القصف الإسرائيلي للموقع السوري بالقرب من ريف حماة، ليس عملية منقطعة عن الأحداث، ولا يتيمة في آثارها ومفاعيلها. انتهت الغارة ودمّر الهدف. إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها، ودمشق أكدت كما العادة أنها «ستردّ في الوقت والمكان المناسبين». الثابت أن الردّ السوري، لن يتجاوز الحبر المهدور على التهديد المعزول.
قبل عشر سنوات، قصفت إسرائيل موقعاً سورياً سرياً في دير الزور ودمّرته. لم تعترف إسرائيل رسمياً بالغارة، لكن كل المعلومات التي توافرت ونُشرت أكدت أن الغارة استهدفت مفاعلاً نووياً كان قيد البناء.
كانت سوريا تملك كل أسلحة الرد، وكان القرار السوري ممسوكاً وأحادياً، لكن النظام برئاسة بشار الأسد كما هو الآن، اكتفى بأنّه سيرد في المكان والتوقيت المناسبَين.. ولم يأتِ ذلك التوقيت حتى اليوم، وأصبح المفاعل النووي ومعه كل المشروع النووي في خبر كان.
قيل وقتها أيضاً: «إن إيران كانت شريكة فاعلة في بناء المفاعل»، والتزمت الصمت وإن كانت تابعت مشروعها النووي بقوة وتصميم حتى نجحت في تشريعه بالاتفاق النووي مع «دول الخمسة زائد واحد».
الغارة بحد ذاتها مهمة وخطيرة، فهي استهدفت مركزاً كما يقول بادلين مدير معهد دراسات الأمن القومي:
* تطوير صواريخ دقيقة.
* إنتاج سلاح كيميائي.
* إنتاج وتطوير سلاح البراميل المتفجرة.
ما يضفي على الغارة أهمية إضافية، توقيتها الذي يمنحها بعداً خطيراً. الغارة وقعت في وقت تخوض فيه إسرائيل أكبر مناورة عسكرية قامت بها منذ 18 سنة، وتتمحور المناورة الضخمة حول خوض حرب ضد «حزب الله» في جنوب لبنان، وأيضاً في جنوب سوريا. هدف المناورة كما أعلن أحد قادتها العسكريين: «إخضاع العدو.. أي استئصال قدراته». المقصود بالعدو «حزب الله». الجيش الإسرائيلي كما يقول قادته اليوم يريد الخروج من تسميته الإسرائيلية «جيش الاحتواء»، لأن في حربيه ضد الجنوب اللبناني وغزة «احتوى» ولم «يستأصل». لذلك فإن «بنك الأهداف» الموضوع حالياً والذي يتطور مع الوقت، إلى جانب قوة النار الضخمة التي يتم تحضيرها يهدفان إلى تحقيق الدمار الذي تحقق في لبنان عام 2006 خلال أسابيع من القصف، في خلال أيام معدودة، ليتم بعد ذلك استكماله في الأيام الباقية بمزيد من الدمار الشامل.
سبيل إسرائيل إلى هذه الحرب والعمليات التي كشف عنها قائد الطيران الإسرائيلي السابق الجنرال أمير ايشل والتي قال إنها تقع في خانة الأصفار الثلاثة، منها ما هو صغير ومنها هو ضخم وحساس؛ الردّ على:
* «تجاهل الدول الكبرى للخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل» (في إشارة إلى فشل زيارة نتنياهو السادسة إلى موسكو).
* «رفض إسرائيل إنتاج سلاح استراتيجي».
* «وجود دفاع روسي لا يمنع العمليات العسكرية في سوريا ضد السوريين».
كل هذا «الاستعراض الإسرائيلي» الذي يحوّل الحرب إلى ما يشبه «لعبة فيديو»، لا يقطع صلة الجنرالات الإسرائيليين عن الواقع فهم يدركون:
* أن الحرب القادمة ستكون على جبهتين اللبنانية والسورية، خصوصاً أن إيران تمسك بالقرار العسكري في الجنوب السوري، وإذا كانت مع «حزب الله» تحترم حالياً الشريط الحدودي الذي فرضته موسكو بالاتفاق مع إسرائيل بعمق أربعين كلم، فإن الحرب تلغيه. إلى جانب ذلك أن الأسد ليس لديه ما يخسره، بل يمكنه أن يربح من الظهور بمظهر الرئيس السوري المحارب. ما يساعد على تنفيذ ذلك أن «حزب الله»، لديه حالياً في سوريا حوالى سبعة آلاف مقاتل يمكن بسرعة حشدهم وتحريكهم إلى الجبهة في مواجهة إسرائيل.
* أن «حزب الله» قادر على إطلاق 1200 صاروخ في اليوم من جنوب لبنان. وإن هذه الصواريخ تزداد دقة خصوصاً أنه يتم تطويرها واختبارها حالياً في اليمن.
* وقوع اجتياحات بريّة من قوات «حزب الله» نحو بلدات شمال إسرائيل، مما سيربك الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعيداً عن حجم العمليات ومدتها.
* أن «الحزب» يملك حالياً القدرة على القيام بعمليات عسكرية بحرية إلى جانب شن هجمات مؤذية بطائرات مسيرة تحمل السلاح.
رغم كل هذه السيناريوات والسيناريوات المضادّة، فإن قادة عسكريين إسرائيليين شددوا على أن «وجهة إسرائيل ليست الحرب». وما هذا الموقف الذي فيه الكثير من الواقعية سوى لأنّ جزءاً أساسياً من أهداف إسرائيل تحققها الحرب في سوريا، حيث «المستنقع السوري» يستنزف القوى تحت أنظارها، وهي قادرة في كل وقت على قنص أي هدف يحقق هدفاً من استراتجيتها... فلماذا «الحرب الاستئصالية»؟