يطرح بعض المراقبين سؤالاً في معرض تعليقهم على التوقفيات التي تحصل على خلفية التحقيق باحداث عرسال، بشأن إذا ما سيكون هناك إمكانية لاستدعاء عنصر أو مسؤول أو قيادي في حزب الله، كان موجوداً في تلك المنطقة ومحيطها خلال الأحداث وبعدها، ليس لأجل التحقيق بصفة متّهماً، بل للاستعانة به لاستكمال ملابسات التحقيق والاستماع إليه كشاهد؟
ويجيب طارح السؤال نفسه سريعاً، بأن ذلك مستحيل، لأن حزب الله هو الطرف المنتصر، وبالتالي فإن التحقيق يحصل مع المهزومين. هكذا تقول الأسطورة اللبنانية، ولو أن الطرف الذي يؤيده أبو طاقية أو أبو عجينة هو الذي انتصر، لكان الرجلان قد تحولا إلى بطلين أنقذا لبنان، وحررا عسكرييه المخطوفين، ودحرا التنظيمات الارهابية عن أرضه.
يؤشر السؤال إلى بعض السوريالية اللبنانية، في معرض الاختلاف والكباش السياسي الحاصل على خلفية أحداث عرسال. ويؤكد أن ما كان في الإمكان الإلتفاف حوله وطنياً لاستثماره في الإطار الوطني الجامع، قد تبدد، وغرق في دهاليز السياسة وحساباتها. وقد غذى ذلك تحميل كل من رئيس الحكومة السابق تمام سلام، وقائد الجيش السابق جان قهوجي، المسؤولية. فالإتهامات التي وجّهت إليهما، وإلى غيرهما، تندرج في اطار الثأر السياسي، خصوصاً أن الجميع يعلم أنه لم يكن في امكان سلام وقهوجي اتخاذ أي قرار بدون موافقة الجميع، ولاسيما حزب الله والتيار الوطني الحرّ في فترة الفراغ الرئاسي. والجميع يذكر نهج الوزير جبران باسيل التعطيلي في تلك الفترة.
منذ بداية المعركة، كان هناك التفاف وطني حول الجيش، لكن ما يحصل هو التفاف على هذا الالتفاف، لهدف زرع الشرخ بين الشارع السني والجيش اللبناني، وما يستتبعه ذلك من تداعيات. وهذا المسار يستكمل في فتح ملف عرسال مجدداً، وما يعتبره البعض أنه حملة تهدف إلى الرد على الحملة التي شنّت على حزب الله بسبب الإتفاق الذي حصل بين الحزب وتنظيم داعش.
هناك من يعتبر أنه حتى لو سار التحقيق بشكل جدّي وشفاف، ليس من المؤكد ما هي النتيجة التي سيصل إليها، لكنه سيبقى ملفاً مفتوحاً، ولا يمكن أن يقفل إلا إذا ما حصلت حسابات معينة حتّمت إقفاله. ولن يؤدي ذلك إلى متغيرات جذرية. حتى الآن، ما يجري هو سجال لن يقدّم ولن يؤخر في المسار السياسي العام، وفي التسويات الذي يجري عقدها، بل ينعكس سلباً على عرسال وأهلها. وقد تكون لديه أهداف أكثر عمقاً، تتعلق باستمرار الضغط على عرسال واللاجئين فيها، لدفعهم إلى العودة إلى كنف النظام السوري. مقابل إبعاد بعض العراسلة الذين كانوا يؤيدون الثورة السورية، وسط عجز من يعتبرون أنفسهم أنهم يحمون عرسال.
أما بالنسبة إلى بعض الآراء في تيار المستقبل وقوى 14 آذار سابقاً، فتعتبر أن الجزء الأساسي من رؤية حزب الله، هو أن تكون عرسال فارغة أو مطوّعة، لأن الهدف منها هو جعل المنطقة نظيفة مذهبياً. صحيح أن كل المحاولات السابقة لم تنجح، ولكن استمرار الحملة على عرسال، يصب في هذه الخانة، وإدخال المسلحين والإرهابيين إلى البلدة وكل ما حصل منذ سنوات، كان يهدف إلى تهجير عرسال. وهذه المحاولات لا تزال مستمرة. وهذا ما سينعكس مستقبلاً من خلال مزيد من الضغط بالمداهمات والتحقيقات التي ستستكمل في الملف، لدفع السوريين إلى مغادرة عرسال، ودفع بعض العراسلة إلى المغادرة، وتطويع البلدة بشكل نهائي.