من لجنة الدفاع النيابية، إلى لجنة الشؤون الخارجية، سلكت اتفاقية التعاون العسكري والتقني بين لبنان وروسيا طريقها واستقرت في لجنة المال والموازنة. ومنذ عام 2012، لا تزال منسيّة في الأدراج! رئيس اللجنة إبراهيم كنعان أكد أن «لا سبب سياسياً خلف بقائها في اللجنة، وعدم مناقشتها مردّه الانشغال بملف الموازنة»، علماً أن «رئيس المجلس يستطيع إدراجها على جدول أعمال الجلسات التشريعية من دون العودة إلينا، خصوصاً أن لجنة الدفاع والخارجية صدّقتا عليها».
تبرير كنعان يبدو غير مقنع. فهل «لجنته» لم تجد الوقت الكافي، طوال أكثر من خمس سنوات، لعقد جلسة للتصديق على إضافة 4 كلمات على الاتفاقية، بما يتيح للجيش الحصول على مساعدات روسية؟ ثمة قرار كبير، أميركي ــ بريطاني ــ فرنسي، يريد إبقاء لبنان وجيشه تحت العباءة الغربية. وطبعاً، يُراعي الأميركيون وحلفاؤهم في هذا المجال ثابتين: المصالح الإسرائيلية، ومنع إدخال روسيا كشريك في تسليح الجيش اللبناني، ومساعدته على بناء سلاح جو، أو منظومة دفاع جوي ذات تأثير على الطائرات الحربية الإسرائيلية، أو ألوية مدرعات حديثة نسبياً. وحتى اليوم، لا تزال غالبية القوى السياسية اللبنانية منصاعة للمشيئة الأميركية، التي تهدد بقطع المساعدات عن الجيش اللبناني، في حال قبول لبنان بمساعدات روسية (وهو ما كشفته وثائق ويكيليكس).
عام 2008 أعلنت موسكو موافقتها على منح لبنان طائرات ميغ ــ 29. الجانب اللبناني ابتهج بالهبة، لكنه ما لبث أن رفضها، بسبب الضغط الأميركي الذي استجاب له آنذاك الرئيسان ميشال سليمان وسعد الحريري. عادت روسيا وقدّمت عرضاً آخر قائماً على تقديم 6 طائرات مروحية هجومية متطورة، وكتيبة دبابات حديثة نسبياً، ومدافع ذات أعيرة مختلفة، إضافة إلى ذخائر ومعدات عسكرية، وبقي هذا العرض رهينة الانصياع اللبناني للأوامر الأميركية. ولا يمكن وضع قضية «تجميد» اتفاقية التعاون العسكري والتقني بين لبنان وروسيا إلا في السياق عينه. ما هي هذه الاتفاقية؟ وما هي التعديلات التي طرأت عليها؟ ولماذا لا تزال مجمّدة في غرف لجنة المال منذ عام 2012؟
في تشرين الثاني عام 2011، أُجيز للحكومة اللبنانية إبرام اتفاق التعاون العسكري والتقني بين لبنان وروسيا، الموقَّع في موسكو في شباط 2010. وتضمّ هذه الاتفاقية عشر مواد، تتحدث فيها عن توريد السلاح والعتاد القتالي، مع ضمان تشغيل المعدات التي هي قيد الاستعمال لدى القوات المسلحة اللبنانية وتصليحها. وتنص الاتفاقية أيضاً على تقديم خدمات، بما في ذلك بناء منشآت عسكرية، وإيفاد خبراء للمساعدة في تنفيذ البرامج المشتركة، وإعداد اختصاصيين في مؤسسات تعليم وتدريب ملائمة، مع أخذ حاجات كل من الطرفين بالاعتبار.
عام 2012، أحيل مشروع قانون على مجلس النواب يرمي إلى تعديل المادة الأولى من هذه الاتفاقية بإضافة فقرة سابعة عليها تنص على ما يأتي: «تقديم (روسيا) المساعدة العسكرية والأمنية (للبنان)». وكلما كانت قيادة الجيش، في عهد العماد جان قهوجي، تُسأل عن سبب عدم الحصول على مساعدات عسكرية من روسيا، كانت تجيب: ثمة اتفاقية تتيح لنا الحصول على هذه الهبات، لكنها بحاجة إلى تعديل في مجلس النواب.
لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية، برئاسة النائب عبد اللطيف الزين، عقدت جلسة استمعت فيها إلى شرح ممثلي الوزارات المختصة، وأقرت مشروع القانون كما ورد من الحكومة (إضافة الفقرة). كذلك عقدت لجنة الدفاع الوطني والبلديات جلسة برئاسة النائب سمير الجسر، وأقرت المشروع في أيار 2012. فلماذا لم يرسل المشروع معدلاً حتى الآن لإقراره في الهيئة العامة، ولا يزال منسياً في لجنة المال والموازنة منذ خمس سنوات التي لم تعقد جلسة لمناقشتها؟ ولماذا لا يدفع نواب فريق الثامن من آذار باتجاه البتّ فيها؟ ينفي أعضاء من اللجنة أن يكون هناك «أي سبب سياسي يحول دون مناقشتها وإرسالها إلى الهيئة العامة»، مشيرة إلى أن «السبب يمكن أن يعود إلى عدم إدراجها على جدول أعمال اللجنة»، فيما ظهر أعضاء آخرون وقد نسوا كلياً أنها ضمن المشاريع المرسلة إلى لجنتهم. أما رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، فقد حسم الجدل الحاصل حول هذه الاتفاقية، مشيراً إلى أن «اللجنة لم توقف هذه الاتفاقية، وهي لم تدرجها على جدول الأعمال، نظراً إلى انشغالها في الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب». وكشف كنعان لـ «الأخبار» أن «رئيس مجلس النواب نبيه برّي، عادة ما يرسل مثل هذه القوانين إلى اللجان المختصة، وهو يستطيع أن يدرجها على جدول أعمال أي جلسة تشريعية من دون العودة إلينا، وهي لا تحتاج إلى موافقة من لجنتنا»، مشيراً إلى أن «90 في المئة من المشاريع التي تناقش في الهيئة العامة لا تمرّ في اللجان، أو أنها ترسل إلى اللجان بحسب مضمونها لوضع ملاحظات عليها». وأكد كنعان أن «لا مشكلة على الاتفاقية ولا سبب سياسياً يحول دون البتّ بها». خلاصة الأمر أن اللجان تحوّلت إلى مقبرة لاتفاقية تتيح للجيش الحصول على مساعدات عسكرية من روسيا. وهذه المساعدات هي، بلا شك، أفضل من تجهيزات الشرطة وحرس الحدود التي تمنّن أميركا اللبنانيين بها. فهل يصحّح كنعان الخطأ؟ أم يبادر الرئيس نبيه بري إلى وضع الاتفاقية على جدول أعمال أول جلسة تشريعية؟