تعيش قطر حالة إرباك كبيرة بسبب انسداد الأفق في وجه محاولاتها للخروج بأخف الأضرار من الأزمة بعد مئة يوم من بدايتها مع السعودية والإمارات ومصر والبحرين.
وعكست تحركات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واتصالاته، فضلا عن تصريحات وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزيارته المفاجئة إلى تركيا الثلاثاء، القلق المشوب بالارتباك داخل مصدر القرار السياسي في الدوحة.
وقالت أوساط خليجية إن لجوء قطر إلى الاستعانة باللوبي اليهودي، والزيارة التي قام بها الشيخ تميم إلى القاعدة الجوية الأميركية في العديد، ولقاءه بجنرال أميركي هامشي يدير وحدة جوية في قطر، واتصاله الهاتفي الاثنين مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كلها عناصر تعكس حالة من القلق والتحسّب في قطر لنهاية صعبة للأزمة مع دول المقاطعة، قد يكون أكثر فصولها رعبا هو حصول توافق إقليمي ودولي بشأن ضرورة البحث عن بدائل من داخل الأسرة الحاكمة كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة.
وقام أمير قطر، الاثنين، بزيارة لقاعدة العديد الجوية، تفقد خلالها القوات الجوية الأميرية القطرية، ومركز العمليات الجوية المشتركة للقيادة المركزية الأميركية الوسطى.
والتقى الشيخ تميم قائد القوات الجوية المركزية الأميركية الفريق جيفري هاريجيان، وعددا من الضباط الأميركيين، حيث “تم استعراض أوجه التعاون الدفاعي العسكري المشترك، وتعاون البلدين في مكافحة الإرهاب”، وفق وكالة الأنباء القطرية، وهي خطوة وصفها متابعون لشؤون الخليج بكونها حركة استعراضية لإيهام المواطنين القطريين بأن الوضع تحت السيطرة.
واعتبر المتابعون أن لقاء هاريجيان ليس هو الضمانة التي كان القطريون ينتظرونها للخروج من الأزمة، وأنه كان على الشيخ تميم بدل أن يزور قاعدة العديد أن يبادر إلى التواصل مع القيادة السعودية وأن يعلن بشكل واضح عن رغبته في الحوار ووقف تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في قطر، لافتين إلى أن كل البدائل التي تقدمت بها قطر لشعبها بدائل خارجية مصطنعة ولا تحل المشاكل.
وعملت قطر ما في وسعها لتبين أنها مستغنية عن السعودية بزعم أنها لا تريد أن تكون أسيرة الضغوط، ولكنها راهنت على البعيد، الإيراني والتركي، وحتى مراهنتها على القريب، مثل التجارة عن طريق عمان، فهي تبقى مراهنات محفوفة بالمخاطر تعالج الشأن السلعي وبعض المتطلبات الخدمية، ولكنها لا ترد على التساؤلات الشعبية في البلاد عن الشأن السياسي والأمني.
ونقل عن أوساط سياسية خليجية استغرابها لقيام أمير قطر بالاستعراض من خلال مقابلة جنرال أميركي في قطر، فيما الرئيس الأميركي نفسه سبق وأن أدان تمويل قطر لتنظيمات إرهابية وأرسل وزير خارجيته ريكس تيلرسون لإبرام اتفاق يلزم الدوحة بوقف تمويل الإرهاب.
ولا تعود حالة القلق والتخبط التي تفرج عنها السلوكيات الدبلوماسية والإعلامية للدوحة فقط إلى انسداد أفق الأزمة ومؤشرات تأثير قاتل على اقتصادها، لكن ذلك يعود بالأساس إلى رواج مخاوف جدية، حتى لدى الدوائر الدولية العليا، من أن يتحول الحديث عن بدائل للفريق الحاكم في قطر من دائرة التسريبات إلى دائرة الأمر الواقع خاصة في ظل ارتفاع منسوب القلق الشعبي مثلما تعكس الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن حالة التململ التي رصدتها دوائر قطرية مختلفة.
ولا تخفي أصوات قطرية معارضة، حتى داخل العائلة الحاكمة، معارضتها للمأزق الذي قادت السلطات الحاكمة القطريين إليه، مطالبة بالانتقال إلى مرحلة جديدة تتخذ فيها قرارات كبرى لإنقاذ البلد، وتحريره من الأجندات الخارجية ولعبة توظيف الجماعات المتشددة في معارك وحسابات وهمية تسيء إلى قطر وتوتر علاقتها بمحيطها الإقليمي.
ومن المقرر أن يتحدث المعارض القطري المنفي خالد الهايل الخميس في مؤتمر في لندن بعنوان “قطر، الأمن العالمي والاستقرار”، عن هذه المواضيع.
وتقول مراجع خليجية مطّلعة إن السلطات القطرية استفاقت مؤخرا على حقيقة أن عامل الوقت الذي راهنت كثيرا على توظيفه ارتد عليها، خاصة أن موعد كأس العالم لكرة القدم 2022 يقترب، ومن شأن هذه الأزمة أن تؤثر عليه بشكل كبير من حيث رسم صورة عن عدم استقرار قطر، وغياب تأمين استقبال الملايين من الزوار في بلد تنشط فيه بحرية مجموعات مصنفة إرهابية وتحصل فيه على الأموال وحرية الحركة.
وفشلت خطط الدوحة في دفع دول المقاطعة إلى خطوات غير محسوبة، يمكن أن توظفها في الحصول على تعاطف من دول غربية. وبان أن أسلوب التجاهل والاستمرار بتشديد العقوبات أربك السلطات القطرية التي لم يعد أمامها سوى البحث عن صيغة تحفظ ماء الوجه للعودة إلى الحوار وسط تقارير وتقديرات مختلفة بأن الأزمة قد تستمر خلال 2018.