لا يستطيع أحد أن يتجاهل أنّ بوتين الذي زاره الحريري ليساعدَه في ملفاتٍ تتعلّق بدمشق ونظامها، هو نفسه بوتين حليف الأسد اللصيق، وأنه هو الذي يركّز قاعدته العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط على شاطئ الأسد في سوريا، لحمايته، وعلى مسافة كيلومترات قليلة من الحدود اللبنانية.
ولذلك، يعتقد البعض أنّ زيارة الحريري لموسكو هي «نصف زيارة لدمشق». ويقول آخرون إنّ هذا التقدير فيه كثير من المبالغة. وللإنصاف يمكن القول إنّ هذه الزيارة يمكن أن تشكّل عاملاً إضافياً في مسار التطبيع الجاري، على قدم وساق، بين لبنان والنظام السوري.
طبعاً، هذا الكلام يُقال بناءً على العناوين التي أعلن الحريري صراحةً أنه ناقشها في روسيا. ولكن، هل تكون هناك عناوين أخرى تمّ التطرّق إليها ولم يُكشَف عنها؟ وهل انفتاحُ الحريري على الأسد يمكن أن يكون أحد هذه العناوين؟
ليس مستغرَباً أن يطرح بوتين على الحريري مسألة الانفتاح، عندما يناقشه في الملفات التي يحملها معه الضيفُ اللبناني من بيروت، ولا سيما منها ملفا ترسيم الحدود والنازحين، وخصوصاً ملف المشاركة اللبنانية في إعادة إعمار سوريا. ولكن، ليس واضحاً ردّ الحريري على طروحات «القيصر».
هذه الأجواء تلتقي مع ارتياحٍ واضحٍ في بيروت يبديه عددٌ من حلفاء دمشق إزاء الحريري الذي لم يخيّب أملهم منذ إبرامه التسوية الرئاسية وتسلّمه رئاسة الحكومة. ولكن، خصوصاً، ارتياحهم هذه الأيام، بعد تغريدة الوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، التي وضعت الحريري وحلفاءَه أمام خيارٍ وحيد هو مواجهة «حزب الله». فلم يصدر عن الحريري، بعد التغريدة، ما يوحي بأنه في صدد التراجع عن توجّهاته الانفتاحية.
ويقول أحد أركان 8 آذار: «إننا نراهن على أنّ الحريري سيستمرّ في المسار الذي يسلكه اليوم، وأنه لن يتأثّر لا بالدعوات الخارجية ولا الداخلية إلى العودة إلى ما قبل التسوية. ونحن سنواصل احتضانَه، كزعيمٍ لأكبر تيار في الطائفة السنّية. فالرجل لم يخطئ معنا، حتى الآن، في الملفات الخطرة، ولو حصل بعض الاختلافات في عدد من المسائل غير الاستراتيجية».
ويكشف هذا الركن أنّ الخطة التي يرمي إليها فريقه السياسي هي دفع الحريري ليقترب تدريجاً من الرئيس السوري بشّار الأسد، بحيث ينتهي الأمرُ بالتطبيع بين الرجلين، فيستعيد الوضعية التي كانت قائمة بين والده الرئيس رفيق الحريري والأسد، قبل انفجار الأزمة في 2004 و2005.
في تلك الفترة، كان الحريري الأب إمبراطورَ المال والاقتصاد في لبنان. وكانت سوريا إحدى أبرز المحطات التي يستخدمها للانطلاق نحو ساحات استثمارية عربية وعالمية. وحتى إعمار بيروت، نفَّذه الحريري الأب بدعم الأسد الأب. فليس غريباً أن يكون إعمارُ سوريا اليوم بمشاركة الحريري الإبن، وبدعم الأسد الإبن أيضاً.
وربما يعتقد البعض اليوم، ومنهم قريبون من رئيس الحكومة، أنّ الحريري الإبن قادرٌ على استعادة هذا النموذج من دون أن يخشى الوقوع في المأزق الذي انتهى إليه والدُه مع الأسد.
فزمنُ السيطرة السورية على لبنان قد ولّى إلى غير رجعة، وفق هؤلاء. ولن يكون الحريري الإبن أمام التحدّي الخطر الذي واجهه الحريري الأب في علاقته مع الأسد. كما أنّ الرئيس بشّار الأسد نفسَه، ليس قادراً على الإمساك بسوريا كاملة، وهو على الأرجح سيكون أمام تحدّي الاستمرار في الحكم بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
ويقول القريبون من الحريري أيضاً: «فليكن هناك انفتاحٌ بين لبنان وسوريا، ما دام خطرُ السيطرة السورية على لبنان قد زال. ويتولّى كثيرون تشجيعَ الحريري على الذهاب في اتّجاه هذه المقولة، وفي مقدّمهم «حلفاؤه الجدد» في «التيار الوطني الحر». فـ«التيار» نفسه ما كان لينفتح على الأسد لو بقي يسيطر على لبنان. والعداءُ للأسد أو مقاطعتُه ليسا مسألة حتمية أو قدَرية».
من هنا برز خطابُ «حزب الله» المعتدل تجاه الحريري. فليس سهلاً أنّ الرجل لم يتغيَّر بعد تغريدة السبهان، سواءٌ كانت تُعبِّر عن موقف سعودي رسمي أم لا. ومن هنا تسريبُ التخمينات في شأن لقاءٍ محتمَل بينه وبين الأمين العام لـ«لحزب» السيد حسن نصرالله.
المصادرُ الـ8 آذارية المواكبة عن كثب مجريات هذا الملف تقول: «نراهن على دفع الحريري إيجاباً نحو الأسد. وعلينا أن نضطلع بدور تسهيلي لذلك عن طريق احتضان الرجل. والمؤكَّد أنّ رئيسَ الجمهورية العماد ميشال عون والسيد نصرالله لهما دورٌ أساسي في التمهيد لخطوة اللقاء بين الحريري والأسد. وهذا يستلزم وقتاً طويلاً بالتأكيد، لكنه سيتحقق على الأرجح لأن لا وجود للخيارات البديلة».
ويعتقد المواكبون أنّ الحريري «مُدرِكٌ طريقَه»، والمهم أن يكون «واثقاً من نفسه».