خلال أقل من شهر، ظهر في لبنان أن هنالك جمهورين كبيرين متحركين وفاعلين هما الجمهور الشيعي والجمهور المسيحي. أما الجمهور السني، فهو منقسم بين الرئيس الحريري والرئيس نجيب ميقاتي واللواء أشرف ريفي والفريق الاسلامي المتطرف.
لم يكن أحد يتوقع أن تستطيع حركة أمل والرئيس بري أن يجمعا هذا الجمهور الضخم في ذكرى الامام الصدر المغيب، فقد امتلأت الساحات بشكل لم يسبق له مثيل إلا نادراً في مهرجانات حركة أمل. وصحيح أن أكثرية الجمهور الشيعي الذي اشترك في مهرجان حركة أمل هو من الجنوب، غير ان قسماً كبيراً لا يستهان به جاء من البقاع إلى المهرجان بعدد ضخم من السيارات يفوق الآلاف، وأعاد الرئيس بري إليه وإلى حركة أمل الوجه الكبير في حشد الجماهير الشيعية، ولم يكن أحد يتوقع أن يحصل هذا الحشد الكبير.
بعد أقل من أسبوع، أقام حزب الله مهرجاناً ضخماً في بعلبك حشد فيه عشرات الآلاف، وكانت الاكثرية من البقاع مع مجيء جمهور من الجنوب، لكن الاكثرية كانت من البقاع. وكان الجمهور شيعياً بامتياز وبين جمهور حركة أمل الشيعي وجمهور حزب الله الشيعي حيث حصل مهرجانان من أضخم المهرجانات، مع الاحتفال بانتصار معركة الجرود في عرسال وبيان سماحة السيد حسن نصرالله امتلأ الاسبوعان اللذان مضيا بحركة شيعية ضخمة ظهر فيها الجمهور الشيعي كم هو متحرك وفاعل. وانطلق الجمهور الشيعي من زحلة حتى بعلبك في مهرجان حزب الله، وانطلق الجمهور الشيعي في مهرجان حركة أمل من الجنوب حتى بيروت. وهكذا ظهرت كتلة شيعية ضخمة في لبنان لم تجتمع منذ فترة الامام المغيب موسى الصدر.
 

 

 المهرجانات المسيحية


ما إن انتهت المهرجانات الشيعية حتى ظهرت المهرجانات المسيحية، فجمع الدكتور سمير جعجع في ذكرى شهداء القوات عشرات الآلاف من المحازبين وألقى خطبة عنيفة ذكر فيها بانتصار القوات عند انتخاب العماد عون ضد الوزير سليمان فرنجية. وركز الدكتور جعجع على مبدأ الدولة وعدم ازدواجية السلاح. وبالتالي قال كلاماً باسم جمهور مسيحي ضد جمهور شيعي يمثله حزب الله وحركة أمل. وهنا يظهر الخلاف السياسي العميق بين حزب مسيحي مثل القوات اللبنانية يمثل جمهوراً مسيحياً ضد سياسة جمهور شيعي تمثله حركة أمل وحزب الله.
ثم أقيم مهرجان ثان برئاسة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، ولم يقل كلام الدكتور سمير جعجع، لكنه لم يشر بشيء إلى المقاومة، وظهر كأنه يريد الابتعاد عن هذا الموضوع. لكن من يقرأ خطاب الوزير باسيل، يرى أنه يقود الجمهور المسيحي نحو الدولة فقط، دون مراعاة الجمهور الشيعي من حركة أمل وحزب الله، وبخاصة أن بين العونيين وحزب الله ورقة تفاهم في كنيسة مار مخايل تتحدث عن السياسة الدفاعية، وعن وحدة الدفاع عن لبنان حتى تحريره في شبعا وكفرشوبا بواسطة الجيش والمقاومة. لكن الوزير باسيل ابتعد عن هذا الموضوع، وكان خطابه مسيحياً بامتياز. وكان خطابه أيضاً باتجاه الدولة اللبنانية الواحدة، دون الاشارة إلى انتصارات المقاومة في جرود عرسال. ويمكن اعتبار خطاب الوزير باسيل خطاباً مسيحياً مثل خطاب القوات، ولكن بلهجة أخرى. وهكذا يكون قد ظهر جمهوران على خلاف عميق بالنسبة لسلاح المقاومة وبالنسبة للمقاومة بحد ذاتها وبالنسبة للنظام في سوريا.
فالوزير جبران باسيل، وهو وزير خارجية لبنان، رفض حتى الآن أن يقوم بزيارة سوريا وهو وزير خارجية لبنان. ومفروض فيه أن يرتب لقاء بينه وبين وزير خارجية سوريا الاستاذ وليد المعلم، سواء على الاراضي اللبنانية أم على الاراضي السورية أم على الحدود. لكن الوزير باسيل اعتمد سياسة 14 آذار في سياسته مع النظام السوري بعدم التعاطي مع نظام الرئيس بشار الاسد، وإن كان الوزير باسيل اتخذ مواقف لا تناسب السعودية في مؤتمرات عربية وتناسب الموقف السوري.
 

 جنبلاط وحركة حزبه

 
أما الوزير وليد جنبلاط، فقد قرر القيام بحركة جذرية على مستوى الحزب التقدمي الاشتراكي وقيادة الطائفة الدرزية. واتخذ قراراً نهائياً بتسليم نجله تيمور قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي. وأعلن أنه سيقوم بتغيير 70% من مسؤولي الحزب والوزراء والنواب تمشياً مع سياسة جديدة تلاقي سياسة نجله تيمور. فمعروف عن السيد تيمور وليد جنبلاط أنه معتدل يحافظ على الطائفة الدرزية، لكنه غير متطرف بل معتدل ومنفتح على الجميع ولا يدلي بتصريحات عنيفة. ولذلك فهو بحاجة إلى فريق جديد قرر الوزير وليد جنبلاط تحضير له هذا الفريق ليرافقه في سياسة للحزب التقدمي الاشتراكي تتناسب مع الخلاف بين الجمهور الشيعي والجمهور المسيحي، وفي الوقت نفسه يظل بعيداً عن النظام السوري، وعلى علاقة ودية مع السعودية، دون أن يغرق في هذه السياسة.
وسيكون للسيد تيمور جنبلاط دور هام في السياسة اللبنانية، لأن الكتلة النيابية التي سيرأسها ويأتي بها إلى المجلس النيابي، ستكون كتلة وازنة وكبيرة وترجح الكفة في الصراع النيابي والوزاري وفي الخلافات الاساسية. وعند اللزوم، سيقف تيمور وليد جنبلاط على الحياد، ولن يشترك في النزاع الحاصل بين المذاهب الكبرى الشيعية والمسيحية.
 

 الوضع السني


عندما عاد الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة كان ضعيفاً شعبياً، وكانت أحواله المادية سيئة جداً. لذلك، وقف ضد الانتخابات النيابية وعمل على تأجيلها حتى نيسان 2018، لأنه لو جرت الانتخابات وقتذاك، لكان خسر الرئيس الحريري الكثير من نوابه، وظهر أن تيار المستقبل قد أصبح ضعيفاً جداً. لذلك وضع كل جهده في التنسيق مع الرئيس بري والوزير جنبلاط لتأجيل الانتخابات حتى نيسان 2018، ونجح في ذلك. وبدأ الرئيس الحريري بتحسين وضعه تدريجياً. وكانت هنالك حاجة كبرى لتوظيف مسؤولين وموظفين من الطائفة السنية، فعمل على ملء المراكز بقسم كبير جداً من الطائفة السنية الموالية لتيار المستقبل، سواء من طرابلس حتى صيدا وبخاصة في بيروت وحتى البقاع الاوسط، وصولا الى عنجر وبرالياس. وهكذا استطاع الرئيس الحريري تحسين أوضاعه الشعبية بنسبة 20 %. ثم قام بتسوية مالية بشأن شركته في اوجيه سعودي في المملكة العربية السعودية، مما أراحه مالياً واستفاد مصرفياً لتحسين السيولة بين يديه. وإذا كان الرئيس الحريري قد وضع كخصم له اللواء أشرف ريفي، فقد ظهر أن الرئيس نجيب ميقاتي هو من أقوى الشخصيات والرؤساء السنة المعتدلين والصالحين لرئاسة الحكومة في المرحلة القادمة. واستطاع الرئيس ميقاتي، عبر تيار العزم وعبر المساعدات المالية في طرابلس، أن يصبح قوياً جداً في عاصمة الشمال. وهو أقوى من الرئيس الحريري في طرابلس ومحيطها، وسوف تنتصر لائحة الرئيس نجيب ميقاتي على لائحة تيار المستقبل في طرابلس انتخابيا. وحتى الآن لم تتدخل المملكة العربية السعودية في إيجاد خط وصل وتلاق بين الرئيس الحريري والرئيس ميقاتي، علماً أن جمهور الرئيس ميقاتي لا يقبل كلياً التحالف مع تيار المستقبل.
وفي المقابل، هنالك حزب الله الذي يصر على دعم فيصل عمر كرامي، ويريده نائباً في طرابلس. ويصر حزب الله على دعم أسامة سعد في صيدا كي يكون لحزب الله نائبان سنيان حليفان له. وهذا يعطي حزب الله نكهة هامة من خلال وجود نواب من الطائفة السنية حلفاء له. كما أنه يدعم النائب السابق عبدالرحيم مراد في البقاع ويعمل على إيصاله الى النيابة.
لكن في مجمل الاوضاع، فإن الطائفة السنية منقسمة على نفسها، والمملكة العربية السعودية لم تتدخل حتى الآن. وإذا تدخلت، قد لا تنجح في إقناع الاطراف بالتحالف بين بعضها بعضاً، إلا إذا دفعت حوالى 300 مليون دولار وأكثر، كما دفعت في آخر انتخابات نيابية حوالى 800 مليون دولار.
بالخلاصة يمكن القول ان هنالك جمهورين كبيرين فاعلين الجمهور الشيعي والجمهور المسيحي. والجمهور السني منقسم على نفسه، والجمهور الدرزي تقريباً على الحياد، ويقوم بترتيب أوضاعه. وهكذا نقترب من الانتخابات النيابية بهذه الصورة السياسية، ولا أحد يعرف ماذا ستكون نتيجة النسبية في الانتخابات النيابية. لكن من المؤكد أنها ستعيد حوالى 20 نائباً سقطوا في الدورة الاخيرة في الانتخابات، وتعيدهم بنسبة 10% إلى المجلس النيابي، لكن لن يحصل تغيير جذري وحقيقي في مجلس النواب بل سيبقى على حاله.