يخطىء من يعتقد بأن قضية العسكريين المظلومين قد انتهت وأن ملفاتهم قد دفنت معهم لحظة احتضان تراب الوطن أجسادهم الطاهرة.
ففضلًا عن أنها فاجعة إنسانية عظيمة فهي مأساة وطنية بإمتياز وتعني الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه وتعني كل مواطن لبناني شريف بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو المذهبي وارتباطه السياسي والحزبي ولا تنحصر في منطقة الجرود الشرقية التي تم ذبحهم فيها بأيدي ثلة من شذاذ الآفاق والوحوش البشرية الذين لم ينفع معهم التوسل والمناشدات والعواطف والخارجين على أية معايير سماوية ودينية والفاقدين لكافة النوازع الإنسانية والمستخفين بكل المقاييس القانونية و الأرضية.
إقرأ أيضًا: من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
فمقتل هؤلاء العسكريين مأساة إنسانية وجريمة مروعة بكامل أوصافها وتفاصيلها وبدأت لحظة اختطافهم من مركز عملهم في مؤسستهم الأم ولا تنتهي عند الإعلان عن وفاتهم ولا بالإحتفالات الرسمية ولا بتعطيل مؤسسات الدولة حدادًا ولا بعبارات العزاء والرثاء بل أن فاجعتهم قد ترتقي الى مستوى فاجعة كربلاء في بعض التفاصيل والمفردات - وكي لا أقع ضحية اتهامي بالمبالغة وإثارة النعرات المكبوتة فإني لا أقارب مظلومية العسكريين الشهداء المؤهل إبراهيم مغيط والرقيب علي المصري والرقيب مصطفى وهبي والعريف سيف ذبيان والعريف محمد يوسف والجندي أول خالد حسن والجندي أول حسين محمود عمار والجندي أول علي الحاج حسن والجندي أول عباس مدلج والجندي أول يحيي علي خضر، فلا أقارب مظلومية هؤلاء الشهداء بمظلومية الإمام الحسين عليه السلام حسبًا ونسبًا وإنما المقاربة ببعض المشاهد المروعة.
فهؤلاء المظلومين سقطوا غرباء وعلى أرض بعيدة عن بلداتهم وقراهم وفي بيئة غريبة عن بيئتهم الوطنية والأخلاقية وسكين الذبح الذي نحرهم وشوه جثثهم لا يختلف كثيرًا عن السكين الذي حز رؤوس شهداء ألطف على رمضاء كربلاء.
إقرأ أيضًا: لحظة حداد على الوطن
والمقاربة أيضًا في الخيارات المحدودة التي انحصرت بين السلة والذلة فإما مبايعة الخليفة أبو بكر البغدادي أو الذبح. كما الخيار الذي ترك للإمام الحسين عليه السلام فإما النزول على حكم يزيد أو القتل.
والمقاربة أيضًا في اللحظة الزمنية التي وقف فيها الزمن على أطلال مجزرة مروعة حيث انتصب الباطل كله بوجه الحق كله ويسجل ملحمة من أروع الملاحم على مر التاريخ التي لا تستطيع الأيام والسنون والعقود أن تمحيها من الوجود بل قد تبقى حية وتتفاعل في العقول والنفوس كما بقيت فاجعة كربلاء راسخة في الألباب والقلوب وتحولت إلى مدرسة يتخرج منها العظماء والأبطال المقارعين للظلم.
فالمقاربة في الجرأة على الله وفي المظلومية وفي الغربة ليس إلا، حتى لا تتفتق الأريحية عند البعض من المتاجرين بالدماء والأرواح والذين يعيشون على حفافي الحقد المذهبي والحزبي والذين لا يجيدون غير لغة السب والشتم وابتكار الإتهامات الباطلة.
فمظلومية العسكريين قضية كبرى وبحجم الوطن ومن الخطأ التهاون معها والإستخفاف فيها وحصرها في حكم القضاء والقدر وافراغها من جوهرها، فهي قضية حساسة جدا وقد تضع الوطن على المفترق بين الضياع أو بنائه على أسس عادلة وعلمية وحضارية.
إقرأ أيضًا: صفقة مشبوهة وقسمة ضيزى
فهؤلاء العسكريين الأبرياء الذين ظلموا مرة بذبحهم على يد الإرهاب من العار على البلد أن يذبحهم مرة أخرى بيد طبقة سياسية فاسدة لا تجيد غير مهمة طمس الحقائق وحجبها عن الناس وتزوير الوقائع والتاريخ تماشيا مع مصالحها وطموحاتها وأطماعها الدنيوية.
فالمطلوب فورًا وعلى وجه السرعة تشكيل لجنة قضائية قوامها قضاة مشهود لهم بالنزاهة للتحقيق في هذه الجريمة التي اهتزت لها الأحاسيس والمشاعر ورفع الحصانة عن الجميع حتى يتسنى استدعاء كل من له علاقة بهذه القضية مهما علا شأنه منذ اللحظة التي تم اختطافهم فيها، وإلا فالامور قد تأخذ منحى الإقدام على عمليات ثأرية خاصة بالعائلات والعشائر والمناطق والتي قد تصل إلى مرحلة يصعب لجمها وتؤدي إلى احتراب داخلي قد يأخذ منحى الفتن المذهبية والطائفية..