هل سقطت نهائيا فلسفة التيار القائمة على الإصلاح والتغيير ؟ وهل أصبح التيار نسخة طبق الأصل عن باقي أحزاب السلطة في لبنان ؟
 

تجرية التيار الوطني الحر الواقعية والأكثر أهمية بتاريخه في الحياة السياسية اللبنانية تبدأ منذ ما بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005.
خاض التيار وتحت زعامة رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون الإنتخابات النيابية لمرتين وإستطاع تحقيق إنجازات مهمة، ثم تولى العديد من الحقائب الوزارية ولا زال ، رافعا شعار الإصلاح والتغيير الذي إعتمده كإسم لكتلته النيابية.

إقرأ أيضا : باسيل يتجه لفصل 20 حزبيًا.. من بينهم القيادي زياد عبس
منذ اللحظات الأولى لعمله السياسي في 2005  كان واضحا أن التيار يعتبر بل كاد أن يختصر الفساد في لبنان بالحريرية السياسية وتيار المستقبل، وشن حملات إعلامية قاسية من إطلالات إعلامية لنوابه ورئيسه إلى عراك بالأيدي داخل اللجان النيابية مع نواب المستقبل مرورا بكتاب " الإبراء المستحيل " ووصولا إلى وصف تيار سعد الحريري بالداعشية السياسية.
لكن بعد الصفقة التي حصلت بين الوزير ورئيس التيار الحالي جبران باسيل ومدير مكتب الحريري نادر الحريري والتي بموجبها دعم الرئيس سعد الحريري  مهمة إيصال ميشال عون للرئاسة، تغير التيار تدريجيا حتى إنقلب جذريا، فبات الحريري وتياره " الفاسد " بحسب أدبيات التيار البرتقالي شريكا في الوطن والحكم ولعبة المحاصصة.

إقرأ أيضا : عبس: حكاية نفط أيضاً؟

إستقالات وفصل بالجملة  :

لكن الموقف المتناقض من الحريري لم يكن الأول فقد سبق وأن عادى الرئيس عون حزب الله قبل إتفاق مار مخايل  وإفتخر علنا بأنه المسؤول عن القرار الأممي  1559 الرامي إلى نزع سلاح حزب الله وكذلك عن قرار الكونجرس الأميركي لمحاسبة سوريا.
وفجأة من دون أية مقدمات تفاجىء اللبنانيون بورقة تفاهم في شباط 2006 بين الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصر الله.
أدت هذه النقلة النوعية من محور وحالة كانت جماهير التيار ونخبه وقيادييه يرون بحزب الله أكبر عدو للبنان إلى محور وحالة أصبح الحزب حليفا لهم إلى إضطرابات على مستوى القيادة عبر عنها اللواء عصام أبو جمرا الرجل الثاني في التيار عندما إستقال منه.
هذه الإضطرابات طالت جزء من القاعدة الجماهيرية وتمثلت في تراجع نسبة المؤيدين للتيار في إنتخابات 2009 والتي سجلت فوز نواب للتيار بفارق ضئيل عن منافسيهم بعكس ما حصل في إنتخابات 2005 حيث إكتسح المقاعد النيابية بفارق كبير جعل النائب وليد جنبلاط يصف الوضع بأنه " تسونامي ".
لكن ليس كل محطات الإنشقاق أو الإنفصال أو حتى الفصل من التيار مرتبطة بالعلاقة مع حزب الله ، فقد ظهر إستحقاق آخر خيب آمال بعض العونيين الذين يرون بالعماد عون قدوة لمحاربة الإقطاع والتوريث السياسي ففوجئوا عندما سلم الجنرال  صهره جبران باسيل رئاسة التيار فإنتفض بعضهم.
في  2016 أصدر التيار الوطني الحر قرارا نهائيا بفصل كل من زياد عبس وإنطوان نصر الله ونعيم عون وبول أبي حيدر وإبعاد رمزي كنج  بعد الإنقسام الذي حصل في هيئة التيار ببيروت بين عبس والوزير السابق نقولا صحناوي المقرب من جبران باسيل، وكان محور الخلافات هو تفرد باسيل ومصادرة الصلاحيات داخل التيار بحسب الناشطين المفصولين.

 

وربطا بنزاع عبس - باسيل وفي نفس العام تم إستدعاء ناشطين عونيين مقربين من عبس من قبل المجلس التحكيمي في التيار للتحقيق بعلاقتهم بعبس وهم : ألين خير الله، فادي جلوان ، حبيب حداد ، سميرة ساريدار ، جورج رحال ، كاتيا غصوب و آلان أيوب ولاحقا في العام 2017 تم فصل كل من سميرة سرادار وكاتيا غصوب وألين خير الله.
في أيار 2017 تم إستدعاء المدرب غسان سركيس للمثول أمام المحكمة على خلفية إنتخابات كرة السلة وعدم دعمه مرشح التيار أكرم الحلبي لكن سركيس لم يذهب للمجلس التحكيمي وإستقال فورا.
مسلسل الخلافات  لم يتوقف هنا فبرزت أزمة النائب عن جزين زياد أسود الذي وصلته معلومات عن نية لإستبداله بالمستشار الإعلامي للرئيس عون جان عزيز في إنتخابات 2018 وهذا ما أدى إلى كارثة حلت على التيار في جزين.
فقد قام المنسق أسعد الهندي بتسوية إنتخابية على رئاسة رابطة مخاتير جزين تم بموجبها تسليم رئاسة الرابطة إلى مختار جنسانيا هادي شلهوب يوسف المقرب من حركة أمل  ما أدى إلى إستقالة 10 أعضاء من أصل 13 من أعضاء الهيئة ففرطت الهيئة.

إقرأ أيضا : كمُّ الأفواه... الوزير باسيل وزياد عبس، ونافع بن علقمة
علما أن الهندي كان مقربا ومرشح أمل أبو زيد لرئاسة الهيئة ضد المرشح الذي رشحه زياد أسود إلا أن الأخير إستطاع إستمالته إلى جانبه بعد معرفته بنوايا ترشيح جان عزيز بدلا عنه في إنتخابات أيار 2018 النيابية.
ويعيش التيار حالة إنقسام عامودية في جزين بين أنصار أسود وأبو زيد ما قد يؤدي إلى خرق محتمل لأحد المقاعد النيابية من قبل حركة أمل في حال نوت على خوض المعركة هناك.
آخر الإستقالات هي ما حصل في عكار، فقد إستقال منسق بلدة حلبا العكارية سامر يعقوب مع أربعة من أعضاء الهيئة نتيجة خيبة الأمل من أداء التيار.
وجاء في كتاب الإستقالة " نحن ننتهج ما حاربناه عند الآخرين ونلهث للتحالف مع رموز الوصاية والخونة ومع السارقين والفاسدين" وقال يعقوب لجريدة " الأخبار " أن " التيار الذي دخل إليه وعده ببناء دولة ويتخلف اليوم عن وعوده وينسى كتاب الإبراء المستحيل وكل مسيرته منذ عام 2005 وكان الأجدى به بعد سعيه إلى التحالف مع تيار المستقبل إما أن يعتذر منهم لإتهامهم بالفساد أو يعتذر من العونيين الذين ليسوا غنما بل ناشطون مثقفون ويفكرون وبنظرهم المستقبل هو رأس الفساد إلى جانب أحزاب أخرى ".

إقرأ أيضا : حركة أمل تقصم ظهر التيار الوطني الحر ... أخذت ثأرها في جزين
ولعل كلمات يعقوب هي مختصر لحجم التناقضات والكم الهائل من التعارض في مسيرة التيار الوطني الحر، فهل سيستمر مسلسل الإقصاء من التيار بحجة مخالفة رأي القيادة ؟ وهل سقطت نهائيا فلسفة التيار القائمة على الإصلاح والتغيير ؟ وهل أصبح التيار نسخة طبق الأصل عن باقي أحزاب السلطة في لبنان ؟
هي أسئلة وحدها الوقائع الميدانية والإنتخابات النيابية من ستجيب عليها.