فيما ينتظر الجميع قرارَ المجلس الدستوري في الطعن الذي قدّمه حزب الكتائب وخمسة نوّاب آخرين في شأن قانون الضرائب، علمت «الجمهورية» أنّ صرفِ الرواتب على أساس السلسلة لشهر أيلول ليس محسوماً حتى الآن في انتظار تبلورِ مسار هذا الطعن، علماً أنّ اتّفاقاً ضمنياً تمّ بين القوى السياسية خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ويقضي بالتريّث في البدء بدفعِ الرواتب على أساس «السلسلة» بعدما أبلغ وزير المال علي حسن خليل إلى المجلس أنه أعدّ الجداول. وكان هناك شِبه اتّفاق على وجوب الحفاظ على المالية العامة بتلازمِ الضرائب مع السلسلة، بحيث إنه عندما يُقرّ الأوّل يبدأ الصرف.

التحقيق القضائي

في هذا الوقت، يبقى التحقيق في قضية خطفِ العسكريين وقتلِهم في عرسال عام 2014، الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في صدارة الاهتمامات الداخلية. ويأتي ذلك فيما التحضيرات جارية للاحتفال بالانتصار على الإرهاب في مهرجان سيُقام الخميس المقبل في ساحة الشهداء ويتحدّث خلاله الرؤساء الثلاثة.

وفي سياق التحقيق، قال مصدر سياسي بارز «إنّ هذا التحقيق يجب حصوله ولكن بموضوعية وليس بخلفية الافتراء على أحد». وأضاف: «للأسف هناك فريق في البلد يحاول تكبيرَ أيّ مسألة بدلاً من تصغيرها، وهناك مَن يكبّر المسألة لتصغيرها، ولكن في حالتنا الراهنة هناك مَن يضخّ إعلامياً وسياسياً، ليس تمجيداً بالجيش، وإنّما بهدف مصالح سياسية».

وردّاً على سؤال قال المصدر نفسُه: «الفتنة ممنوعة في لبنان على مستوى الداخل، أو بين الجيش و«حزب الله»، فهذا الأمر لن يحصل مع أنّ هناك مَن يتمنّى ذلك ليلاً ونهاراً».

وانتقد المصدر ما وصَفها «الطريقة الدعائية والاستعراضية» التي دُعِيَ فيها إلى التحقيق، وقال: «التحقيق يجب أن يحصل من حيث المبدأ، وهو ضروريّ لتقييم الإنجازات والإخفاقات ويُفترض أن يكون هناك حدٌّ أدنى من اعتماد الاحترام لأنفسِنا ولمؤسساتنا ولأسرار الدولة، وهنا أقول إنّ الجيش في معارك عرسال قام بكلّ ما هو مطلوب منه ولم يقصّر أبداً، ولذلك عودوا إلى محاضر مجلس الوزراء التي تُظهر كلّ الحقائق، وجميعُنا نَعلم ماذا حصل آنذاك، نحن مع فتحِ هذه المحاضر وكذلك مع فتحِ محاضر أُخرى لبعض الحوارات».

وأشار المصدر إلى «أن لا رئيس الحكومة السابق تمام سلام ولا قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي يتحمّلان المسؤولية، بل المسؤولية تقع على الواقع السياسي الذي كان سائداً آنذاك والذي كان يقف يومها على حافة الفتنة السنّية ـ الشيعية، وتبعاً لذلك فإنّ الجيش لو بادرَ آنذاك الى الدخول في معركة في عرسال مع الإرهابيين لكانت هذه المعركة مستمرّة حتى الآن ولم تنتهِ».

ولفتَ المصدر إلى «أنّ الوضع السياسي حسّاس جداً، وأكثر من ذلك، هناك مَن يساهم في العبثِ به قصداً أو من غير قصد، وقد قدّموه نموذجاً سيئاً من خلال تشويه الانتصار الذي حصَل، والبعض ممّن يفترض فيهم ان يحموا هذا الانتصار يتعاطون معه مِثل العميان الذين رُزِقوا بطفل و«مِن كِتر المحلسِة عَموه».

وأبدى المصدر ارتياحَه لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى سلام أمس ووصَفها بأنّها «خطوة موفّقة».

عون

وكان عون قد غَمز من قناة «من يسعى لعرقلة التحقيق» لمعرفة المسؤولين عن مقتل العسكريين، فسألَ في تغريدة عبر حسابِه على «تويتر»: «هل يَعلم من يسعى لعرقلة التحقيق قولاً أو فعلاً أنّه يشجّع على الثأر والانتقام الفردي؟ فاختاروا بين الدولة وعدالة القضاء أو العشيرة وعدالة الثأر».

الحريري وسلام

في غضون ذلك، كانت لافتةً زيارةُ الحريري لسلام وإعلانه من دارته في المصيطبة رفضَه «المزايدات» الحاصلة في شأن قضية العسكريين، معتبراً أنّ «الطريقة التي يتعامل بها البعض تهدف الى إحداث شرخٍ في البلد». وأضاف: «جميعُنا يريد أن يعرف الحقيقة ولكنّ المرفوض هو تسييسُها».

وأشار الى أنّ «هناك خلافات بيننا وبين «حزب الله» لا يمكن إصلاحها، لكنّنا متفقون مع الحزب على أمور عدة، من بينها الحفاظ على الاستقرار والأمن». وقال: «لن نسمح لأحد بإشعال فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة».

أمّا سلام فقال عن التحقيق بقضية العسكريين: «القصّة واضحة، نحن أردنا الحفاظ على لبنان وعلى عرسال».

أمنياً، أكّد مصدر مطّلع على التحقيقات لـ«الجمهورية» أنّ «هناك مجموعة اتّهامات لعلي الحجيري الملقّب «أبو عجينة» أدّت الى توقيفه، منها قديمة وأخرى جديدة، من بينِها خطفُ فتيات روسيّات مقابل فدية مادية وتسليمهنّ لـ»جبهة النصرة» بحسب اعترافات ابن مصطفى الحجيري «أبو طاقية»، إلّا أنّ الملف الأساسي الذي يهمّ الجيش هو ما حصَل في البلدية يوم استُشهد النقيب في الجيش اللبناني بيار بشعلاني والرقيب أوّل ابراهيم زهرمان والذي حصَل قبل الهجوم على عرسال، وعملية توقيف «أبو عجينة» مرتبطة بفتح ملفّ العسكريين، حيث ثبتَ تورّطه في ما حصل من خلال أفلام مصوّرة، إضافةً إلى اعترافات موقوفين من «النصرة» و«داعش» قطعَت الشكّ باليقين وأكّدت علاقته وأولاده بما حصَل في البلدية في ذلك النهار، خصوصاً أنّ زهرمان صُوِّر حيّاً داخل البلدية ليُعلَن استشهاده بعدها».

باسيل وجعجع والجميّل

إلى ذلك، شهد أمس ثلاثَ إطلالات مسيحية: الأولى لـ«التيار الوطني الحر» الذي جالَ رئيسُه الوزير جبران باسيل قبل الظهر في بشرّي عرين «القوات اللبنانية»، حيث افتتح مكتباً لـ«التيار» في المدينة قبل أن يطلّ مساءً في مجمع فؤاد شهاب الرياضي في جونية لتسليم بطاقات لمنتسبين الى «التيار».

والثانية كانت لجعجع في قدّاس «شهداء المقاومة اللبنانية» في معراب، أمّا الثالثة فكانت تلفزيونيةً لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي تحدّث عن مجمل الملفات.

وقال باسيل من بشرّي «إنّ القانون النسبي فعلناه لكلّ لبنان، ليس مسايرةً من أحد، وحتى تربحوا في بشرّي دفعنا الثمن في المتن وجبيل وتنازلنا عن حقّنا ونفكّر في أن تنال الأقلية حصصَها». ولاحقاً قال في جونية إنّ «التيار سيبقى رمزَ الإصلاح ورأسَ الحربة بمحاربة الفساد».

أمّا جعجع فأكّد أنّ «التّفاهُم بين «القُوات» و«التيّار» «ضرورةٌ، وسيبقى»، وقال: «عوَض أن يُعطي تحريرُ الجُرود من الإرهابيين الدّولة قُوّة دفعٍ كبيرةٍ في اتّجاه بسطِ سيادتها وسيطرتها على كلّ تُرابها الوطنيّ نجدُ بعضَ الأطراف مُنزعجاً من الانتصار الكامل الذي أوشك الجيشُ على تحقيقه. وأكّد «أننا مع كُلّ تحقيقٍ يجري، من دون إغفال الفصل الأخير والأهمّ: من عملَ على تهريب «داعش» وتخليصها من قبضة العدالة؟».

واعتبَر أنّ لبنانُ يعيش أزمةً جوهريّةً وبالعُمق على مُستوى وُجود الدّولة والكيان بحُكم ازدواجيّة السّلاح ومُصادرة أيّ حزبٍ من الأحزاب اللبنانيّة قرارَ السّلم والحرب».

أمّا الجميل، فاعتبَر أنّ «مشكلتنا أنّ «حزب الله» فاوَض «داعش» بلا تفويض حكومي رسمي». وقال: «منذ بداية الأحداث السورية وقبل دخول المسلّحين طالبتُ بنشر الجيش على الحدود ومراقبتِها، فهوجمتُ، ولو نفّذنا ما طالبتُ به لكُنّا تجَنّبنا ما حصل في الجرود». وطالبَ بلجنة تحقيق نيابية «لأنّ المشكلة هي في القرار السياسي، والتحقيقُ يمكن ان يشملَ رؤساء ووزراء ومسؤولين كباراً».

مصادر «التيار»

ولدى سؤال «الجمهورية» «التيار الوطني الحر» عن تزامنِ افتتاح مكتب «التيار» في بشرّي وتسليم بطاقات انتساب في جونية مع احتفال معراب بذكرى شهداء «القوات اللبنانية» اكتفَت مصادر» التيار«بالقول : «إنّها مصادفة»، وأشارت الى أنّ الاستعدادات كانت جارية قبلاً، ومكاتب التيار يفتتحُها رئيسُه عادةً». وتساءلت: «هل من الضروري كلّما قام تياران سياسيان بعملٍ ما في الوقت نفسِه أن يكون لذلك معنى محدّد؟».

«حزب الله»

إلى هذه الإطلالات الثلاث، برَز موقفٌ متقدّم لـ«حزب الله، إذ أكّد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ «الرئيس سعد الحريري يتصرّف بعقلانية لحماية الاستقرار وهو متأذٍ من الأصوات التي تثير البَلبلة، ولا يوجد مانعٌ من الحوار الثنائي معه»، معتبراً أنّ «كلّ الظروف متاحة لإجراء الانتخابات في موعدها، وندعو لتوفير الظروف المناسبة لها، ونحن بدأنا مناقشة الدوائر الانتخابية والسيناريوهات المحتملة في هذه الدوائر».

ولفتَ في مقابلة تلفزيونية الى أنّ «موافقة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على مناطق خفضِ التوتّر في سوريا إقرارٌ سعودي بالهزيمة»، لافتاً إلى أنّ مواقف الوزير ثامر السبهان «لا قيمة لها، والسعودية تمرّ في لحظة صعبة جداً وخياراتُها فشلت».

وقال إنّ «حزب الله شريك رئيس في الانتصار الذي حصَل كما الجيش اللبناني»، مشيراً إلى أنّ «حزب الله» والجيش في ألف خير، فالتنسيق بين المقاومة والجيش كان موجوداً بالشكل المطلوب وبما حقّقَ الانتصار في الجرود، ونحن لسنا بديلاً عن الجيش ولا نريد شيئاً من صلاحياته»، مضيفاً: «إنّ قائد الجيش أرسَل إلى السيّد حسن نصر الله بأنّ لدى الجيش نيّة تحرير الجرود، والسيّد ردّ عليه بالقول «إنّنا معكم».

الحريري في موسكو

ويبدأ الحريري اليوم زيارته الرسمية إلى روسيا التي وصَل إليها مساءً على رأس وفدٍ وزاري، وسيُجري محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديميتري مدفيديف ووزير الخارجية سيرغي لافروف، تتناول آخر المستجدات والعلاقات الثنائية.

وتابعَت وسائل الإعلام الروسية باهتمام زيارةَ الحريري، وأكّدت مصادر ديبلوماسية - عسكرية روسية أنّ قائمة أنواع الأسلحة جاهزة، وأنّ الاتفاق بشأنها جرى خلال منتدى «الجيش- 2017»، الذي أقيمَ في شهر آب الماضي.

ونَقلت هذه الوسائل عن مسؤولين روس تأكيدهم أنّ «الأسلحة التي يطلبها لبنان هي بنادق «كلاشينكوف» رشاشة، ورشاشات ثقيلة، وبنادق قنص، ومدافع هاون وقاذفات صاروخية من طراز (آر. بي. جي-7»).