كشفت الأيام الأخيرة أن لا أحد في لبنان يرغب في خروج الأزمة الداخلية المستجدة عن مسارها، وأن الحرب الكلامية التي أعقبت العمليات العسكرية في المنطقة الحدودية مع سوريا ليست سوى عاصفة في فنجان.
وشهدت الساحة اللبنانية عودة للهدوء بعد مناوشات دارت بين حزب الله وخصومه الذين اتهموه بسرقة انتصار الجيش في الجرود، وبعقد صفقة مشبوهة مع تنظيم داعش.
ولكن العاصفة سرعان ما انكفأت، وسط رسائل إيجابية تبادلها الطرفان تشير إلى رغبة مشتركة لدوافع مختلفة في العودة إلى سياسة ربط النزاع التي شكلت على مدار السنوات الماضية ضابطا للعلاقة بين الفرقاء.
وترجح أوساط سياسية أن زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري مؤخرا إلى روسيا وحصوله على تطمينات بشأن عدم ارتداد التسوية الكبرى في سوريا، التي كثر الحديث عنها، على الداخل اللبناني، أحد الأسباب في تخفيف حدة التوتر على الساحة اللبنانية.
ولعل النقطة الأهم في هذا الملف هي حصول الحريري على تأكيدات روسية بأن موسكو لن تنحاز بالمرة إلى حزب الله على حساب الدولة اللبنانية، التي تبقى هي المرجع الأساس في التعاطي مع الشأن اللبناني.
وعلى خلفية الانجازات التي حققها محوره في سوريا، عمد حزب الله إلى استعراض عضلاته على القوى اللبنانية، ممارسا نوعا من الحرب النفسية تقوم على أن ما بعد الحرب السورية ليس كما قبلها، وأن ذلك سينسحب على طريقة تعاطيه مع الداخل اللبناني.
ويقول متابعون إن من بين العوامل التي ساهمت في تبريد الأجواء داخل لبنان الحصول على وعود من موسكو بأن هذا البلد سيكون أحد الأطراف المساهمة في إعادة إعمار سوريا، بعد إسدال الستار عن الحرب فيها.
ولطالما استخدم حزب الله هذا الملف كأداة ضغط لإجبار الحكومة على التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي التعهد الروسي سيجعل الحزب ينكفئ على ذاته ويوقف الابتزاز.
وأكد الحريري في ختام زيارته إلى موسكو أن لبنان سيكون محطة لإعادة إعمار سوريا، وربط ذلك بانتهاء عملية الحل السياسي في هذا البلد.
ويقول الكاتب والصحافي اللبناني جيري ماهر لـ”العرب” “الحكومة اللبنانية تعول على المرحلة القادمة أي مرحلة ما بعد الانتهاء من الأزمة السورية، فبالنسبة إليها هذه هي المرحلة الذهبية التي ستعمد فيها إلى أخذ دور في إعادة إعمار سوريا عبر استقبال الشركات الدولية التي ستحصل على تراخيص الإعمار هناك”.
والمسألة الثانية التي لا تقل أهمية عن وقف التراشق بين حزب الله ومناوئيه وعلى رأسهم تيار المستقبل والقوات اللبنانية هي تسليم الحزب الجيش اللبناني مهمة الإشراف على جرود عرسال بعد أن تم تحريرها من داعش.
وأكد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري في تصريحات صحافية الجمعة أن حزب الله أبلغه بأن الجرود باتت في عهدة الجيش وأنه لم يعد له وجود في منطقة عرسال.
ووجه الحجيري نداء لأهالي عرسال “لقد تم إخلاء الجرود من حزب الله، نرجو من الجميع التريّث وعدم الاستعجال والانتظار فترة قصيرة حتى يعطي الجيش اللبناني الإذن بالذهاب إلى الأراضي بشكل رسمي”.
وشكل وجود حزب الله في جرود عرسال ذات الغالبية السنية إحدى النقاط الخلافية على الساحة السياسية اللبنانية، وكانت هناك مخاوف فعلية من بقاء الحزب في المنطقة الحدودية، وما قد يعنيه ذلك من تغيير لديموغرافية المكان ومنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم.
ويعاني أهالي عرسال منذ العام 2012 أوضاعا اقتصادية صعبة نتيجة عدم تمكنهم من الذهاب إلى أراضيهم، التي تحولت إلى مرتع لجهاديي النصرة وتنظيم داعش.
ويقول متابعون إن خطوة تسليم جرود عرسال أكيد سيكون لها تأثير إيجابي على الأهالي وأيضا سيكون لها دور في تبريد الأجواء المشحونة بين حزب الله ومناوئيه، لافتين إلى أنه لا بد من عدم تجاهل حرص رئيس الوزراء سعد الحريري على عدم تجاوز التوتر الحاصل في لبنان الخطوط الحمراء.
ويقول جيري ماهر “هناك قناعة لدى الحريري بضرورة إبقاء الجبهة اللبنانية الداخلية بعيدة عن الخلافات والنأي بالنفس قدر الإمكان عن الحروب المحيطة خصوصاً أن الوضع الحالي يعطي حزب الله الإرهابي التفوق بسبب سلاحه وتحالفاته وعمله مع النظام الإيراني والروسي في سوريا”.
ويعتبر الكاتب اللبناني أن العودة إلى مربع التهدئة لا يعني نهاية الصراع مع حزب الله، في ظل تمسك الأخير بجلباب إيران ورفض نزع سلاحه.