يودّع لبنان اليوم جثامين عسكرييه العائدين من الجرود شهداء، إعلان الحداد، ومراسم تكريم، وتعاطف مع الاهل «المغدورين» كما غدر اولادهم في آب2014. تعود الاجساد اليوم الى الأرض مرة ثانية، بعد أن ارتقت الارواح الى السماء برتبة شهيد، لكن الامل بأن لا تدفن الحقيقة مع دفن العسكريين، في بلد «العدالة» فيه «وجهة نظر»، والقانون يفصل على قياس المنتفعين، فتضيع الحقائق دائما بحجة الخوف على «السلم الاهلي» و«الوحدة الوطنية»، وهذا يفضي حكما الى خلاصة واضحة مفادها، ان «سقف» المحاسبة مرسوم بدقة، ولن «يطرق ابواب» سياسيين قاموا بادوار «مريبة»، وملتبسين على أقل تقدير بشبهة التواطؤ بهذه الجريمة الوطنية..
في الشق الاجرائي بدا مسار الملاحقات يأخذ بعدا جديا منذ مساء امس مع مداهمة دورية من استخبارات الجيش لمنزل الشيخ مصطفى الحجيري المعروف «بابو طاقية» في عرسال بغرض توقيفه، دون العثور عليه.. وهذه الخطوة هي جزء من عملية تصاعدية، بحسب اوساط بعبدا التي اكدت ان التحقيقات في خطف الجنود ستأخذ دفعا جديدا اليوم من خلال كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سيعيد التأكيد على المضي حتى النهاية في التحقيقات في هذا الملف، وسيتعهد بعدم حصول تسويات حوله.. وهو امر سيؤكد عليه في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع الذي سيعقد في بعبدا اليوم..
ووفقا لاوساط أمنية، فان التحقيقات ستطال نحو 200شخص لهم ارتباط بالقضية، منها مسؤولية تقصيرية، او من خلال التواطؤ، او المشاركة في مسرح الاحداث، وقد اصبحت اللوائح جاهزة وهي تضم سوريين ولبنانيين، وقد أكد وزير الدفاع يعقوب الصراف مساء ان القضاء العسكري لديه السلطة في استدعاء من يشاء في تحقيقاته..
وفي المقابل لا تستبعد اوساط وزارية بارزة، حصول تحقيق داخلي حيال ما حصل خلال عملية توقيف الارهابي عماد جمعة عام 2014 ، حيث الاسئلة ما تزال مفتوحة حيال التقصير الواضح في حماية المراكز العسكرية في عرسال ومحيطها، وعدم اتخاذ اجراءات احترازية قبيل القاء القبض عليه وبعد حصول العملية الامنية.. فهل عدم اتخاذ تلك الاجراءات كان نتيجة تقصير استخباراتي لم يضع بالحسبان حصول رد فعل من قبل المسلحين على توقيفه؟ ام هو سوء تقدير لاهمية «الهدف»؟ام نتيجة غياب التنسيق نتيجة الاهمال؟ وهل اتخذت اجراءات ولم تكن تتناسب مع الحدث المتوقع؟ والحصول على اجابة على هذه الاسئلة يترتب عليها الكثير من المسؤوليات ...
هذا في الاجراءات العملانية اما في السياسة، فالاسئلة تكبر حيال احتمال حصول «تجريم» لفريق سياسي حمى «القتلة»علنا، وبعيدا عن تحديد المسؤوليات حول عدم اتخاذ القرار السياسي والميداني بملاحقة المجموعات التكفيرية لاطلاق العسكريين، فثمة حقائق ثابتة لجهة عدم رغبة البعض بأن يخوض الجنرال جان قهوجي عملية عسكرية ناجحة،لانه سيكون مشروع رئيس جمهورية، وفي المقابل امتنع عن القيام بالامر، خوفا على فقدان فرصته بالرئاسة.. وفي الخلاصة «ذهب» العسكريون ضحية حسابات سياسية محلية «رخيصة»، وضحية تدخلات اقليمية ودولية ضغطت على فريق 14 آذار وفي مقدمته تيار المستقبل لمنع الجيش من القيام بمهامه، لان تلك المجموعات كان لها «وظيفة» استراتيجية في المواجهة مع حزب الله والنظام السوري، وهي بالطبع تتجاوز بالنسبة اليهم مسألة خطف بعض العسكريين، ويومها وصفت مراجع دبلوماسية غربية العملية الأمنية لاعتقال جمعة بأنها كانت «متهورة»!
العلاقات مع سوريا
في غضون ذلك، سيعود الى الواجهة ملف العلاقات اللبنانية- السورية في الاسابيع المقبلة مع التقدم الميداني المتسارع على الجبهات السورية، ووفقا لاوساط وزارية بارزة فإن حزب الله سيضع هذا الملف على «الطاولة» لان التأجيل لم يعد منطقيا ويخالف الوقائع السياسية والميدانية، وفي شرحها لموقف الرئيس بشار الاسد الذي ابلغه للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، برفض أي «تفاوض» حول أي قضية، لا يكون بطلب رسمي وعلني، تشير تلك الاوساط الى أن دمشق ترفض استنساخ العلاقة اللبنانية بالتقدم المستمر في العلاقات مع الاردن من خلال «معادلة» تطوير العلاقات الامنية في الغرف المغلقة، وفي هذا السياق اوضح الرئيس الحريري لمن راجعه في الايام القلية الماضية بهذا الامر، انه يرغب في ابقاء العلاقة السياسية راهنا على حالها، مع موافقته على تطويرها «أمنيا»، فهو سمع في فرنسا اجواء «سلبية» غير مطمئنة، فكلام الرئيس الفرنسي كان واضحا، ومفاده ان الحديث عن رحيل الاسد لم يعد في «قاموس» احد، المعارضة السورية خسرت معركتها، لكن لا احد يتجرأ على نعيها، وما يحصل الآن في آستانة وجنيف هو محاولة لتقليل حجم الخسارة..
وانطلاقا من ما يسميه «براغماتية»، اقترح الرئيس الحريري «تفعيل» «القناة» الامنية المفتوحة مع دمشق من خلال مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، دون تكليفه علنا بذلك، وفي معارك الجرود، قدم الحريري نموذجا متقدما، فكان يسير وراء رغبات رئيس الجمهورية ميشال عون، دون الاعتراض على التنسيق الميداني بين الجيش اللبناني والسوري، عبر حزب الله، او من خلال تبادل المعلومات العسكرية على الارض، وهو يريد الآن ان يطور المهام الموكلة للواء ابراهيم لتتجاوز ما هو أمني ...
وبحسب تلك الاوساط، يخشى الحريري ان يتعرض لعملية «ابتزاز» من النظام في سوريا، وهو لا يبالي كثيرا بمواقف من تبقى من قوى 14 آذار التي تتحدث عن مواقف مبدئية في مقاطعة سوريا، لكنه يريد التعامل مع دمشق، بـ«القطعة»مع اشتراط بقائه خارج «الصورة»، فهو لا يرغب ايضا ان يبدو ضعيفا وبالنسبة اليه تأجيل «التطبيع» السياسي ضروري وحتمي، والتواصل العلني والمباشر لن يكون على جدول اعماله، الا بعد ان تحصل تسوية ايرانية - سعودية.. واذا ذهب يوما الى دمشق سيكون الامر جزءا من تلك المعادلة، باعتباره طرفا ممثلا للجانب السعودي، وليس طرفا راهن وهزم ويعود الى «بيت الطاعة»..
رفض سوري
لكن دمشق، ابلغت من يعنيهم الامر رفضها لعلاقة مماثلة، لان «القناة» الامنية استنفدت اهدافها ولم تعد ذات جدوى الأن بعد تحرير الجرود، والدولة السورية لم تعد قادرة على تقديم «الهدايا المجانية»، والمقارنة مع ما يحصل مع الاردن ليس في مكانه، فالتنسيق الأمني الاردني- السوري صحيح انه يجري من «تحت الطاولة» لكنه اثمر عودة تدريجية للجيش السوري بلا معارك الى مساحة واسعة من الحدود المشتركة، وذلك بعد نحو اربع سنوات من الغياب.. وما يجري الآن من تقدم وابعاد «للعشائر» عن الخطوط المتقدمة على تلك المحاور، وسحب ما تبقى من فصائل «الجيش الحر»، وكذلك استعادة 38 اسيرا من ضمنهم قائد طائرة حربية اسقطت طائرته واسرته مجموعة «أسود الشرقية» المعارضة ضمن ترتيب وصفقة كان الاردن وسيطا رئيسيا فيها.. كل ذلك يجري وفق «خطة» ممنهجة ومتفق عليها بين الجانبين، ولذلك لا تتوقف دمشق اقله الآن امام خروج اعلان سياسي صريح وواضح من الحكومة الاردنية، لان الوقائع تتقدم على «الشكليات» التي ستأتي عاجلا او آجلا... ويبقى السؤال ما الذي لدى الحكومة اللبنانية لتقدمه في هذا السياق؟ بالطبع لا شيء.. ولهذا اذا ارادت الحصول على شيء في المقابل لن يكون من اليوم وصاعدا «بالمجان»..
مجلس الوزراء
يمكن وصف جلسة الحكومة بالامس بانها جلسة «الهروب» من الاستحقاقات، وتجنب «حقول الالغام»، ملف الكهرباء تم ارجاؤه، الانتخابات الفرعية لم يتم التطرق اليها، حتى ملف تعيين بديل عن غلوريا ابو زيد في ملاك وزارة الزراعة لم يناقش.. اما الملف الاكثر اشتعالا والمرتبط بعملية تحرير الجرود، فتدخل رئيس الحكومة سعد الحريري «لنزع فتيله» بدعوة الوزراء الى الترفع عن الخلافات أمام شهادة العسكريين اللبنانيين، داعيا في الوقت نفسه الى الابتعاد عن توتير الاجواء مع الدول الصديقة.. وكان وزراء القوات اللبنانية قد طرحوا مسألة ترحيل «ارهابيي» «داعش» على النقاش، فدعاهم وزير الدفاع يعقوب الصراف الى عدم تضييع ما تحقق من انتصار في نقاشات مماثلة، وتدخل وزير التربية مروان حمادة محملا كل من يخرج عن سياسة «النأي بالنفس» مسؤولية التداعيات الخطيرة على البلاد.. وفيما دعا الوزير محمد فنيش الى مناقشة الملف بكامل تفاصيله وليس فقط بالنتائج، تدخل وزير الداخلية نهاد المشنوق لتهدئة الموقف، داعيا للابتعاد عن نقاش الملفات الخلافية، وهو ما ايده فيه الوزير طلال ارسلان الذي دعا الى الالتزام بدعوة رئيس الحكومة والبدء بمناقشة جدول الاعمال.. وهكذا كان.
«السلسلة» مهددة؟
اقتصاديا اكدت مصادر وزارية وجود «مأزق» مالي حقيقي في البلاد اذا ما اتخذ المجلس الدستوري، قرارا جزئيا او كليا في العشرين من الجاري، بإبطال قانون الضرائب، وبالتالي ستكون النتيجة الحتمية وقف العمل بقانون «السلسلة» لان الدولة ستكون معرضة للافلاس الحتمي.. وفي هذا السياق توقف مجلس الوزراء مليا امام هذه المعضلة، وقد ابلغ وزيرالمال علي حسن خليل المجلس بانه واقعيا نحن امام قانون بدأ بتطبيقه، من خلال اعداد جداول الرواتب الجديدة على اساسه، لكن على الجميع تحمل المسؤولية في حال عدم ايجاد حل لايرادات السلسلة، فعدم تمويلها سيزيد العجز بشكل كبير وسيؤدي الى نتائج كارثية، وهو كلام ايده الرئيس الحريري، ومعظم مداخلات الوزراء جاءت ايضا في هذا الاطار، لكن لم يتقدم أحد بأي حلول عملية لمواجهة الازمة اذا ما وقعت في ظل رهان كبير على «حكمة» قضاة المجلس الدستوري، وفق ما اكده احد الوزراء «للديار».. فهل ثمة من يريد التهويل على المجلس الدستوري ومحاصرته للتاثير على قراراته؟ ام ان «المونة» السياسية ستلعب دورا في «تلطيف» «القضاء والقدر»؟ ام ان المخاطر جدية وحقيقية..» والسلسلة» في خطر؟
الأقساط المدرسية
على الصعيد التربوي لم يحقق الاجتماع الثاني في وزارة التربية بين لجان الاهل، واصحاب المدارس الخاصة، ونقابة المعلمين، بحضور الوزير مروان حمادة اي تقدم يذكر بخصوص الأقساط المدرسية مع تمسك كل طرف بموقفه، وارجأ البحث الى اجتماع يعقد الثلثاء المقبل.. في هذا الوقت لا يبدو ان اداراة المدارس تنتظر نتائج هذه اللقاءات، فالزيادات اقرت وابلغت الى الاهالي وهي تتراوح بين 300 الف ليرة ومليون و500الف ليرة، في وقت تسعى المدارس الكاثوليكية الى اشراك الاساتذة بتحمل «الاعباء المالية» من خلال اقتراح التراجع عن اعفائهم من دفع الاقساط، او دفع نسبة مئوية.