الاعتراض العربي على قرار الاستفتاء الكردي يسجل لحظة توافق نادرة بين النواب الشيعة والسنة في البرلمان العراقي
 

يتحرّك نواب في البرلمان العراقي، لحشد التأييد اللازم لمقترح سحب الثقة من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على خلفية “صمته” إزاء عزم إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء لتقرير المصير، في موازاة حملة أخرى لإبعاد محافظ كركوك من منصبه بتهمة “تجاوز صلاحياته الدستورية”، إثر إعلانه عن مشاركة المحافظة الغنية بالنفط، في الاستفتاء المقرر إجراؤه في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.

وتأتي هذه التطوّرات، في ظل تزايد الدعوات لـ”طرد جميع النواب والمسؤولين الأكراد من بغداد”، إثر الجدل الذي تثيره مساعي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، نحو إعلان إقليم كردستان العراق، دولة مستقلة.

ويقول نواب في البرلمان العراقي، إن معصوم، الذي ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال الطالباني، وينحدر من مدينة السليمانية، إحدى المدن الثلاث التابعة لإقليم كردستان، “حنث باليمين الدستورية، ولم يلتزم بالعمل على حفظ وحدة العراق”.

وقال النائب علي البديري، إن عددا من زملائه يتبنون “حملة لجمع تواقيع بغية سحب الثقة من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم”، مبينا أن “العدد الذي يحتاجه قرار سحب الثقة هو ثلثا أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 328″.

وأضاف البديري، أن “رئيس الجمهورية حنث باليمين الدستورية التي أقسمها بحفظ أمن وسلامة وحدة العراق أرضا وشعبا بعد صمته غير المبرر عن التهديدات التي تواجه وحدة العراق بقضية الاستفتاء”، لافتا إلى أن “صمت رئيس الجمهورية وعدم إعلانه أي موقف صريح برفض الاستفتاء يجعلنا في ريبة وحيرة من أمرنا عن مدى تصديه لواجباته بصفته حامي الدستور”.

وأكد أن “هنالك حملة لجمع تواقيع يتبناها عدد من النواب ونعتقد أن هنالك عددا أكثر مما هو مطلوب لتقديم طلب سحب الثقة من رئيس الجمهورية وهو في تزايد مستمر”، مشيرا إلى أن “العدد الذي يحتاجه قرار سحب الثقة هو الثلثان، ونعتقد أنه بتوحد الموقف العربي السني والشيعي والتركماني مع باقي الأصوات الوطنية من باقي المكونات فسيكون المجال مفتوحا لسحب الثقة من رئيس الجمهورية”.

وسجل الاعتراض العربي على قرار الاستفتاء الكردي، لحظة توافق نادرة، بين النواب الشيعة والسنة في البرلمان العراقي، مع تنسيق فعال مع نواب الأقليات، باستثناء الأكراد.

واجتازت لحظة التوافق الطائفية في البرلمان، الثلاثاء، اختبارا مهما، إذ نجح المعترضون على الاستفتاء، في تمرير قرار برلماني برفضه، يلزم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بالعمل على حفظ وحدة العراق.

في المقابل، عبر نواب كرد عن مخاوفهم من أن تتطور حالة الغضب العربي، ضد الاستفتاء، إلى مواجهة مع الأكراد.

لكن مكتب رئيس الوزراء العبادي، سارع إلى الرد على هذه المخاوف، مشيرا إلى أن الالتزام بحماية وحدة العراق لا يعني استخدام القوة.

ويقول سعد الحديثي، المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، إن “القرار الذي أصدره مجلس النواب العراقي بشأن رفض الاستفتاء وتخويل رئيس الوزراء باتخاذ ما يلزم لحماية وحدة العراق هو من صلاحياته ويستند إلى الدستور الذي يؤكد على وحدة العراق”، مؤكدا أنه “لا يوجد حديث عن استخدام القوة، ولا يوجد هناك مبرر لاستخدام القوة”.


سعد الحديثي: لا يوجد حديث ولا مبرّر لاستخدام القوة في قضية كردستان
وأضاف الحديثي، أن “الحكومة والبرلمان ينطلقان من مبدأ دستوري ثابت وهو الحفاظ على وحدة العراق في معالجة المشاكل التي تنجم في حال إصرار الإقليم على إجراء الاستفتاء”، مجددا “تأكيد الحكومة على اللجوء إلى الحوار في معالجة المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل”.

ومع أن العبادي، استغل ظهوره الإعلامي، خلال الأيام القليلة الماضية، لتجديد رفضه خطوة الاستفتاء، مذكرا بمعارضتها للدستور، إلا أنه “حافظ على هدوء ثابت”، وفقا لمراقبين، واختار أن يزور محافظة ذي قار، في الجنوب، مع أن التطورات تتسارع في الشمال.

ووصف مراقب عراقي الاعتراض على وجود رئيس كردي للعراق الآن بأنه أشبه بالمزحة، مشيرا إلى أنه كانت هناك سابقة هي أكثر خطورة من صمت الرئيس الحالي تتمثل في تصريح الرئيس السابق جلال الطالباني الذي أكد فيه أن كركوك هي قدس الأقداس بالنسبة للأكراد، وكان في ذلك التصريح منسجما مع تفكيره القومي ونافيا لمنصبه كرئيس، ولم يتم الاحتجاج على ذلك التصريح بالقوة اللازمة.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إنه كان واضحا للجميع ومنذ زمن طويل أن دولة كردية لا يمكن أن تقوم من غير كركوك، ومع ذلك فإن العراقيين وقعوا بتشجيع من المرجعية الدينية على دستور ينص على أن المدينة النفطية التي تقطنها قوميات وطوائف متعددة هي جزء من الأراضي المتنازع عليها بين الإقليم والعراق.

وطالب المراقب السياسيين العراقيين أن يعالجوا مصطلح “المناطق المتنازع عليها” وصولا إلى حذفه من الدستور، فوجود ذلك المصطلح يكسب دعوة الانفصال الكردي شرعية قانونية.

وأشار إلى أن الزعماء الأكراد حين قرروا الذهاب إلى الدستور فإنهم لم يعبّروا من خلال ذلك القرار عن احترامهم لإرادة الشعب الكردي ذلك لأن نتيجة الاستفتاء معروفة سلفا غير أنهم أرادوا إحراج المجتمع الدولي وبالأخص الأطراف التي لا تزال تعترض على قيام الدولة الكردية، معتبرا أن ما يفعله الأكراد ليس موجها إلى بغداد لذلك فإن كل ما يمكن أن يصدر من بغداد لن يكون محور اهتمام بالنسبة للأكراد ولن يغير شيئا من مسعاهم.

ولم تتوقف إجراءات النواب المناهضين للاستفتاء، عند حد العمل على إقالة رئيس الجمهورية، بل جمعوا ما يزيد على 100 توقيع، لإقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم، من منصبه.

وتقدم الثلاثاء، 116 نائبا، بطلب إلى رئاسة البرلمان العراقي، لإدراج فقرة التصويت على إقالة محافظ كركوك، في جدول أعمال مجلس النواب.

واتهم النواب، المحافظ الذي ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بـ”تعمده التقصير في واجباته”.

وصوتت محافظتان عراقيتان، تضمان مناطق تسكنها أغلبية كردية، على رفض المشاركة في استفتاء كردستان.

وقال رئيس مجلس محافظة صلاح الدين، أحمد الكريم، إن “المجلس صوت بالإجماع على رفض إجراء استفتاء كردستان داخل الحدود الإدارية للمحافظة”، مشيرا إلى أن المجلس “يؤكد حق الأكراد في تقرير المصير وفق الأطر الدستورية”.

وتابع الكريم، أن “المجلس يرفض أن يشمل الاستفتاء مناطق شرق المحافظة”، مشددا على “حرص حكومة صلاح الدين على وحدة وسيادة العراق”.

كما صوت مجلس محافظة ديالى، على “رفض إقامة استفتاء إقليم كردستان ضمن الحدود الإدارية للمحافظة”، مطالبا بـ”نشر قوات أمنية رسمية في عموم المناطق ومنها المتنازع عليها”.