يستمرّ الغزل بين حزب الله وتيار المستقبل. بعد الموقف الايجابي لنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم تجاه الرئيس سعد الحريري، وبأنه رجل يتصرف بعقلانية، ولا مانع من حصول حوار مباشر معه، وردّ الحريري بأنه يتصرف كرئيس حكومة، والحوار المباشر يبحث فيه حين ينضج، برزت مواقف متعددة لقوى الثامن من آذار تصف الحريري برجل الدولة.
التطور في موقف الحريري، الذي استدعى هذه الإشادة من حزب الله، برز في محطات علنية عدة، منها: تغطيته معارك جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك، تغطيته الصفقتين اللتين أبرمهما الحزب مع جبهة النصرة وتنظيم داعش، تصريحه من دارة الرئيس تمام سلام بأنه متفاهم مع الحزب على الحفاظ على التسوية والاستقرار، مع الاحتفاظ بمبدأ ربط النزاع.
تختلف التقديرات بشأن أفق العلاقة بين الطرفين. ثمة من يعتبر أن التسوية قوية، وأنهما بحاجة إلى الحفاظ عليها. فيما هناك من يعتبر أن التصعيد قد يعود بينهما في أي ظرف من الظروف وبنتيجة أي تطور سياسي. لا شك في أن هذا التقارب يتعزز بعد انتهاج إيران سياسة هادئة في المنطقة، إذ تؤكد طهران سعيها للدخول في حوار مع المملكة العربية السعودية. وهذا ما دعت إليه إيران بعد إنجاز موسم الحج، وتستمر بالإشارة إليه في أي مناسبة. هذا النهج الإيراني إنعكس على سلوك حزب الله من خلال سعيه إلى التقارب مع الحريري.
وهذا ما يفرض قراءة التطورات بعقل بارد، إذ يعتبر البعض أن إيران وحزب الله يريدان تعزيز وضعهما في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، من خلال الدخول في حوار مع القوى المتخاصمة معهما. فيما هناك وجهة نظر أخرى تعتبر أنه إذا ما فشلت هذه المساعي، فقد يكون التصعيد هو الخيار الإيراني الثاني، والذي بإمكان حزب الله استثماره على قاعدة الانجازات التي حققها في الجرود، ويحققها في سوريا. وهذه في النهاية قد تؤدي إلى قلب الموازين.
في مسألة الحوار العلني بين الطرفين، أو المباشر بين الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فهي لا تزال غير جاهزة، وإذا ما كان حزب الله مستعداً لها، فإن الحريري غير جاهز، خصوصاً في ظل الموقف السعودي المتشدد ضد الحزب، ولكن ذلك لا يعني أن ليس هناك قنوات اتصال. إذ تشير معلومات متابعة إلى أن الحريري يتواصل بشكل دائم ومستمر مع المعاون السياسي لنصرالله، الحاج حسن خليل، وهناك لقاءات تعقد بينهما بين فترة وأخرى. وهذا لا ينفصل، عن اعتبار حزب الله أن الحريري ينتهج سياسة عقلانية وواقعية، بخلاف كل المواقف التصعيدية التي يعلنها.
تتمسك الرؤية المستقبلية بنظرتها السابقة تجاه حزب الله، أي الحفاظ على مبدأ ربط النزاع والتواصل في الحكومة، أما خارجها، فالمستقبل غير جاهز لذلك بعد لاعتبارات عدة. ويعتبر بعض المستقبليين أن زيارة الحريري إلى موسكو في هذا التوقيت، ولقاءه المسؤولين الروس، تحمل في طياتها معاني عدة، وهي خطوة إلتفافية استطاع الحريري من خلالها توفير غطاء دولي له، للبقاء على الخطّ البعيد من طهران وما تريده. إذ تعتبر المصادر أن الحريري يريد الالتفاف على مطالب إيران وحزب الله، بالتوجه إليهم وإلى النظام السوري للحفاظ على وضعه وسلطته. بالتالي، هو أراد القول إنه يذهب إلى روسيا للحفاظ على ذلك.
وفي وقت تحدّثت معلومات عن أن بوتين طالب الحريري بالتطبيع مع النظام السوري، وتحسين العلاقات معه وإعادة تعزيز العلاقات بين البلدين، مقابل إدراج لبنان على لائحة دول إعادة الإعمار في سوريا، وهذا ما تجلى في كلام الحريري بأن لبنان سيكون جزءاً ومنطلقاً أساسياً لإعادة الإعمار، إلا أن مصادر الحريري تنفي ذلك، وتعتبر أن دور لبنان سيكون واقعياً وضرورياً بمعزل عن العلاقة مع النظام. وهذا ما يؤكده أكثر من وزير عائد من موسكو، بأن إعادة الإعمار لن تكون مرتبطة بالتطبيع مع النظام السوري.
لا شك في أن هناك تقاطع مصالح قوي بين الطرفين، يريد حزب الله التعامل مع طرف سنّي يتمتع بالشرعية المحلية والخارجية، والحريري يحتاج إلى البقاء في صلب اللعبة والالتزام بسقف الحزب وعدم استفزازه. بالتالي، كل منهما حاجة للآخر. وذلك لن يتغيّر إلا في حال حصول تطورات سياسية كبرى.