بعيداً عن السجالات الداخلية المتعلّقة بـ«جنس» المسؤولين عن أحداث عرسال العام 2014، يبدأ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري اليوم لقاءاته الرسمية في موسكو مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وفي جعبته مجموعة من الملفات أهمها تسليح الجيش اللبناني والبحث مع المسؤولين الروس الطلب من النظام السوري إتمام عملية ترسيم وتحديد الحدود اللبنانية – السورية التي حاولت الحكومة اللبنانية ترسيمها العام 2010 «لكن الجانب السوري لم يتجاوب معها».

ويأتي تركيز الرئيس الحريري على هذين الملفّين بعد أقل من أسبوعين على انتصار الجيش اللبناني في معركة «فجر الجرود»، لأن الحدود التي يعرف الجميع أنها لبنانية، كما قالت مصادر رئيس الحكومة، هي المناطق التي «كانت تتواجد فيها عناصر داعش في البقاع، ولو تمكنت الحكومة من ترسيم الحدود في 2010 لم تكن اليوم لتواجه ما واجهته من مشاكل مع داعش وغيره».

وكشفت المصادر أن العمل يتركّز اليوم على وضع أبراج مراقبة بالتعاون مع البريطانيين الذين يملكون خبرات عالية في هذا المجال، وأن الدولة اللبنانية تعمل على تحديد كل هذه المنطقة، لكن الموضوع متوقّف لدى الجانب السوري، ولبنان جاهز منذ زمن للترسيم خصوصاً في مناطق كشبعا، لأن هذه المناطق لبنانية في حين أن الجانب السوري يعتبرها سورية وإسرائيل تستغل هذا المنطق السوري لتبقي على احتلالها لها.

ووصفت المصادر زيارة الرئيس الحريري لروسيا بـ«المهمّة في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة التي تمرّ بها المنطقة»، خصوصاً على صعيد الاتصالات الجارية لإيجاد حلّ للأزمة السورية «وتجنيب لبنان أي تداعيات سلبية جراء ذلك وتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات».

وسيركز الرئيس الحريري في محادثاته مع المسؤولين الروس حسب المصادر، على المضي في سياسة تقوية الجيش اللبناني التي تعتمدها الحكومة من خلال القانون البرنامج الذي أقرّ في مجلس النواب، لأن لدى روسيا الكثير من الأسلحة التي يملكها الجيش اللبناني أصلاً ولكنها أصبحت قديمة والحكومة تريد أن تطوّر هذا السلاح.

وكان قد تم التوافق مع الحكومة الروسية خلال زيارة الرئيس الحريري إلى موسكو العام 2010 على خطوات عملية لتسليح الجيش اللبناني والقوى الأمنية، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تتابع هذا الموضوع عملياً منذ ذلك الوقت، ولذلك يجري البحث حالياً في إعادة تفعيل هذه الخطوات.

وشدّدت المصادر على «الدور المهمّ» الذي تلعبه روسيا في المنطقة، أكان في سوريا أو محادثات الآستانة أو في المفاوضات الجارية لإيجاد حل سياسي في سوريا، وعلى دورها الإيجابي عند كل تصويت في مجلس الأمن يتعلق بتحييد لبنان.

وأكدت على أن الأهمّ بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية هو «تحييد لبنان عن أية صفقات قد تحصل ويتم بحثها الآن»، وأن محادثات الرئيس الحريري مع المسؤولين الروس ستتركز على «وجوب أن تتضمن أي تسوية سياسية في سوريا عودة النازحين السوريين إلى بلادهم». وتساءلت عن الفائدة من أي تسوية في ظل وجود 9 ملايين نازح خارج سوريا لأن هؤلاء اللاجئين «مواطنون سوريون يجب أن يعودوا إلى بلادهم»، معتبرة أية تسوية خارج هذا النطاق «تسوية ناقصة».

وعما إذا كان البحث بين الرئيس الروسي والرئيس الحريري سيتطرق إلى مسألة بقاء بشار الأسد في السلطة، قالت المصادر إن موقف الحريري معروف من هذا الموضوع، وكذلك موقف الرئيس بوتين الذي لم يتغيّر. ورأت أن هناك خلافاً سياسياً كبيراً بين بعض الأفرقاء في لبنان حول بقاء الأسد، أما بالنسبة للرئيس الحريري فهذا الأمر محسوم.

وحول ما إذا كان هناك تخوّف من عودة النفوذ السوري إلى لبنان رأت المصادر أن الواقع اليوم يشير إلى وجود روسيا وإيران، وأن سوريا لن تستطيع فرض شيء، فهذا النظام كان على وشك السقوط لولا التدخّل الروسي، لذلك فإذا نفضت روسيا يدها منه سيسقط لأنه لم يستطع البقاء لولا تدخلها، واليوم هناك دولة كبرى اسمها روسيا تقول الأمر لي في سوريا.

وعن إمكانية عقد اجتماع بين الرئيس الحريري والسيد حسن نصرالله بعد كلام الشيخ نعيم قاسم أول من أمس قالت المصادر إن الحريري «يقوم بواجباته كرئيس للحكومة اللبنانية وعندما تنضج الأمور سنرى».

شكوى ضدّ إسرائيل

وليس بعيداً عن اهتمام رئيس الحكومة بسيادة الحدود اللبنانية، أجرى أمس من مقرّ إقامته في موسكو اتصالاً بوزير الخارجية جبران باسيل وطلب منه تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضدّ إسرائيل «لقيامها بزرع أجهزة للتجسّس في الأراضي اللبنانية وخرق الطيران الحربي الإسرائيلي المتواصل للأجواء اللبنانية وخصوصاً قيام الطائرات الإسرائيلية بخرق جدار الصوت فوق مدينة صيدا».

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصف هذه الشكوى بأنها «لن تكون مجرّد إجراء ديبلوماسي روتيني بل سيتم ملاحقة مفاعيلها»، مؤكداً «أن لبنان الذي انتصر على الإرهاب التكفيري مصمّم كذلك على عدم السماح بأي انتهاك لسيادته».