لا يزال ملف عرسال بأحداثه السابقة والحالية يتفاعل. في مقابل الحملة التي بدأت تطالب بمحاسبة أركان العهد السابق، برزت حملة مضادة هدفها تصويب الأمور وتوجيه السهام نحو حزب الله، إن على خلفية الصفقتين اللتين عقدهما مع تنظيم داعش وجبهة النصرة وتهريب عناصرهما بدون القبض عليهم ومحاكمتهم أو تدفيعهم ثمن ما اقترفوه بحق البلدة وابنائها ولبنان وعسكرييه. ويبدو أن هذه الحملة المضادة ستتعاظم في الأيام المقبلة، وكان قد بدأها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وبعض مكونات قوى 14 آذار، وانضم إليها اللواء أشرف ريفي، الذي حمّل حزب الله مسؤولية ما يجري، ومسؤولية تهريب الإرهابيين.
واعتبر ريفي أن "حزب الله قام بصفقة مكشوفة لتهريب داعش والنصرة وحمايتهم من العقاب"، معتبراً أن الحزب "عطل التفاوض لتحرير العسكريين وستنكشف الوقائع". وأشار إلى أن "حزب الله نفذ عملية وهمية في عرسال لتغطية الصفقة وترك الجيش في جرود القاع وراس بعلبك لاستنزافه". وطالب بالكشف عن محاضر جلسة مجلس الوزراء في تلك الفترة، بالإضافة إلى الكشف عن محضر التحقيق مع عماد جمعة، قائد لواء فجر الإسلام، الذي تسبب توقيفه في إندلاع أحداث عرسال.
وتفيد مصادر بأن توقيف جمعة كان عملية متعمّدة لتوريط الجيش، وهناك ما يثبت بعض التواطؤ بين جمعة وحزب الله. ما قد تكشفه محاضر التحقيق معه، وقد أوقف بعد ثلاثة أيام على مبايعته تنظيم داعش. ويعتبر أعضاء هذه الجبهة المضادة أن توقيف جمعة كان عملية مرسومة، في الإطار الذي يريده حزب الله لأسباب عدة منها، الضغط على عرسال وتهجيرها في تلك الفترة؛ وثانياً لتبرير دخوله في الحرب السورية، من خلال إعلانه أن الإرهاب يهد لبنان، وبالتالي يجب مواجهة هذه التنظيمات الارهابية في سوريا قبل وصولها إلى لبنان؛ وثالثاً بهدف تخويف اللبنانيين ووضع نفسه في موقف المدافع عنهم بوجه من يريد تنفيذ عمليات داخل الأراضي اللبنانية؛ ورابعاً لإيقاع الشرخ بين الشارع السني والجيش اللبناني، وبين الشارع السني والمنظومة السياسية في البلد.
ويعتبر هؤلاء أن حزب الله كان يهدف إلى جعل عرسال منطقة نظيفة كما هي حال القصير، لأن الوضع في تلك الفترة، كان يشير إلى تمسك الحزب والنظام السوري بمنطق سوريا المفيدة، وكانت عرسال منطقة شاذة عن ذلك. بالتالي، كان يجب إيجاد أي ذريعة لتهجيرها. أما اليوم فإن المعطيات تغيّرت، خصوصاً أن حزب الله يعتبر نفسه يحقق الانتصارات، ويوسع مناطق سيطرة النظام وحلفائه على الجغرافيا التي تتخطى بكثير سوريا المفيدة. رغم ذلك، فإن عرسال تبقى شوكة في خاصرة هذه المنطاق النظيفة، إلا أن تهجيرها لم يعد ضرورياً أو من أولويات الحزب، فيما قد يكتفي الحزب بتطويعها من خلال الحملة التي تشنّ عليها.
ويستند هؤلاء في قراءتهم إلى سلوك حزب الله والتيار الوطني الحر في تلك الفترة، إذ أنهما كانا يعمدان إلى تعظيم المشكلة، إن من خلال الإصرار على إبقاء عماد جمعة موقوفاً، أو من خلال رفض التفاوض مع هذه التظيمات فيما بعد. وهذا ما أدى إلى تصفية العسكريين المخطوفين، ويقولون إن الحزب والتيار هما من يتحمل مسؤولية ما حصل. وهذا يظهر من خلال إجهاض الوساطات وإطلاق النار على وفد هيئة العلماء المسلمين. وقد تجلى ذلك في مقتل نائب رئيس بلدية عرسال السابق أحمد الفليطي، وهو المفاوض الأبرز في هذه القضية. ويتهم هؤلاء حزب الله باغتيال الفليطي، بهدف طمس الحقائق ولتغيير مسار المفاوضات التي كان يقودها، وحصرها بالحزب، كي لا تتكشف أسرار كثيرة لا يريد حزب الله أن تنكشف.