في ظل التطورات العسكرية المتسارعة في العراق وسوريا ولبنان والتي قد تؤدي إلى نهاية مرحلة داعش في هذه الدول الثلاث، ينشط عدد من الباحثين والمفكرين والإعلاميين العرب واللبنانيين في بيروت لطرح بعض الأفكار والاقتراحات من أجل تجاوز الأزمة الراهنة والخروج من الصراعات القومية والطائفية والمذهبية، ومن أجل قطع الطريق أمام بروز أزمات جديدة، ولاسيما في حال اتجه الأكراد في العراق للاستفتاء على قيام الدولة الكردية المستقلة، مما قد يؤدي لصراع جديد وكبير في المنطقة قد يأخذ أبعادا قومية وعرقية كبديل عن الصراع المذهبي والطائفي القائم اليوم.
وتتناول الأفكار والطروحات التي يتم تداولها حاليا بين هؤلاء الباحثين، أو بدأ النقاش حولها، موضوعين أساسيين: الأول يتمحور حول الدعوة لإقامة منتدى إقليمي للتعاون بين دول المنطقة في ظل فشل أو تراجع دور المؤسسات التقليدية القديمة التي كانت ترعى التعاون بين هذه الدول كجامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو منظمة المؤتمر الإسلامي، على أن يضم هذا المنتدى شخصيات فاعلة من الدول العربية وتركيا وإيران ويتولى الدعوة لحوار عربي- إيراني- تركي – كردي، ومن ثم يمهد هذا الحوار لإقامة مشاريع اقتصادية كبرى تتولى رعاية مرحلة إعمار دول المنطقة بعد انتهاء الصراعات الحالية أو تعمل لتعزيز التعاون الثنائي القائم بين بعض هذه الدول وتحوله إلى تعاون إقليمي.
وقد جرى إعداد مسودة أولية للمشروع وتم إرسالها لبعض القيادات العربية والإسلامية للتداول حولها قبل إطلاق المشروع بشكل علني، كما يجري حاليا العمل من أجل إنشاء إطار عمل لبحث هذا المشروع وكيفية تحويله لأفكار عملية.
وأما الموضوع الثاني الذي يتم البحث حوله وطرح بعض الأفكار والدراسات بشأنه، فيتركز حول كيفية تجاوز الانقسام المذهبي القائم اليوم بين المسلمين ولاسيما السنة والشيعة، وذلك من خلال إعداد مقاربات جديدة لنشوء المذاهب الإسلامية وإعادة درس السياق التاريخي والاجتماعي الذي ساهم في بروز الخلاف المذهبي.
وقد أعد بعض الباحثين اللبنانيين ومنهم الدكتور وجيه قانصو دراسة جديدة حول نشوء المذاهب الإسلامية وفق منهجية علمية تركز على السياق الاجتماعي والتاريخي لنشوء الأحزاب وجرى مناقشة هذه الدراسة في بعض المنتديات والمؤسسات الفكرية في بيروت، وبموازاة ذلك طرح عدد من الباحثين الإيرانيين مقاربة مختلفة لتجاوز الانقسام المذهبي عبر إعادة البحث في مشروع التقريب بين المذاهب والوحدة الإسلامية والدعوة لاعتماد ثقافة التعددية والاختلاف والقبول بالآخر، وتجري مناقشات بين عدد من العلماء والمفكرين والناشطين المسلمين والعرب واللبنانيين حول هذه الأفكار وذلك لتجاوز الانقسام القائم اليوم، وللتحضير لمرحلة سياسية جديدة قد تنتقل إليها دول المنطقة في حال جرى إنهاء سيطرة تنظيم داعش في العراق وسوريا وبدأ البحث جديا في تسوية الأزمات القائمة اليوم.
ومع أن هذه الأفكار والطروحات قد لا تكون جديدة وجرى التداول في أفكار وطروحات تشبهها في مراحل سابقة وأدت الأحداث إلى فشلها أو تجاوزها، فإن إعادة طرح مثل هذه الأفكار رغم حدة الانقسام المذهبي والصراعات الإقليمية المختلفة، يؤشر إلى أن هناك في هذه الأمة من يرفض القبول بالواقع الصعب أو الانجرار وراء الانقسامات القائمة.
وقد لا تلقى هذه الأطروحات التجاوب الكافي وقد يتعرض مطلقوها لاتهامات متعددة وقد يرفض البعض البحث في أي تعاون أو حوار قبل وقف الصراع في سوريا وخروج القوى الإقليمية والمحلية منها أو قبل إقامة نظام سياسي جديد كبديل عن النظام الحالي وقبل اعتراف بعض الأحزاب بأخطائها سواء كانت مؤيدة للنظام القائم أو رافضة له، لكن رغم كل ذلك فإن مجرد أن يكون هناك من يفكر في طرح أفكار أو أطروحات جديدة من خارج السياق القائم اليوم، أن ذلك دليل على أن هناك بارقة أمل تلوح ولو من بعيد بأنه لا يزال في هذه الأمة من يسعى لمواجهة اليأس المنتشر اليوم في صفوفها.
وأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام.