لعل عبارة " ما بعد 11 أيلول 2001 ليس كما قبلها " هي الأكثر تعبيرا عن واقع العالم والتغيرات التي طرأت فيه.
كان الحدث صادما ونوعيا وإستراتيجيا على مختلف الصعد والمقاييس وكان إيذانا لبدء مرحلة جديدة في العالم تغيرت فيه التصنيفات والسياسات وإختصرها الرئيس الأميركي السابق حينها جورج بوش بمبدأ واحد :" إما معنا أو ضدنا ".
إقرأ أيضا : بعد الرقة والموصل...خطر داعش مستمر وحمزة بن لادن يعود
لعل مبدأ بوش كان واضحا بما فيه الكفاية لتحديد السياسات الإقليمية والدولية للدول ووضوحه كان جذابا بالدرجة الأولى لتنظيم القاعدة ومحبيها حول العالم.
فهكذا تصنيفات هي بالواقع تحاكي أدبيات القاعدة الإيديولوجية القائمة على تصنيف العالم بين الإسلام والكفر، فجاء بوش ليعطيها شيئا من الإثارة والحماسة كانت القاعدة تريدها حينها لنشر دعايتها على أوسع نطاق.
ما فعله بوش أنه صنف العالم إلى محورين :" الخير والشر " وأطلق حربا على الإرهاب سماها ب " الحرب الصليبية " وهي مفردات تدغدغ عواطف القاعدة وتجعلها أكثر يقينا بمشروعها في المواجهة.
حصلت حربا أفغانستان والعراق وتلقت القاعدة ضربات قوية على الرغم من إستمرار عملياتها في مختلف مناطق العالم لكن الضربة التي ستقصم ظهرها كانت إغتيال مؤسسها وقائدها ووجهها الإعلامي الأول وموجهها أسامة بن لادن.
فما بعد أسامة ليس كما قبله أيضا، حينها دخلت القاعدة في نفق من التخبطات والإنشقاقات ولم يستطع زعيمها الجديد أيمن الظواهري السيطرة عليها.
وبدأت المجموعات المرتبطة به بالخروج عن عصا طاعته وكان أكبر إنشقاق هو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش " الذي أعلن الخلافة بالرغم من إعتراض الظواهري.
فعقيدة القاعدة تقول أن الوقت الحالي هو لإضعاف " أعداء الإسلام في الداخل والخارج " وليس الخلافة لأن الخلافة تقتضي مركزية في القرار وعلنية في التواجد وهذا ما عانته لاحقا داعش التي بدأت تنهار اليوم.
أما الضربة الثانية التي تلقاها الظواهري فهي إنفصال " جبهة النصرة " في سوريا عن قيادته وإستبدال إسمها ب " جبهة تحرير الشام " وهذه الجبهة كانت مفخرة للقاعدة في سوريا والإنجاز الوحيد الذي يتغنى به الظواهري في مرحلة ما بعد بن لادن.
وفي ظل الإنكسارات المستمرة التي تلقتها القاعدة من قبل أبنائها بالدرجة الأولى ومن أعدائها، كان نجم الظواهري يخبو ونفوذه يتراجع بإستمرار وكان لا بد من فعل شيء ما.
إقرأ أيضا : خبير أمني لـأف بي آي: ماذا بعد القضاء على داعش؟
الرهان على حمزة :
ولأن إسم بن لادن لا زال له صدى في وعي وعقل " القاعديين " كان لا بد من الرهان على إستثمار ما يكون مربحا ويعيد للقاعدة بريقها.
هنا بدأت قصة حمزة بن لادن نجل الزعيم المؤسس وإبن ال 26 عاما.
هو من مواليد العام 1991 وأمه خيرية صابر ثالث زوجات أسامة بن لادن، وتمتلك خيرية سيرة ذاتية أكاديمية مرموقة فهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في علم نفس الأطفال ومعلمة سابقة في جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية وليس لها أبناء من بن لادن سوى حمزة وكانت رفيقة درب بن لادن في معظم محطات حياته.
أما حمزة فقد رافق والده في محطات حياته كلها منذ ولادته، بدءا من السعودية والسودان ومرورا بجبال طورا بورا ووصولا إلى قندهار حتى أحداث أيلول 2001.
وبعد إجتياح أميركا لأفغانستان إنتقل حمزة بن لادن برفقة أمه وأخيه سعد بن لادن إلى إيران حيث إحتجز هناك وأطلقت إيران سراحه هو ووالدته في 2010 أما شقيقه فقد قتل بعد خروجه من إيران بغارة جوية أميركية بباكستان.
وظهر حمزة بن لادن أثناء تواجده في إيران بثلاث إطلالات إعلامية أعوام 2003 و 2005 و 2008 دعا فيها أبناء القاعدة لمحاربة الأميركيين.
وقبل مقتل أسامة بن لادن في 2 أيار 2011 تشير التقارير أن حمزة إلتقى بوالده ثم إفترقا بسبب صعوبات أمنية حالت دون لقائهما فيما بعد ولم ير حمزة والده بعدها، أما خيرية فقد بقت مع بن لادن حتى مقتله في باكستان على أيدي قوات أميركية خاصة.
إقرأ أيضا : نجل أسامة بن لادن دعا لتنفيذ هجمات ارهابية في واشنطن ولندن وباريس
ظهر حمزة بن لادن في 2015 برسالة معنونة ب " تحية سلام لأهل الإسلام " وقدمه أيمن الظواهري الذي وصفه بأنه أحد ليوث " مأسدة الجهاد" وبأنه " الأسد إبن الأسد والمجاهد إبن المجاهد...." وأطلقت مؤسسة السحاب الذراع الإعلامي للقاعدة لقب " الأمير " عليه.
وفي هذه الرسالة دعا حمزة إلى شن هجمات داخل وخارج أميركا ووصف أيمن الظواهري بأنه " رفيق الجهاد مع الوالد " وأشاد بفروع تنظيمات القاعدة حول العالم.
وظهر لاحقا في العام 2016 برسالة أخرى تحمل عنوان " كلنا أسامة " ثم ظهر في 12 أيار 2017 بالذكرى السادسة لمقتل والدة برسالة بعنوان :" وصايا للفدائيين في الغرب " وفي هذه الرسالة دعا أتباع القاعدة إلى إستخدام أسلوب " الذئاب المنفردة " ضد الروس والأميركيين واليهود والغربيين.
وفي الذكرى السادسة عشر لهجمات 11 أيلول وعدت مؤسسة السحاب بتقديم 4 إصدارات ونشرت صورة عليها الأبراج المنهارة في أميركا وعلى أحد الأبراج صورة حمزة بن لادن.
إقرأ أيضا : إبن بن لادن يهدد بالانتقام من الولايات المتحدة لقتل أبيه
حمزة يستعد للمهمة :
ولا شك أن هذه الإطلالات الإعلامية المتكررة ذات مغزى عميق ولا شك أيضا أن الهدف الأساسي منها هو إعادة توحيد أفرع القاعدة وتقويتها حول العالم.
فعناوين الرسائل وإدراج إسم " أسامة " في بعضها هو ذات هدف ونية مسبقة لدى قيادة القاعدة العليا وهو إعادة توحيد نشاطات القاعدة وأفرعها مستغلة إسم بن لادن.
ولأن الظواهري أثبت فشله في الحفاظ على " تركة بن لادن " بعد أن أعطى معظم القيادات العليا في التنظيم لمصريين كونه مصري الجنسية ما ساهم في هذه التضعضع، كان لا بد من جلب قيادة لها رمزية في وعي " القاعديين " ومن غير نجل بن لادن قادر على تحقيق هذه المهمة؟
وإلى الآن يبدو أن الظواهري يستغل حمزة بن لادن لتحقيق هذا الهدف ومن ثم إبعاده ليستفرد بالزعامة لكن هناك رأي آخر يقول أن الظواهري جاد في منح القيادة لحمزة بن لادن في اللحظة المناسبة.
هذه اللحظة تبدو قريبة جدا مع إنهيار " داعش " وما سيسببه ذلك من عودة وفعل " توبة " لعناصرها لكي يعودوا إلى التنظيم الأم.
ولأن حمزة قيادي شاب عايش فترات مختلفة من القاعدة وتدرب على أيدي أكبر قيادييها وأكثرهم خبرة فإنه بات مستعدا لمهمة قيادة التنظيم بروح جديدة.
وهذا الخبر سيكون سارا لأتباع القاعدة أما العالم وبالأخص بلدان الشرق الأوسط فهم موعودون بموجات إرهاب جديدة ودماء وآلام.
وبالمحصلة فإن القاعدة لم تقتنع حتى هذه اللحظة أنها أساءت للإسلام من حيث تدري أو لا تدري ويبدو أنها لن تقتنع وهي مستمرة إلى ما لا نهاية وسيستمر نزف دماء الأبرياء.