إن الكثير من الشيعة "الإمامية" المعاصرين يعتبرون أن ما يميزهم عن غيرهم هو "الولاء لأهل البيت" أو "الأئمة الاثني عشر". وذلك بناء على التراث الإمامي الذي يصور "الولاية" كأصل من أصول الدين، وأهم ركن من أركانه بعد التوحيد والنبوة والمعاد. وبالرغم من أن هذا موضوع نظري تاريخي ولا يتعلق بموقف سياسي من أئمة معاصرين، إلا انه يشكل آخر ما بقي من نقاط خلاف بين "الشيعة الإمامية" وغيرهم من المسلمين. ولذلك يجدر بنا التوقف عند ذلك التراث ونقد وتحليل تلك الروايات الواردة عن الباقر والصادق في موضوع الولاية، والتأكد مما إذا كانت حقا من أقوالهما أو من صنع الغلاة الذين كانوا يدورون حولهما.
لقد ذكر "الإمامية" أحاديث كثيرة عن الباقر والصادق حول موضوع "الولاية" و"الإمامة الإلهية". ولكن يجب أن نطبق قواعد الشك المنهجي عليها جميعا، وذلك:
#أولاً: لأن الطريق إليها ضعيف وهي أخبار آحاد. ولا يمكن أن نطلق عليها صفة "التواتر" لوجود الشك الكبير بصحتها.الولاية، الآ
#ثانيا: إن الكثير من تلك الروايات ينضح بالقول بتحريف القرآن، ويدعي سقوط كلمات وجمل من بعض الآيات، وهذا يكفي دليلا على سقوط تلك الروايات.
#ثالثا: إن الكثير من تلك الروايات يعتمد التأويل التعسفي للقرآن بلا دليل.
#رابعا: إن تلك الروايات لا تشكل أية حجة، حتى إن ثبت صدورها عن (الباقر والصادق) لحصول الدور الباطل، حيث أنها تحاول إثبات مكانة خاصة للأئمة، وتوجب التسليم بهم، قبل أن تتحقق تلك المكانة التي توجب القبول منهم.
#خامسا: لوجود الشك بالأحاديث الواردة عن طريقهم والمنسوبة إلى النبي (ص) ، سواء بالنسبة لسند تلك الروايات، وعدم ورودها عن النبي عن طريق مستقل ثابت، وعدم الاعتراف بصحة وشرعية كل ما ينسب إلى النبي دون سند، مما يوجب التوقف فيها وعدم قبولها منهم، ولاحتمال اختلاقها من قبل الإمامية لتأكيد المذهب ووجود المصلحة السياسية فيها، وهذا أمر لا يتعلق بالباقر والصادق، وإنما بكل رجل ينسب حديثا مرسلا للنبي دون سند رغم وجود فاصلة بعشرات السنين بينه وبين النبي، فإذا جاء – مثلا - رجل حنفي وروى أحاديث عن رسول الله تمدح الإمام أبا حنيفة، أو جاء رجل مالكي أو حنبلي أو شافعي وروى كل واحد منهم ما يدعم مذهبه ويمدح إمامه، فإننا نشك بحديثه ونتهمه بالوضع، خصوصا إذا كان يروي الحديث عن إمام مذهبه الممدوح، وهكذا إذا جاء شيعي وروى عن إمامه عن رسول الله بما يدعم مذهبه ويمدح إمامه فإننا نشك بحديثه ونرفضه. ولا نريد أن نتهم الإمام الباقر أو الصادق بالكذب والعياذ بالله، ولكننا نتهم الرواة عنهم في أجواء الصراع المذهبي ومحاولة كل فريق دعم إمامه ومذهبه. ونقول : إنه لا يمكن التصديق بالأحاديث التي تؤسس لنظرية "الولاية" لمجرد ورودها عن الأئمة، بل لا بد من بنائها على أساس القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية التي لا يشك بها أحد من المسلمين.
#سادسا: إن الكثير من تلك الروايات يتعارض مع القرآن الكريم الذي لا يجعل الولاية لأهل البيت شرطا من شروط الإيمان بالله تعالى. على العكس من الحديث المروي عن الباقر عن رسول الله (ص) أنه قال: من أحب أن يحيى حياة تشبه حياة الأنبياء، ويموت ميتة تشبه ميتة الشهداء، ويسكن الجنان التي غرسها الرحمن؛ فليتولَّ عليا وليوالِ وليَه وليقتد بالأئمة من بعده، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي.. وويل للمخالفين لهم من أمتي، اللهم لا تنلهم شفاعتي". والأحاديث المشابهة له. وكحديث أبي حمزة الثمالي عن الباقر الذي يتحدث عن رسول الله (ص): عن الله تبارك وتعالى: أنه يقرن طاعة النبي بطاعة الأئمة، ومعصيته بمعصيتهم، ولو صح هذا الحديث لأنزل الله فيه قرآنا، وهو ما لم يحصل.
#سابعا: إن الكثير من تلك الروايات يتناقض مع التاريخ الإسلامي والشيعي، كالحديث الذي يقول بأن جبرئيل قد نزل على الرسول بأسماء الأئمة وأسماء آبائهم وأحبائهم والمسلِّمين لفضلهم. وهذا ما ليس له أثر في كل تاريخ أهل البيت الذين لم يكونوا يعرفون الأئمة منهم بوضوح ، فضلا عن معرفة أسماء أحبائهم والمسلِّمين لفضلهم.
#ثامنا: وصول نظرية الإمامة إلى طريق مسدود، واصطدامها بالواقع، وانهيارها وانقراضها.
لقد كانت نظرية "الإمامة الدينية العلمية والسياسية لأهل البيت" نظرية حادثة في القرن الثاني الهجري، وقد صعب على الشيعة قبل غيرهم هضمها وقبولها، كما تعترف الروايات التي تتحدث عن "صعوبة حديث آل محمد" واشمئزاز الشيعة منه.
ونحن نميل إلى اختلاق بعض أصحاب الأئمة لنظرية "الإمامة" ومحاولة تمريرها باسمهم، ثم تأليف أحاديث على لسان الباقر والصادق، على لسان رسول الله (ص) بصعوبة حديث آل محمد، وإجبار الشيعة على التسليم لتلك النظرية وقبولها. ونبني شكنا بتلك الأحاديث على عدة أمور، منها: أنها مرسلة من قبل الباقر والصادق إلى رسول الله بدون سند، ولأنها شاذة وتخالف روح القرآن والإسلام، فما هو حديث آل محمد المفترض؟ ولماذا هو صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان؟ مع إن الإسلام ميسَّر واضح لا أسرار فيه، وهل يعقل أن يكون حديث آل محمد مرفوضا من الملائكة غير المقربين أو الأنبياء غير المرسلين أو عباد الله العاديين؟ ومتى كان رسول الله يتحدث بحديث تشمئز منه القلوب وتنكره العقول؟ ولماذا يعتبر رد الأحاديث الضعيفة غير المعقولة والصعبة والشاذة كفراً ؟
الاستاذ أحمد الكاتب