ودَّع لبنانُ في مأتمٍ رسميّ وشعبي مهيب، الشهداءَ العسكريين الذين سقطوا على يد «داعش»، واحتضَن الترابُ اللبنانيّ الجثامين في جوّ من الحداد امتدّ على مساحة الوطن. ولا يعني هذا الوداع طيَّ هذه الصفحة السوداء من كتاب الإرهابيين وما اقترَفوه بحقّ لبنان وجيشِه وأبنائه، بل ترَك بابَ هذه القضية مفتوحاً على مصراعيه وصولاً حتى الاقتصاص من الجُناة. على أنّ العلامة النافرة التي رافقَت التشييعَ الوطنيّ للشهداء العسكريين، هي إصرارُ أهلِ السياسة على إدخال هذه القضية الوطنية إلى حلبة السجال السياسي وتقاذُف المسؤوليات، والذي لا يؤتى منه سوى إعادة ضخّ مناخِ التوتير فى الأجواء الداخلية، في وقتٍ وضَعت الأجهزة العسكرية والأمنية الوضعَ الداخلي في عين الرصدِ الحثيث لتضييقِ الخناق على الخلايا الإرهابية النائمة وضربِها وشلِّ حركتِها، تحسّباً لأيّ خطوات غادرة يمكن أن تلجأ إليها في الداخل اللبناني.
أعطى اجتماع مجلس الدفاع الأعلى الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، إشارةً إلى أنّ قضية العسكريين تحتلّ رأسَ قائمة الأولويات لدى أركان الدولة، مع التأكيد على المضيّ في التحقيق لجلاءِ ملابساتِ ما حصَل في 2 آب 2014، وهو ما أكّد عليه عون، موضحاً أنّ التحقيق الذي طلب إجراءَه في أحداث عرسال وجرودِها في 2 آب وما تلاها هدفُه وضعُ حدّ لِما يَصدر من مواقف واجتهادات وتحليلات.
وجاء تأكيد عون على التحقيق، بعد كلمته خلال المأتم الرسمي الذي أقيمَ للعسكريين في مقرّ قيادة الجيش في اليرزة، والتي غَمز فيها من قناة بعض مسؤولي تلك المرحلة من دون أن يسمّيهم، حيث قال: «دماء الشهداء أمانة في أعناقنا حتى تحقيقِ الأهداف التي استشهدوا من أجلها وجلاءِ كلّ الحقائق، وهؤلاء الشهداء العسكريون الذين خطِفوا وقتِلوا على يد التنظيمات الإرهابية، وَقفوا في العام 2014، على خطوط الدفاع عن لبنان غيرَ آبهين بما ظلّلَ تلك المرحلة من غموض في مواقف المسؤولين، سبَّبت جراحاً في جسمِ الوطن».
واستتبَع كلامُ رئيس الجمهورية ردّاً من رئيس الحكومة السابق تمام سلام الذي قال إنّه يضمّ صوته إلى صوت رئيس الجمهورية لضرورةِ جلاءِ كلّ الحقائق، مؤكّداً على فتحِ التحقيق على مصراعيه ورفعِ السرّية عن محاضر جلسات مجلس الوزراء، ليتسنّى للّبنانيين، وفي مقدّمتهم عائلات الشهداء، الاطّلاعُ عليها، حتى لا تصيرَ أضاليلُ اليوم كأنّها حقائقُ الأمس».
أبحاث مجلس الدفاع
وعَلمت «الجمهورية» مِن مصادر المجتمعين أنّ اجتماع مجلس الدفاع الأعلى تناوَل بالتفصيل كلَّ الأمور والتفاصيل المرتبطة بالوضع الأمني إلى جانب قضية العسكريين.
وتَقرّر أن يتمركز الجيش اللبناني في المساحة الجردية التي تمّ تحريرها، من عرسال إلى القاع وتقدّر بـ٣٠٠ كلم مربّع، وهي أراضٍ صعبة جغرافيّاً، وتحتاج الى تجهيزات عالية تَحمي العسكر، منها أبراجُ المراقبة المتطوّرة، خصوصاً وأنّ الظروف المناخية لهذه الجرود قاسية، وتُرِك لقيادة الجيش تقديرُ عديد القوى المسلّحة التي تحتاجها للانتشار في هذه المنطقة، علماً أنّها تحتاج إلى ما يزيد عن١٠٠٠ عنصر.
وتقرّر أن تعمل قيادة الجيش على رفعِ مقترحاتٍ لمكافأة الوحدات التي خاضَت معركة الجرود، إمّا عبر ترفيعٍ أو تنويهٍ أو منحِ رتبٍ استثنائية وأوسمةٍ أو جوائز مالية. وكذلك أن يَرفع قائد الجيش تقريراً شاملاً عن متطلبات ومستلزمات المنشآت لتجهيز المواقع، وخصوصاً فوج الحدود البرّية التي ستَعمل على ضبطِ التهريب بعدما أصبحت الحدود ممسوكة.
وفي السياق ذاته، أشار وزير العدل الى انطلاق مسار التحقيق، وأنّ القضاء العسكري طلبَ من مخابرات الجيش البدءَ بالتعقّبات والتحقيقات لتكوين ملفّ على أساسه تبدأ الاستدعاءات، وأصبح بحوزة القضاء العسكري العديدُ من الأدلّة والفيديوهات والاعترافات التي على أساسها ستبدأ الملاحقة القضائية. وأبلغَ وزير العدل المجلسَ الأعلى للدفاع أنّ التحقيق سيَعتمد العناصر الجرمية لا الاتّهامات السياسية.
وتطرّقَ البحث إلى الوضع الأمني في البقاع، وخصوصاً وجوبُ استدارة القوى العسكري والأمنية إلى ضبطِ الأرض بعدما انشَغلت في السنوات الماضية بمنعِ التسلّل وصدّ الهجمات الارهابية الآتية من الجرود.
وفي سياق آخَر، تمّ التوافق على تكليفِ ضبّاطٍ للتواصل مع أهالي العسكريين لتفادي وقوع عمليات انتقامية من شأنها أن تُعيد البلاد إلى مرحلةٍ من التوتّر والتفلّتِ الأمني، الأمرُ الذي يُضيّع الانتصار والإنجازَ العسكري الكبير.واتُفِق على ملاحقة كلّ من تورَّط بخطف العسكريين أو وفَّر حمايةً للمسلحين، ولن يكون هناك غطاءٌ على أحد.
الحريري وموسكو
على صعيدٍ سياسيّ آخر، يتوجّه رئيس الحكومة سعد الحريري الاثنين المقبل الى موسكو برفقة عدد من الوزراء، يلتقي خلالها الرئيس فلاديمير بوتين ونظيرَه الروسي ديمتري ميدفيديف.
وتبدو طبيعة الوفد المرافق للحريري وكذلك جدولُ الأعمال أنّهما يَمنحان الزيارة طابعاً اقتصادياً، بالدرجة الاولى، إلّا أنّ ذلك لا يَحجب عنها البُعد السياسي، خصوصاً أنّ زيارة الحريري تتمّ في مرحلة مزدحمة بالتطوّرات الاقليمية والدولية، وتحديداً على مستوى الساحة السورية، في ظلّ التطورات المتسارعة في الميدان التي تشهَد تقدّماً ملحوظاً للنظام السوري وحلفائه، والمثال الساطع الاخير تجلّى في دير الزور وما قد يَليه من تطوّرات مكمّلة لهذا التقدّم.
وكشَفت مصادر ديبلوماسية روسيّة لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء بين الحريري وميدفيديف سيأخذ الطابَع الاقتصادي فيه حيّزاً أكبرَ مِن الطابع السياسي، حيث سيركّز على سُبل تعزيز العلاقات الثنائية، وعلى تفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية.
على أنّ الاجتماع الأهمّ هو مع الرئيس الروسي، إذ إنّ جدولَ البحث فيه مفتوح على كلّ التطوّرات الاقليمية والدولية، إلى جانب الشقّ الأساسي الذي يَعني لبنان، المتعلّق بإحياء فرصة تنشيطِ التعاون العسكري بين موسكو وبيروت، والغاية من ذلك هي رفدُ الجيشِ اللبناني بسلاح روسيّ.
ولفَتت المصادر الروسيّة إلى أنّ ما سيُطرح على بساط البحث في الشقّ العسكري يتجاوز بكثير إطار الهبة الروسيّة السابقة التي طرِحت قبل سنوات ومن ثمّ تعثّرَت، وكشَفت أنّ بعض الافكار المقترَحة تتّصل بتعاونٍ واسعِ النطاق، إلّا أنّ القرار الأساس منوط بالقيادة العسكرية اللبنانية التي هي الجهة الصالحة والوحيدة القادرة على تحديد قائمة الأسلحة ونوعيتها التي يَحتاجها الجيشُ اللبناني لتعزيز قوّته، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يخوض فيها الجيش حرباً قاسية ضدّ الإرهاب وحقّق إنجازات مشهودة من قبَل كلّ العالم.
إلّا أنّ الحجم الذي ستتّخذه المساهمة الروسية في تسليح الجيش، وكما قالت المصادر، يتوقّف على طبيعة الإطار المالي لهذه المساهمة، وعرَضت في السياق احتمالين: فإمّا أن يتمّ التسليح من خلال قرضِِ روسيّ، وحينها يصبح هامش الاستفادة من القدرات الروسية واسعاً، وإمّا أن يجريَ ذلك عبر الخزينة اللبنانية، وفي هذه الحالة ستتقلّص الخيارات.
عون إلى موسكو
وكشَفت المصادر الروسيّة أنّ موسكو تستعدّ لاستقبال الرئيس عون، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ التحضيرات قد بدأت منذ الآن لإتمام هذه الزيارة، حيث بدأت خطوط الاتّصال بين القصر الجمهوري اللبناني والكرملين تشهد حرارةً ملحوظة، في وقتٍ وجّهت القيادة الروسية تعليمات الى السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين للمباشرة بالإعداد لهذه الزيارة.
وعمّا إذا كان موعد زيارة عون الى موسكو قد تحدَّد بعد زيارة الحريري، قالت المصادر الديبلوماسية الروسية: «حتى الآن تمّ حسمُ مبدأ إتمامِ الزيارة، وأمّا الموعد فيَنتظر اختمارَ بعضِ الترتيبات اللوجستية والإجرائية، ولا سيّما تلك التي تتعلق ببرمجةِ روزنامة بوتين واختيار التوقيت المناسب للاجتماع بينه وبين الرئيس اللبناني».
السبهان مجدّداً
مِن جهةٍ ثانية، دخَل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان مجدّداً على المشهد اللبناني بتغريدةٍ جديدة هجومية على «حزب الله» وإيران، حيث قال: «الإرهاب والتطرّف في العالم منبعُه إيران وابنُها البكر حزب الشيطان، وكما تَعاملَ العالم مع داعش لا بدّ من التعاملِ مع منابعِه، شعوبُنا بحاجة للسلام والأمن.
وهي تأتي على مسافة أيامٍ قليلة من تغريدته الأولى التي جاءت بمضمون شديد القساوة على الحزب، وخيَّر فيها اللبنانيين بين أن يكونوا مع الحزب أو ضدّه.
ووصَفت مصادر سياسية تغريدةَ السبهان، ربطاً بالثانية، بأنّها لم تكن «سنونو» عابرة، بل هي موقفٌ سعوديّ قديمٌ ـ جديد.
وفيما انشَغلت الأوساط السياسية أمس بمعرفة خلفيات هذه التغريدات من دون أن تتمكّنَ من الوقوف على جوابٍ شافٍ، كشَف مصدر لبنانيّ اقتصادي، التقى في الساعات الـ 48 الماضية بعضَ المسؤولين السعوديين في المملكة، أنّ الموقف السعودي يَهدف إلى استنهاض 14 آذار في ظرفٍ تشير فيه المعطيات إلى انحياز لبنان إلى المحور السوري ـ الإيراني، وتخشى السعودية التي بدأت انفتاحاً على بغداد، من أن يردّ الإيرانيون بتشديد القبضة على الوضع اللبناني، لذلك قرّرَت تكثيفَ الرسائل إلى اصدقائها في لبنان ليصحّحوا مواقفهم.
إلّا أنّ مصادر سياسية اعتبَرت أنّ خَلق توازنٍ لا يكون بتغريدة إنّما بمشروع متكامل، على غرار الذي كان بين العامين 2005 و2009، وهو أمر لا يبدو أنّ السعودية عازمة على تجديده، إنّما تعتقد بأنّها قادرة على خلقِ مناخٍ جديد في الوقت الحاضر، وتطوّر موقفَها لاحقاً حسب الحاجة وحسب مدى تجاوبِ حلفائها السابقين في لبنان.
وكشَفت مصادر أخرى أنّ الموقف السعودي لم يلقَ بعد تجاوباً من أيّ مسؤول لبناني، لأنّ المسؤولين اللبنانيين يعتقدون بأنّ السعودية غيرُ حاضرة بعد للعودة إلى الساحة اللبنانية.
بدوره، رأى مصدر معارض أنّ تكرار الوزير السبهان لتغريداته يؤكّد أنّ ما قاله لم يكن زلّة لسان ولا موقفاً عابراً قيل عن غير قصد.
وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ استخدام الأسلوب نفسه في التغريدات وخلال أيام، يؤكّد أنّ الوزير السعودي يُعبّر عن موقفٍ مدروس للمملكة العربية السعودية، ويَرتكز على أنّ كَيلها طفحَ من تمادي النفوذ الإيراني في لبنان أمام تراخي السلطة اللبنانية بشكلٍ كامل».
أضاف: «وما أزعجَ الرياض أكثر هو استهدافُ الرئيس تمام سلام وغيره من القيادات، فجاء بيان سلام (الذي ردَّ فيه على عون أمس) ليلاقيَ تغريدةَ السبهان في اعتراضٍ سنّي عريض. فبدل أن يكون فتحُ ملفِّ المرحلة السابقة قضائيّاً، يتحوّل يوماً بعد يوم إلى قضيةٍ معنيةٍ فيها الطائفةُ السنّية برُمّتها.
إسرائيل و«الحزب»
إقليمياً، واصَلت إسرائيل تهديداتها بأنّها ستستمرّ في مواجهة تسليحِ «حزب الله» وتعزيز قدراته، وفي هذا السياق جاء إعلان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلن، خلال لقائه المستشارةَ الألمانية أنغيلا ميركل في برلين، أنّ إسرائيل ستردّ على استمرار عملية تسليحِ «حزب الله».
وانتقَد ريفيلن، حسبَ ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، ما وصَفته بـ«تأثير نشاط «حزب الله» تحت الرعاية الإيرانية في لبنان»، قائلاً إنّ هذا الحزب «يشكّل خطراً على السكّان المحلّيين وينتهك باستمرار قرارات مجلس الأمن الدولي».
وأضاف: «إستمرار عملية تزويد «حزب الله» بالأسلحة المحدثة سيُجبر إسرائيل على الردّ». وشدَّد على أنّ إيران تشكّل العاملَ الأكبر الذي يُزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معتبراً أنّ سلطات طهران تنتهج عمداً مثلَ هذه السياسات.
وجاء تأكيد عون على التحقيق، بعد كلمته خلال المأتم الرسمي الذي أقيمَ للعسكريين في مقرّ قيادة الجيش في اليرزة، والتي غَمز فيها من قناة بعض مسؤولي تلك المرحلة من دون أن يسمّيهم، حيث قال: «دماء الشهداء أمانة في أعناقنا حتى تحقيقِ الأهداف التي استشهدوا من أجلها وجلاءِ كلّ الحقائق، وهؤلاء الشهداء العسكريون الذين خطِفوا وقتِلوا على يد التنظيمات الإرهابية، وَقفوا في العام 2014، على خطوط الدفاع عن لبنان غيرَ آبهين بما ظلّلَ تلك المرحلة من غموض في مواقف المسؤولين، سبَّبت جراحاً في جسمِ الوطن».
واستتبَع كلامُ رئيس الجمهورية ردّاً من رئيس الحكومة السابق تمام سلام الذي قال إنّه يضمّ صوته إلى صوت رئيس الجمهورية لضرورةِ جلاءِ كلّ الحقائق، مؤكّداً على فتحِ التحقيق على مصراعيه ورفعِ السرّية عن محاضر جلسات مجلس الوزراء، ليتسنّى للّبنانيين، وفي مقدّمتهم عائلات الشهداء، الاطّلاعُ عليها، حتى لا تصيرَ أضاليلُ اليوم كأنّها حقائقُ الأمس».
أبحاث مجلس الدفاع
وعَلمت «الجمهورية» مِن مصادر المجتمعين أنّ اجتماع مجلس الدفاع الأعلى تناوَل بالتفصيل كلَّ الأمور والتفاصيل المرتبطة بالوضع الأمني إلى جانب قضية العسكريين.
وتَقرّر أن يتمركز الجيش اللبناني في المساحة الجردية التي تمّ تحريرها، من عرسال إلى القاع وتقدّر بـ٣٠٠ كلم مربّع، وهي أراضٍ صعبة جغرافيّاً، وتحتاج الى تجهيزات عالية تَحمي العسكر، منها أبراجُ المراقبة المتطوّرة، خصوصاً وأنّ الظروف المناخية لهذه الجرود قاسية، وتُرِك لقيادة الجيش تقديرُ عديد القوى المسلّحة التي تحتاجها للانتشار في هذه المنطقة، علماً أنّها تحتاج إلى ما يزيد عن١٠٠٠ عنصر.
وتقرّر أن تعمل قيادة الجيش على رفعِ مقترحاتٍ لمكافأة الوحدات التي خاضَت معركة الجرود، إمّا عبر ترفيعٍ أو تنويهٍ أو منحِ رتبٍ استثنائية وأوسمةٍ أو جوائز مالية. وكذلك أن يَرفع قائد الجيش تقريراً شاملاً عن متطلبات ومستلزمات المنشآت لتجهيز المواقع، وخصوصاً فوج الحدود البرّية التي ستَعمل على ضبطِ التهريب بعدما أصبحت الحدود ممسوكة.
وفي السياق ذاته، أشار وزير العدل الى انطلاق مسار التحقيق، وأنّ القضاء العسكري طلبَ من مخابرات الجيش البدءَ بالتعقّبات والتحقيقات لتكوين ملفّ على أساسه تبدأ الاستدعاءات، وأصبح بحوزة القضاء العسكري العديدُ من الأدلّة والفيديوهات والاعترافات التي على أساسها ستبدأ الملاحقة القضائية. وأبلغَ وزير العدل المجلسَ الأعلى للدفاع أنّ التحقيق سيَعتمد العناصر الجرمية لا الاتّهامات السياسية.
وتطرّقَ البحث إلى الوضع الأمني في البقاع، وخصوصاً وجوبُ استدارة القوى العسكري والأمنية إلى ضبطِ الأرض بعدما انشَغلت في السنوات الماضية بمنعِ التسلّل وصدّ الهجمات الارهابية الآتية من الجرود.
وفي سياق آخَر، تمّ التوافق على تكليفِ ضبّاطٍ للتواصل مع أهالي العسكريين لتفادي وقوع عمليات انتقامية من شأنها أن تُعيد البلاد إلى مرحلةٍ من التوتّر والتفلّتِ الأمني، الأمرُ الذي يُضيّع الانتصار والإنجازَ العسكري الكبير.واتُفِق على ملاحقة كلّ من تورَّط بخطف العسكريين أو وفَّر حمايةً للمسلحين، ولن يكون هناك غطاءٌ على أحد.
الحريري وموسكو
على صعيدٍ سياسيّ آخر، يتوجّه رئيس الحكومة سعد الحريري الاثنين المقبل الى موسكو برفقة عدد من الوزراء، يلتقي خلالها الرئيس فلاديمير بوتين ونظيرَه الروسي ديمتري ميدفيديف.
وتبدو طبيعة الوفد المرافق للحريري وكذلك جدولُ الأعمال أنّهما يَمنحان الزيارة طابعاً اقتصادياً، بالدرجة الاولى، إلّا أنّ ذلك لا يَحجب عنها البُعد السياسي، خصوصاً أنّ زيارة الحريري تتمّ في مرحلة مزدحمة بالتطوّرات الاقليمية والدولية، وتحديداً على مستوى الساحة السورية، في ظلّ التطورات المتسارعة في الميدان التي تشهَد تقدّماً ملحوظاً للنظام السوري وحلفائه، والمثال الساطع الاخير تجلّى في دير الزور وما قد يَليه من تطوّرات مكمّلة لهذا التقدّم.
وكشَفت مصادر ديبلوماسية روسيّة لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء بين الحريري وميدفيديف سيأخذ الطابَع الاقتصادي فيه حيّزاً أكبرَ مِن الطابع السياسي، حيث سيركّز على سُبل تعزيز العلاقات الثنائية، وعلى تفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية.
على أنّ الاجتماع الأهمّ هو مع الرئيس الروسي، إذ إنّ جدولَ البحث فيه مفتوح على كلّ التطوّرات الاقليمية والدولية، إلى جانب الشقّ الأساسي الذي يَعني لبنان، المتعلّق بإحياء فرصة تنشيطِ التعاون العسكري بين موسكو وبيروت، والغاية من ذلك هي رفدُ الجيشِ اللبناني بسلاح روسيّ.
ولفَتت المصادر الروسيّة إلى أنّ ما سيُطرح على بساط البحث في الشقّ العسكري يتجاوز بكثير إطار الهبة الروسيّة السابقة التي طرِحت قبل سنوات ومن ثمّ تعثّرَت، وكشَفت أنّ بعض الافكار المقترَحة تتّصل بتعاونٍ واسعِ النطاق، إلّا أنّ القرار الأساس منوط بالقيادة العسكرية اللبنانية التي هي الجهة الصالحة والوحيدة القادرة على تحديد قائمة الأسلحة ونوعيتها التي يَحتاجها الجيشُ اللبناني لتعزيز قوّته، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يخوض فيها الجيش حرباً قاسية ضدّ الإرهاب وحقّق إنجازات مشهودة من قبَل كلّ العالم.
إلّا أنّ الحجم الذي ستتّخذه المساهمة الروسية في تسليح الجيش، وكما قالت المصادر، يتوقّف على طبيعة الإطار المالي لهذه المساهمة، وعرَضت في السياق احتمالين: فإمّا أن يتمّ التسليح من خلال قرضِِ روسيّ، وحينها يصبح هامش الاستفادة من القدرات الروسية واسعاً، وإمّا أن يجريَ ذلك عبر الخزينة اللبنانية، وفي هذه الحالة ستتقلّص الخيارات.
عون إلى موسكو
وكشَفت المصادر الروسيّة أنّ موسكو تستعدّ لاستقبال الرئيس عون، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ التحضيرات قد بدأت منذ الآن لإتمام هذه الزيارة، حيث بدأت خطوط الاتّصال بين القصر الجمهوري اللبناني والكرملين تشهد حرارةً ملحوظة، في وقتٍ وجّهت القيادة الروسية تعليمات الى السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبكين للمباشرة بالإعداد لهذه الزيارة.
وعمّا إذا كان موعد زيارة عون الى موسكو قد تحدَّد بعد زيارة الحريري، قالت المصادر الديبلوماسية الروسية: «حتى الآن تمّ حسمُ مبدأ إتمامِ الزيارة، وأمّا الموعد فيَنتظر اختمارَ بعضِ الترتيبات اللوجستية والإجرائية، ولا سيّما تلك التي تتعلق ببرمجةِ روزنامة بوتين واختيار التوقيت المناسب للاجتماع بينه وبين الرئيس اللبناني».
السبهان مجدّداً
مِن جهةٍ ثانية، دخَل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان مجدّداً على المشهد اللبناني بتغريدةٍ جديدة هجومية على «حزب الله» وإيران، حيث قال: «الإرهاب والتطرّف في العالم منبعُه إيران وابنُها البكر حزب الشيطان، وكما تَعاملَ العالم مع داعش لا بدّ من التعاملِ مع منابعِه، شعوبُنا بحاجة للسلام والأمن.
وهي تأتي على مسافة أيامٍ قليلة من تغريدته الأولى التي جاءت بمضمون شديد القساوة على الحزب، وخيَّر فيها اللبنانيين بين أن يكونوا مع الحزب أو ضدّه.
ووصَفت مصادر سياسية تغريدةَ السبهان، ربطاً بالثانية، بأنّها لم تكن «سنونو» عابرة، بل هي موقفٌ سعوديّ قديمٌ ـ جديد.
وفيما انشَغلت الأوساط السياسية أمس بمعرفة خلفيات هذه التغريدات من دون أن تتمكّنَ من الوقوف على جوابٍ شافٍ، كشَف مصدر لبنانيّ اقتصادي، التقى في الساعات الـ 48 الماضية بعضَ المسؤولين السعوديين في المملكة، أنّ الموقف السعودي يَهدف إلى استنهاض 14 آذار في ظرفٍ تشير فيه المعطيات إلى انحياز لبنان إلى المحور السوري ـ الإيراني، وتخشى السعودية التي بدأت انفتاحاً على بغداد، من أن يردّ الإيرانيون بتشديد القبضة على الوضع اللبناني، لذلك قرّرَت تكثيفَ الرسائل إلى اصدقائها في لبنان ليصحّحوا مواقفهم.
إلّا أنّ مصادر سياسية اعتبَرت أنّ خَلق توازنٍ لا يكون بتغريدة إنّما بمشروع متكامل، على غرار الذي كان بين العامين 2005 و2009، وهو أمر لا يبدو أنّ السعودية عازمة على تجديده، إنّما تعتقد بأنّها قادرة على خلقِ مناخٍ جديد في الوقت الحاضر، وتطوّر موقفَها لاحقاً حسب الحاجة وحسب مدى تجاوبِ حلفائها السابقين في لبنان.
وكشَفت مصادر أخرى أنّ الموقف السعودي لم يلقَ بعد تجاوباً من أيّ مسؤول لبناني، لأنّ المسؤولين اللبنانيين يعتقدون بأنّ السعودية غيرُ حاضرة بعد للعودة إلى الساحة اللبنانية.
بدوره، رأى مصدر معارض أنّ تكرار الوزير السبهان لتغريداته يؤكّد أنّ ما قاله لم يكن زلّة لسان ولا موقفاً عابراً قيل عن غير قصد.
وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ استخدام الأسلوب نفسه في التغريدات وخلال أيام، يؤكّد أنّ الوزير السعودي يُعبّر عن موقفٍ مدروس للمملكة العربية السعودية، ويَرتكز على أنّ كَيلها طفحَ من تمادي النفوذ الإيراني في لبنان أمام تراخي السلطة اللبنانية بشكلٍ كامل».
أضاف: «وما أزعجَ الرياض أكثر هو استهدافُ الرئيس تمام سلام وغيره من القيادات، فجاء بيان سلام (الذي ردَّ فيه على عون أمس) ليلاقيَ تغريدةَ السبهان في اعتراضٍ سنّي عريض. فبدل أن يكون فتحُ ملفِّ المرحلة السابقة قضائيّاً، يتحوّل يوماً بعد يوم إلى قضيةٍ معنيةٍ فيها الطائفةُ السنّية برُمّتها.
إسرائيل و«الحزب»
إقليمياً، واصَلت إسرائيل تهديداتها بأنّها ستستمرّ في مواجهة تسليحِ «حزب الله» وتعزيز قدراته، وفي هذا السياق جاء إعلان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفيلن، خلال لقائه المستشارةَ الألمانية أنغيلا ميركل في برلين، أنّ إسرائيل ستردّ على استمرار عملية تسليحِ «حزب الله».
وانتقَد ريفيلن، حسبَ ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، ما وصَفته بـ«تأثير نشاط «حزب الله» تحت الرعاية الإيرانية في لبنان»، قائلاً إنّ هذا الحزب «يشكّل خطراً على السكّان المحلّيين وينتهك باستمرار قرارات مجلس الأمن الدولي».
وأضاف: «إستمرار عملية تزويد «حزب الله» بالأسلحة المحدثة سيُجبر إسرائيل على الردّ». وشدَّد على أنّ إيران تشكّل العاملَ الأكبر الذي يُزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معتبراً أنّ سلطات طهران تنتهج عمداً مثلَ هذه السياسات.