اعتبرت مصادر سياسية عراقية مطلعة التكتيك الذي تبناه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الربط بين طرد داعش من تلعفر وصفقة حزب الله مع التنظيم في سوريا مؤخرا، أنه بمثابة ورقة ضغط على إيران وأذرعها المنتشرة داخل بلاده والمنطقة.
وتسببت “صفقة الجرود”، التي أبرمها حزب الله مع داعش في حرج بالغ لحلفاء طهران في العراق حيث وصفت بأنها “خيانة للشراكة داخل محور المقاومة” الذي تموله إيران ويضم فضلا عن حزب الله فصائل عراقية مسلحة.
وتقول المصادر إن الصفقة المثيرة للجدل سمحت لأطراف عراقية مهمة بالتعبير عن مواقفها الناقدة لاستغلال الأحزاب الشيعية المتطرفة الشبان العراقيين في مخطط يستهدف تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.
وأشارت إلى أن الحملة العراقية المناهضة، في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لنقل داعش من الحدود اللبنانية الشرقية إلى الحدود العراقية مع سوريا، أزالت القداسة عن حزب الله وحلفائه العراقيين وحولتهم من مجاهدين مقدسين إلى متهمين بصفقات مشبوهة.
وبموجب الصفقة، تحرك المئات من عناصر داعش مع عوائلهم، من مناطق على الحدود بين سوريا ولبنان نحو مناطق على الحدود السورية العراقية.
ورغم أن القافلة التي تقل هؤلاء لم تصل إلى وجهتها حتى الآن بعدما اتخذ التحالف الدولي قرارا بمنعها من بلوغ الحدود العراقية، فإنها ما زالت تثير عاصفة من الجدل في بغداد.
وكان زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، المعروف بقربه الشديد من إيران، من بين أول المتطوعين للدفاع عن الصفقة، مقارنا بينها وبين معركة تحرير تلعفر، التي قال إنها انتهت بصفقة وليس عبر قتال، ما أغضب القيادات العسكرية ورئيس الوزراء العراقي.
وحاول المالكي، تدارك عاصفة الانتقادات التي صنعها بنفسه، وعاد ليؤكد في اليوم التالي، إن معركة تلعفر أديرت بذكاء كبير.
واستطرد يقول لقد “منع قائدُها الميداني عناصر داعش من أن يمتلكوا شجاعة اليأس، فلم يحاصرهم من جميع الجهات، بل فتح لهم ثغرة ليهربوا منها، فتتمكن القوات العراقية من قتلهم أو أسرهم لاحقا”.
ولكن عودة المالكي لم تكن كافية لتهدئة الأجواء الغاضبة من حوله، إذ كرر رئيس الوزراء التعريض بتصريحاته مرتين آخرها قوله إن “تلك التصريحات جاءت من بعض المصدومين بالانتصارات”.
وأشار إلى أن “تلعفر والموصل وغيرهما تحررت بدماء وتضحيات المقاتلين ولم نتفاوض مع الارهابيين”، في إشارة إلى صفقة حزب الله مع داعش.
ولم تكن تصريحات العبادي هي الصدمة الوحيدة لـ”محور المقاومة”، إذ سبقتها بيوم واحد، تصريحات أدلى بها القيادي البارز في الحشد الشعبي، هادي العامري، معترضا على صفقة حزب الله.
وقال العامري، وهو زعيم منظمة بدر، المقربة من إيران، “لقد اعترضنا على الصفقة التي تم إبرامها”، لافتا إلى أن العراق لا علم له بمضمون الاتفاق المبرم بين حزب الله وداعش.
وأوضح أن “اتفاق نقل مسلحي داعش وأسرهم من مكان إلى مكان داخل الأراضي السورية شأن سوري لا نتدخل فيه، ونحن اعترضنا على ما نسمعه في الأخبار بأنه سيتم نقلهم إلى منطقة البوكمال (المحاذية للحدود العراقية).. اعترضنا ولن نقبل بهذا الشيء”.
وتقول المصادر إن التطور الثالث الذي جاء ليغرق حلفاء إيران في حرج بالغ، فهو الاعتداء الذي تعرض له رجل دين عراقي، أصدر بيانا ضد صفقة حزب الله وداعش.
ونجا المرجع الديني الشيعي العراقي الشيخ فاضل البديري من محاولة اغتيال بعد أن رمى مجهولون ثلاث قنابل على مكتبه، مما عرضه لجروح دفعت لنقله إلى المستشفى.
وعلق البديري عقب الحادثة بالقول إنه “تعرض لمحاولة اغتيال من قبل الطابور الخامس الذي يستثمر أي فجوة تحصل هنا وهناك”.
وأضاف “أرادوا أن يصنعوا مشكلة بسبب البيان الأخير الذي انتقدت فيه تواجد داعش على الأراضي العراقية”، موضحا أنه “أحسن الظن بمن انتقدهم في البيان ولم يتهمهم بل اتهم من يتصيد في الماء العكر”.
وقالت وسائل إعلام محلية إن “الشيخ البديري نجا من محاولة اغتيال بعد 72 ساعة من نشره لبيان أدان فيه اتفاق حزب الله وداعش حيث نقل على إثر محاولة الاغتيال إلى مستشفى الإمام علي في مدينة النجف”.
وكان المرجع الشيعي، قد دعا العراقيين إلى شجب الصفقة التي أبرمها حزب الله مع داعش، مطالبا في الوقت ذاته حكومة العبادي بإدانة الصفقة وحشد الجيش لمواجهة التطرف والتشدد.
وحث البديري “العراقيين على مراجعة مواقفهم وخطاباتهم الحماسية التي رحبت بالصفقة التي أبرمها حزب الله مع تنظيم داعش على حساب الأمن العراقي”، وفق بيان نشر على موقعه الرسمي.
وبالرغم من محاولة أنصار حلفاء إيران، الدفاع عن حزب الله، إلا أن موجة الانتقادات مستمرة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية على حد سواء حتى الآن.
ويقول مراقبون إن “صفقة الجرود” وتداعياتها في العراق، عززت فرضية تبلور محور شيعي عروبي معتدل يواجه نفوذ الأحزاب الشيعية المتشددة الموالية لطهران.
ولعب أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في العراق، دورا كبيرا في تشكيل رأي عام عراقي مناهض لصفقة حزب الله والمدافعين عنها.