يتحرك رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على أكثر من مستوى لتوفير الدعم للجيش والأجهزة الأمنية وآخر تحركاته في هذا الإطار قادته لروسيا، وعلى المقلب الآخر يسجل سعي من حزب الله إلى طمس جهود الجيش والتشكيك في قدراته من خلال مزاحمته في انتصاراته العسكرية
 

يشهد لبنان اليوم صراع إرادات بين جبهة تعمل على تقوية الجيش والأجهزة الأمنية وأخرى تقف على الجهة المقابلة وترى أن تحقيق ذلك يقوّض مصالحها وطموحاتها التي تتجاوز حدود البلاد.

ويتصدر رئيس الحكومة سعد الحريري الجبهة الداعمة للمؤسستين العسكرية والأمنية، وترجم ذلك في تحركاته في الفترة الأخيرة لتعزيز قدرات الجيش لوجستيا وتسليحيا، وكانت آخر محطاته في هذا المسار روسيا التي دعاها إلى مد يد المساعدة للجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية في معركتهما ضد الإرهاب.

والتقى الحريري الأربعاء في ختام زيارة بدأها الاثنين إلى روسيا الرئيس فلاديمير بوتين وذلك في مقر الرئاسة الصيفي في سوتشي، حيث بحث معه سبل تعزيز التعاون بين البلدين خاصة على الصعيد العسكري.

وأعرب الحريري، في هذا اللقاء الذي جاء تتويجا للقاءات جمعته مع كل من رئيس الحكومة ديمتري ميدفيديف ووزير الخارجية سيرغي لافروف، عن أمله بأن يرتقي التعاون العسكري بين لبنان وروسيا إلى مستوى العلاقات السياسية.

ووصف الحريري زيارته لروسيا بأنها “مهمة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها المنطقة، خصوصا في ضوء الاتصالات الجارية لإيجاد حل للأزمة السورية، وحماية لبنان من تداعياتها السلبية”، حسبما ذكر مكتب رئيس الوزراء اللبناني في بيان. وكان الجيش اللبناني قد خاض مؤخرا معارك حاسمة ضد تنظيم داعش، انتهت بالقضاء على الأخير في المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان.

ورغم هذا الانتصار الذي بدا فاقدا لنكهته جراء ما رافقه من ضجيج، إلا أن الجيش اللبناني ما يزال في حاجة لأسلحة نوعية تجعله قادرا بمفرده على تولي مهمة حماية لبنان إزاء التحديات التي تواجهه.

ويحاول الحريري خلال ولايته فتح أفاق لتعاون عسكري مع قوى صارت رقما صعبا في المعادلة الدولية على غرار روسيا مع السعي إلى تكريس التحالف مع الجانبين الأميركي والفرنسي على وجه الخصوص.

وكان رئيس الوزراء اللبناني قد زار قبل أسابيع قليلة كل من واشنطن وباريس حيث ركزت المباحثات على تطوير قدرات المؤسسة العسكرية، فضلا عن استكشاف ما يخطط له في الغرف المغلقة حيال الملف السوري بالنظر إلى انعكاسات ذلك الحتمية على الوضع الداخلي اللبناني.

ويرغب الحريري في الحصول على تطمينات بأن ما يحاك بعيدا عن الإعلام بخصوص سوريا لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار حساسية الوضع في لبنان، خاصة وأن هناك طرفا لبنانيا حاضرا بقوة في البلد الجار وهو حزب الله.

وبات الحزب على ضوء الإنجازات التي حققها محوره في سوريا يتصرف من منطلق الطرف المنتصر وأن على اللبنانيين الخضوع إلى هذا الواقع.

سمير جعجع: الآن أصبحنا في حاجة للتحقيق حول أسباب إلغاء احتفال النصر
وذهب الحزب في تكريس هذا الأمر حد سرقة انتصار الجيش في جرود القاع ورأس بعلبك، عبر حملة إعلامية وسياسية لافتة للترويج إلى أنه لولا مشاركته في المعركة والصفقة المشبوهة التي عقدها مع داعش، لما استطاع الجيش أن يحسم المعركة بسرعة كبيرة، ولكان ربما دخل في حرب استنزاف.

وتدخلت الجهات الرسمية الإيرانية في الجوقة الدعائية للحزب حيث قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني الثلاثاء “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا تدعمان إجراءات حزب الله في تطهير لبنان من دنس عناصر داعش الإرهابية، ولولا قدرة الحزب لكان لبنان اليوم يستضيف إرهابيي داعش من كل أنحاء العالم”. وأكد شمخاني أن الحكومة والجيش والشعب في لبنان مدينون للتضحيات التي قدمها حزب الله.

ولم يقف حزب الله عند نسب الإنجاز الأكبر في تحرير الجرود له حيث تتهمه اليوم أطراف سياسية بالوقوف خلف إلغاء مهرجان مخصص للاحتفاء بالجيش كان مقررا عقده في ساحة الشهداء الخميس، في خطوة الهدف منها تقزيم ما حققته المؤسسة العسكرية، وأيضا لخشيته أن تكون هذه المناسبة منبرا يتنافس فيه خصومه على إلقاء خطابات تطالب بضرورة أن يكون الجيش الجهة الوحيدة المخولة بحماية لبنان، وأيضا أهمية نزح سلاح الحزب.

وردا على إلغاء الاحتفال غرّد رئيس حزب القوات سمير جعجع عبر “تويتر” قائلا “والآن أصبحنا في حاجة لتحقيق حول أسباب إلغاء احتفال النصر الذي كان اللبنانيون في انتظاره للاحتفال بانتصار الجيش ومنطق الدولة في معركة فجر الجرود”.

واعتبر عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب نديم الجميل أن “إلغاء احتفال النصر يعني أننا أصبحنا في وطن لا يحق لجيشه الاحتفال بنصره، إنه إرهاب وترهيب الدويلة، وتلكؤ بعض الداخل بأبهى صوره”. وكانت وزارتا الدفاع والسياحة اللتان نظمتا المهرجان الاحتفالي قد أعلنتا في بيان مقتضب عن تأجيله إلى إشعار آخر لـ”أسباب لوجستية”.

وهناك قناعة لدى خصوم حزب الله بل وحتى مؤيديه بأنه لا يرغب بالتأكيد في أن يكون هناك جيش قوي في لبنان، لأن ذلك سيعني سحب الذرائع التي يقدمها لتبرير تمسكه بسلاحه، فضلا عن أن داعمته إيران تريد أن يبقى هو الطرف المهيمن على هذا البلد، لتكريس نفوذها والحفاظ على موقع مطل على البحر الأبيض المتوسط.

وتقول أوساط سياسية معارضة للحزب “للأسف هناك البعض من الأطراف اللبنانية ذات المشارب المختلفة تراهن على الحزب في حمايتها، رغم تشدقها ليلا نهارا بضرورة الدفاع عن الدولة وسيادتها”.