كان لافتاً صمت حزب الله ازاء تغريدة الوزير السعودي ثامر السبهان. احدثت التغريدة خضّة كبيرة في الساحة السياسية المحلية، فيما الحزب لم يشأ الرّد أو التعليق. ويظهر من خلال ذلك أن المملكة تريد اتخاذ خطوات جديدة في لبنان، فيما الحزب يفضّل الالتزام بالصمت لاقتناعه بأن كل المواقف السعودية لن تؤدي إلى أي تغيير أو تفرض وقائع جديدة. عاد السبهان وغرّد من جديد: "الارهاب والتطرف في العالم منبعه إيران وابنها البكر حزب الشيطان، وكما تعامل العالم مع داعش، لا بد من التعامل مع منابعه، شعوبنا بحاجة إلى السلام والأمن". للتغريدات رسائل لا بد من أن تصل، بالنسبة إلى السعوديين. وإذا كانت التغريدة الأولى اعتراها التباس بشأن الجهة المقصودة بها، فإن الثانية تأتي أكثر تصويباً، وهي اتهام إيران بالارهاب ودعوة المجتمع الدولي إلى معاملتها كما جرت معاملة تنظيم داعش.
سعودياً، يعني هذا الكلام أنه تمهيد لمرحلة تصعيد جديدة، ووضع الأمور في نصابها. وهي تأكيد أن عودة السعودية إلى لبنان ستكون قوية. بالتالي، لا بد من مواكبتها سياسياً وعملانياً على الصعيد الداخلي. وهذا ما يفعله بعض افرقاء قوى 14 آذار، من مستقلين وحزبيين. لكن السؤال الأساسي يبقى مرتكزاً على كيفية ترجمة هذا التصعيد وسياقه السياسي. اما على ضفّة حزب الله، فهو يعتبر أنه لا يريد التعليق على هذا الكلام، لأنه يعلم بأن لا تأثير فعلياً لهذا الكلام على الداخل، ولن تكون له أي ارتدادات لبنانية، لأن الواقع ثابت ولا أحد قادراً على تغيير الستاتيكو الموجود.
يعتبر حزب الله أن المواقف السعودية تشي ببعض افتقاد الرؤية السياسية الخارجية الواضحة لدى المملكة، وهي انعكاس لانتصار محور على المحور الآخر في الاقليم منذ معركة حلب، إلى معارك الجرود وما يجري في البادية السورية ودير الزور، حيث يتم تثبيت وقائع جديدة، لن يكون هناك امكانية لتغييرها. ويؤكد حزب الله أن الحكومة باقية ومستمرة، وأكثر الحريصين عليها هو الرئيس سعد الحريري. وبذلك يرد الحزب على الكلام إن الضغط السعودي قد يؤدي إلى استقالة الحكومة، مستبعداً ذلك، ويقول: "حين جاء الحريري إلى ميشال عون لانتخابه، كان الأساس في ذلك أنه يأتي إلى حزب الله لإبرام صفقة معه. وكان يقول للحزب إنه مستعد لتقديم التنازلات لمصلحته مقابل عودته إلى رئاسة الحكومة. وأكثر من ذلك، فإن الحزب واثق من بقاء الحكومة، لأن فترة السنوات الخمس التي امضاها الحريري خارج السلطة، انعكست تدهوراً على تياره ووضعه السياسي، وهو غير مستعد لذلك على أبواب الانتخابات النيابية.
ويؤكد الحزب أن حقيقة الوقائع تختلف جذرياً عن المواقف المعلنة، سواء أكان على الصعيد السياسي التصعيدي، أو في ما يخص التطبيع مع النظام السوري وعودة اللاجئين. وتكشف مصادر متابعة أن هناك كثيراً من الاتصالات التي يجريها معارضون للنظام السوري، بحلفاء النظام من لبنانيين وغير لبنانيين للحصول على حصص في إعادة الاعمار. وهذه المعلومات اصبحت مؤكدة، وحتى معارضة الحريري لإعادة اللاجئين في ظل بقاء الأسد يعتبرها الحزب غير جدية، لأنها تندرج في اطار المواقف الإعلامية الموجهة إلى جمهوره، لأن في سوريا مساراً لا أحد قادراً على تغييره. وهو أن الجميع سلّم الملف السوري لروسيا، بما فيهم واشنطن. بالتالي، فإن الحل السوري سيكون وفقاً للرؤية الروسية. وهذا ما سيفتح باباً جديداً أمامه في الجولة المقبلة من مؤتمر آستانة.
يبدو حزب الله مرتاحاً لطريقة أداء الحريري السياسية. ولدى سؤال المصادر عن عدم استطاعة الحريري تحقيق ما تريده السعودية من توازن سياسي في لبنان، بسبب التنازلات التي يقدمها، تشير إلى أن هذا بحث آخر، ولكن الحريري غير قادر على فعل أكثر مما يفعله. وهذا ما سيتكرس خلال زيارته الى موسكو. ولولا أنه رئيس للحكومة، لما زار والتقى رؤساء اميركا وفرنسا وروسيا وغيرها. بالتالي، هو غير قادر على التخلّي عن موقعه، وهو يريد الحفاظ عليه. أما في شأن التنازلات، فيعتبر الحزب أنها مسار سياسي عام، مع التغيرات التي تحصل في المنطقة، وحين توافق السعودية تحييد الأسد عن النقاش والموافقة الضمنية على بقائه، فهذا يندرج أيضاً في اطار التنازلات. بالتالي، ليس بإمكانها محاسبة الحريري على ما يقوم به.
ولكن، في مقابل هذا التفاؤل الحاسم بالنصر لدى حزب الله، هناك اجواء أخرى لدى الطرف المقابل، إذ يراهن المعارضون لحزب الله على متغيرات كبرى، تؤدي إلى تحجيم نفوذ إيران والحزب في سوريا ولبنان، ربطاً بتغريدات السبهان وبالسياسة السعودية، وينتظر هؤلاء صدور قانون العقوبات الاميركي ضد حزب الله، والذي قد يستتبع باجراءات خليجية، وقد يؤثر ذلك على الوضع الاقتصادي في لبنان. وهذا ما سيؤدي إلى تغيير الوضع، خصوصاً في ضوء كلام عن احتمال إدراج الاوروبيين حزب الله في لائحة الارهاب بناء على ضغوط خليجية واميركية، إلا أن الحزب يستبعد ذلك، استناداً إلى رفض الاوروبيين إدخال تعديلات على مهمات قوات اليونفيل في الجنوب. بالتالي، فإن الحزب يختصر الوضع القائم بأن المواقف في مكان، والمسارات العملانية في مكان آخر.