في الذكرى الخامسة والثلاثين لجثة جبهة المقاومة الوطنية دعوة فنية للمقاوم أحمد قعبور في بلدة كفرمان المتمسكة بتراث سياسي، منح القرية صفة مازالت تحتفظ بها رغم أفول الشيوعية ونهاية تجربة مرّة لمنظمة حزب كان فاعلاّ في الحرب الأهلية وتقاعد عند دخول اسرائيل للبنان محتلة لعاصمته وعندما وضع له النظام السوري حدّاً وضمن دائرة أشبه ما تكون بالسجن الذي حبس سياسة معترضة على السياسة السورية ومن ثم أفرج النظام السوري عنها شرط أن تكون بلا وزن ومبايعة للأطراف المرتبطة بمحور المقاومة والممانعة.
من المفيد إعادة النظر في التجربة السياسية وخاصة في المراحل الدسمة من التاريخ الحزبي لمقاومة صنعت بداية مجد وطني رغم إستسلام أحزابها السريع للمحتل الذي دخل لبنان متنزهاً دون مقاومة تُذكر من قبل أحزاب لا تحصى ولا تُعد من لبنانيين وفلسطينيين وتمكن من فرض توازن جديد جعل من القوى الوطنية قوى مهمشة غير قادرة على جمع ما فرقها وبددها وجعلها لقمة سائغة في فم الهشيم.
إقرأ أيضًا: شهداء الجيش وحدهم الشهداء
ثمّة نقد شيوعي لتجربة الحركة الوطنية ولكنه نقد لم يدخل عتبة بيت الحزب الشيوعي الذي بقيّ مساهماً في تأخير الدور الوطني لصالح القوى الطائفية والمذهبية بعد أن إستكان لها تحت حجم النفوذ الذي تتمتع به القوى التي كانت ظلامية في يوم من أيام الشيوعيين وأمست قوى مناضلة ورافعة أساسية لمشروع المواجهة مع العدوين الإسرائيلي والأميركي الإمبريالي.
لم يبق لجبهة المقاومة الوطنية سوى الإرث الماضي الذي صرفته منذ زمن ولم يعد قادراً على توفير ما كان يوفره بالنسبة للشيوعيين من رصيد سياسي يمكن صرفه عند الحاجة بعد أن تخلى الشيوعيون عن دورهم النضالي وتفرغ الكثيرين منهم كي يكونوا مجرد أدوات إعلامية للدفاع عن الإسلام السياسي وإعتبار تجربة حزب الله أمنية يأمل كل شيوعي حضورها القوي في النضال الطبقي في لحظة يستعيد فيها الحزب عافيته النضالية.
ولم يبق للمقاومة سوى الفنّ لتحتفي بدورها وبتجربتها في عمل وفعل لم يُنجز من قبل المتنورين اليساريين ولكنه تحقق على أيدي الظلاميين الإسلاميين.
إقرأ أيضًا: ريفي ... حزب الله ربح الحرب ولكن !
يبدو أن هناك صحوة يسارية محدودة بدأت مع الحراك الشعبي في وسط بيروت والذي ندّد بروائح السلطة المنبعثة من نفاياتهم السامة وهي تحاول جمع عظام الماضي لعلّ وعسى يستيقظ أحد من أهل الكهف الماركسي ويستنهض معه آخرين من الميتين داخل مقبرة الطوائف وبذلك تتحقق رغبة البعض في العودة إلى الزمن النضالي الجميل.
لقد ضاع النضال وسط زحمة المشاريع الإستثمارية في القضايا الوطنية والقومية وغاب عن المشهد السياسي من غاب من قوى كانت قوية وأصبحت ضعيفة واهنة بحجم مقاومة لا تملك سوى مخلصين لدورها من أهل الفنّ لا السياسة كون الفنّانيين أكثر إخلاصاً من السياسيين الذين يتقنون فنّ التجارة فيبيعون ويشترون تماماً كما هم تجّار اليوم من الشيوعيين المتكسبين من بيت مال المسلمين ممن تحوّلوا إلى برجوازيين متخمين بعد أن كانوا في شباب نضالهم جوعانيين يبحثون عن رغيف الفقر في الثورة القادرة على إنصاف الطبقة العاملة.
في ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية تحية لشهدائها الأبرار ولمناضليها ممن ثبتوا في خط الدفاع الوطني ولم تلوثهم الطائفية ولم تغرُهم حياة " البرجزة " التي إستطعمها البعض منهم من زبائن المرحلة التي يستجيبون لها كأتباع مندفعين بشراسة للذود عن مصالحهم لا عن مصالح أخرى.