على الجبهة اللبنانية، "تعكس انقلابا في التفكير العسكري الذي نأمل أن يتغلغل إلى القيادة السياسة الإسرائيلية".
رسالة طمأنة
وأوضح في مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن "الجيش الإسرائيلي لا يسعى للردع ولا يبحث عن تغيير غير واضح وغامض في الواقع السائد على طول الحدود مع لبنان، وإنما يريد هذه المرة الحسم".
ونوه زيسر، وهو أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة "تل أبيب"، أن هذا "الانتعاش في التفكير جاء انعكاس لسلسلة من اللقاءات التي منحها قادة كبار في الجيش، عشية المناورات وبعدها"، موضحا أن "هناك حدود وخطوط حمراء لسياسة الاحتواء الإسرائيلية"، حيث أكد ضابط إسرائيلي كبير، أنه في "تعرضت السيادة الإسرائيلية للضرر والإسرائيليون للأذى، فان الرد سيكون حاسما وكبيرا ومدمرا"، وفق قوله.
وأكد الخبير، إلى أن "حزب الله فهم الرسالة، وأكد خوفه من حرب يكون ثمنها أثقل بكثير من الثمن الذي ستدفعه إسرائيل، حيث حاول نائب نصر الله، نعيم القاسم تهدئة جمهوره الخائف، بأن وجهة إسرائيل ليست الحرب".
وأضاف: "وفي رسالة طمأنة للجارة الجنوبية (إسرائيل) بالنسبة للهجوم المنسوب إلى إسرائيل في عمق سوريا، أكد أن حزب الله لا يتجه نحو الرد أو الحرب، وهذا تغيير كبير في لهجة المنظمة، التي اعتادت تهديد إسرائيل".
واعترف زيسر، أن حزب الله "نجح في توجيه ضربة قوية لإسرائيل في مجال الصراع النفسي والصراع على الوعي، ولكن الأمور تغيرت هذه المرة"، لافتا أن "المناورات العسكرية أدخلت تغييرا في خطاب وقواعد اللعبة، وتحول حزب الله الرادع إلى مردوع؛ وأصبح يحث إسرائيل على الامتناع عن الحرب".