رسمياً، صار العسكريون المخطوفون لدى «داعش» شهداء، بظهور نتائج فحوص الـ«D N A»، وإبلاغ قيادة الجيش ذويهم بانطباقها على جثامين أبنائهم، وغداً يوم حداد وطني عليهم، يشارك فيه كل اللبنانيين على مساحة الوطن. في هذا الوقت، حضر موضوع مكافحة الارهاب خلال اجتماع عقده رئيس مؤسسة الانتربول نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والدفاع السابق الياس المر في دارته في الرابية مساء أمس مع وفد من قيادة الانتربول ضمّ كلاً من: باتريك ستيفنس مدير مكافحة الإرهاب عالمياً، ورالف ماركرت رئيس مكتب الارتباط، ورودولف روك ـ كوشو محلل الاستخبار الجنائي. وتركز البحث خلال الاجتماع على متابعة وتعزيز استراتيجية مكافحة الارهاب على الصعيد العالمي، وعلى تعزيز برامج الانتربول على كل الصعد وبشكل حثيث، ولا سيما ما يتعلّق منها بأمن الحدود ومحاربة الجريمة المنظمة وفق استراتيجيات حديثة. كذلك تطرّق الى سبل دعم لبنان والجيش اللبناني في مواجهة هذا الارهاب.
وإذا كان الاعلان رسمياً عن شهادة العسكريين يُجلي الصورة ويطوي صفحة الغموض الذي اعترَت واحداً من الملفات الاساسية الداخلية على مدى ثلاث سنوات، الّا انّ سائر الملفات الاخرى تبدو مقارباتها معلقة بانتظار ان تحزم السلطة الحاكمة أمرها، وتَفي بسيل الوعود التي قطعتها من اللحظة الاولى التي جلست فيها على كرسي الحكم، من دون ان يدخل ايّ من الوعود الكبرى حَيّز الترجمة الفعلية.

وعلى رغم التقلبات والتحولات التي تشهدها المنطقة، وبعضها يحصل على مقربة من لبنان في الميدان السوري، لم تظهر في الافق اللبناني أيّ مؤشرات على مستوى لبنان الرسمي توحي بمواكبة ما يجري، وتهيئة الأرضية اللبنانية لاستيعاب او احتواء الارتدادات والتداعيات المحتملة لتلك التطورات التي تجري بوتيرة سريعة معزّزة بمواقف دولية تحاكي صورة جديدة لواقع المنطقة يجري رسمها او بلورتها بالشراكة المباشرة بين اللاعبين الكبار.

بل انّ الصورة الداخلية تعكس استغراق اهل السياسة في مناخ التوتير والتقاصف الداخلي المتواصل بين المتاريس المنصوبة بين القوى السياسية الحاكمة، التي ثبت بالملموس أنها تعطي الاولوية للسجال السياسي في محاولة واضحة للهروب من المسؤولية الملقاة على عاتقها، وأقلّها إدخال الحكومة الى حيّز النشاط والانتاجية، بما يترجم خريطة الطريق الذي رسمها اللقاء الذي عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع أهل الحكومة، وهو الامر الذي لم يَتبدّ بعد في اي مجال، ومن دون اي مبررات او اسباب مقنعة للناس التي تنتظر ان ترى ترجمة، ولو للحدّ الأدنى ممّا وُعدت به.

المُتتبِع لمسار السلطة الحاكمة وأدائها يلمس انّ اولويات الناس في جانب، واولويات هذه السلطة في جانب آخر. ولعلّ الانجاز الذي حققته في القانون الضريبي المرافق لسلسلة الرتب والرواتب دليل ساطع على ما قدّمته للناس من أثقال ضريبية مرهقة عليهم، هي الآن أمام مشرحة المجلس الدستوري لإصدار قراره المنتظر في الايام القليلة المقبلة لتصويب المسار الضريبي الذي سلّط على رقبة المواطن اللبناني سيف الارتفاع الجنوني والعشوائي للاسعار والاقساط المدرسية منذ ما قبل سريان القانون الضريبي وقانون السلسلة.

تهريب الانتخابات

والمثال الآخر الذي قدمته السلطة الحاكمة، تجلّى في ما وصفه مرجع سياسي لـ«الجمهورية» بـ«استسهال مخالفة الدستور والعبور عليه وكأن لا قيمة له، في الوقت الذي يملأون الشاشات والمنصّات والمناسبات كلها بقصائد المديح وأناشيد التمجيد بالدستور والالتزام به».

ولاحَظ «تهرّب السلطة السياسية من ذكر الأسباب الموجبة التي حملت بعض القوى الفاعلة فيها الى صَمّ آذانها أمام المطالبات المتكررة بإجراء الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان، وبدل الاستجابة الى هذه المطالبات لجأت الى التهريب المتعمّد لهذه الانتخابات، على رغم انّ هذا التهريب ينطوي على مخالفة صريحة للمادة 41 من الدستور، أخشى انّ البعض مصرّ على اعتبار الدستور إلهاً من تمر يأكله عندما يجوع».

واللافت هو انّ الكثير من الصالونات السياسية والحزبية غارقة هذه الأيام بمناخ تشكيكي ليس فقط بإجراء الانتخابات الفرعية في الوقت الراهن، بل بإجراء الانتخابات النيابية المحددة في أيار المقبل على اساس القانون الجديد.

وعلمت «الجمهورية» انّ ثمّة أصواتاً تتعالى داخل بعض التيارات السياسية التي شاركت مباشرة في إعداد القانون الانتخابي الجديد، وتضعه في موقع غير القابل للتنفيذ، وتشير الى أنّ بعض مواده الاساسية ما زالت ملتبسة ولم يوجد لها توضيح او تفسير او كيفية تطبيقها واحتساب الأصوات.

وقالت شخصية وسطية لـ«الجمهورية»: «حذّرنا بداية من قانون كهذا، بأنه ليس القانون المطلوب او انه يلائم التركيبة اللبنانية، وسبق للنائب وليد جنبلاط أن وصف هذا بالعجيب والغريب الذي لا مثيل له على وجه الارض.

حتى الآن لا استطيع ان اقول كيف سيطبّق هذا القانون، انا لا اعرف، ثم اذا كان القانون عَصياً على الفهم حتى على من أعدّه، فكيف على المواطن؟ مع العلم انّ اي مبادرة تعريفية بهذا القانون لم تبادر اليها الجهة المعنية بهذا الامر في وقت تفصلنا عن هذه الانتخابات بضعة أشهر»؟

يُشار هنا الى انّ اللجنة الوزارية المكلفة البحث في تطبيق قانون الانتخاب اجتمعت في السراي الحكومي أمس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، وفي حضور الوزراء نهاد المشنوق، جبران باسيل، بيار بو عاصي، علي حسن خليل، علي قانصوه، أيمن شقير، طلال أرسلان، محمد فنيش ويوسف فنيانوس والأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل. وجرى البحث في التعديلات التقنية على خطة الانتخاب في حال أقرّت، بالإضافة إلى موضوع البطاقة الممنغطة.

صفقة البواخر

على انّ حماسة السلطة الحاكمة المفقودة حيال مقاربة الملفات المُلحّة للناس، تبدو في كامل حيويتها واندفاعاتها في مقاربة ملفات أخرى تثار حولها علامات استفهام وتُحاط باتهامات تضعها في خانة الشبهة، كصفقة بواخر الكهرباء التي بلغ إصرار بعض اطراف الحكومة حدّ الاستماتة على تمرير هذ الصفقة لصالح جهة معيّنة خلافاً للقانون ولأصول إعداد المناقصات، وعلى رغم أكلافها المرهقة للخزينة وعدم قدرتها على إنقاذ وضع الكهرباء من الانهيار الذي تعانيه.

وعلمت «الجمهورية» انّ تقرير إدارة المناقصات حول دفتر الشروط المتعلق ببواخر الكهرباء - 2، بلغ مراجع سياسية رفيعة المستوى، وقال احدها لـ«الجمهورية» إنه تعمّق في الملاحظات التي «تضمنها التقرير حول المناقصة، وأرى من الضروري الأخذ بها».

وعندما قيل للمرجع إنّ وزير الطاقة سيزار ابي خليل قد يحيل الموضوع للتنفيذ، أجاب: «لا يستطيع ذلك، الكلمة الفصل في هذا الموضوع هي لمجلس الوزراء، ونقطة على السطر».

بدوره، أوضح ابي خليل أنه «سيردّ هذا الاسبوع بكتاب على ملاحظات ادارة المناقصات»، مشيراً الى انّ «بعض ملاحظات ادارة المناقصات مقبول والبعض الآخر يتعارض مع نظام كهرباء لبنان المالي ولا يمكن تطبيقه في أي حال». وترك للبنانيين «استنتاج ما إذا كانت عرقلة البواخر تتمّ لأسباب سياسية أم لا».

وتبعاً لذلك، قال احد الوزراء المعارضين لِما سمّاها «صفقة العارض الوحيد» لـ«الجمهورية»: «ثمّة إجماع لدى خبراء واختصاصيين عدة بأنّ صفقة البواخر مفصّلة على مقاس شركة معينة، ولم نسمع من الوزير المعني سوى هجوم على إدارة المناقصات في الوقت الذي تتصدى لدفاتر الشروط المعلبة منذ سنين والمفصّلة على قياس شركة واحدة».

أضاف: «إنّ إصرار وزير الطاقة على اطلاق الصفقة، وإجرائها من قبل إدارة المناقصات، يبدو كمحاولة لإظهار انه يُجري مناقصة شفافة، فيما الواقع أنّ ما يجريه هو أقل من اتفاق رضائي. ذلك أنّ الأصول الإجرائية المتعلقة بالإتفاقات الرضائية، حتى وإن كان موضوعها: ضيافة أو لوازم مكتبية، تفرض إجراء استقصاء أسعار لدى عارضين عدة لاختيار العرض الأفضل قبل إبرام العقد».

وكشف «انّ الوزراء المعنيين سيطرحون هذا الملف امام مجلس الوزراء، فكما كنّا نشكّك في المناقصة السابقة، هناك أسباب كثيرة جعلتنا نشكّك اكثر بالمناقصة الثانية، والتي حاولنا ان نضع لها بعض الضوابط في جلسة مجلس الوزراء، لكن يبدو انّ ما طرحناه عمل البعض على تجاوزه وكأنّ شيئاً لم يكن.

وما نستغربه هو انّ الوزير المعني يدافع عن دفتر شروط يحتوي نقاطاً تفضيلية لعرض محدد بذاته، فيما الأفضلية الوحيدة المعمول بها لدى إدارة المناقصات هي الحفاظ على المال العام. أمّا أفضلية النقاط غير المشروعة، فهي تخالف قانون المحاسبة العمومية وتضرب مبدأ المساواة، الذي يشكّل أحد أهم المبادئ التي ترتكز عليها الصفقات العمومية.

كما انه بَدل السعي إلى تأمين العلنية الكاملة بالإعلان عن الصفقة لمدة كافية لتحضير العروض وتقديمها، يسعى جاهداً إلى اختصار المدة بأسبوعين أو ثلاثة، وكأنه مصرّ على ألا تُقَدم سوى عروض جاهزة إلى هذه الصفقة.

كما انه تجاهل أحكام قانون المحاسبة العمومية ونظام المناقصات، ليضع أحكاماً مالية خاصة تُجيز فتح العرض الوحيد، وقبوله سنداً لمادة ملغاة مرتكزة على السعر التقديري. وهنا نسأل الوزير هل وضع سعراً تقديرياً لهذه الصفقة وما هي تكلفتها ومن أين سيؤمّن مصادر تمويلها؟

أسئلة كثيرة نحتاج الى اجابات واضحة عنها، وخصوصاً في ما يتعلق بقرار مجلس الوزراء حول المناقصة، وهذا ما سنصرّ عليه في مجلس الوزراء، إذ عندما قرّر مجلس الوزراء إعادة المناقصة، كان الدافع وراء قراره إشراك أكبر عدد من الشركات فيها، بعدما أفضَت إلى عارض وحيد، ولذلك قرّر إتاحة المجال أمام المعامل الثابتة كما العائمة، واستعمال كل مواد التشغيل المُتاحة، الّا انّ الامانة العامة لمجلس الوزراء أصدرت قراراً مغايراً تماماً لِما اتفق عليه الوزراء وأعلن جزءاً منه وزير الإعلام.

وسار وزير الطاقة عكس الإتجاه، وتعمّد وضع دفتر شروط لا ينطبق إلّا على عارض وحيد، فأقفل الباب محكماً أمام خيارات البر، وخيارات التشغيل بالغاز الطبيعي، وتَمسّك بالمدة المعتمدة في دفتر الشروط السابق لتقديم العروض وتنفيذ المشروع، على رغم أنه عمل على مدى أشهر مع فريقه الإستشاري، ثم مع الإستشاري على تعديلها وإرفاق هذا التعديل بتسهيلات من دون الوصول إلى نتيجة.

فلماذا يريد وزير الطاقة عارضاً وحيداً؟ هل ليضع مجلس الوزراء أمام أمرٍ واقع يبرّر التعاقد رضائياً مع هذا العارض؟ هذا ما سنطلب توضيحه في مجلس الوزراء. مع التأكيد على إجراء مناقصة شفافة باعتماد خيار المنافسة الذي أوصَل عدم وجوده إلى إلغاء المناقصة السابقة».

وقال خبير قانوني مواكب لصفقة البواخر حول قانون المحاسبة العمومية وارتباطه بالصفقة لـ«الجمهورية»: «يوجب هذا القانون، كما نظام المناقصات، عدم إجراء الصفقة وبالتأكيد، عدم عقدها، إلّا إذا ثبت توفّر الإعتماد اللازم لها».

ونَبّه الى «انّ وضع واقعة عدم توفّر الإعتماد معطوفة على مشروع العقد المرفق بدفتر الشروط من شأنها أن تُلحق بالدولة وأموالها خسائر فادحة، من غرامات مالية غير مألوفة، إلى الإلتفاف على القوانين الضريبية، وصولاً إلى إكساب المتعاقد مع الإدارة أرباحاً غير مشروعة، إن من خلال ما يُعرف بمنح التوفير في استهلاك الفيول التي حظّرتها هيئة التفتيش المركزي بتوصيتها رقم 87/2013، لِما ألحقته من ضرر هائل وأكيد بالأموال العمومية، وإن من خلال عقد مُستتر تدفع الدولة من خلاله للشركة ثمن أيّ زيادة على طاقة الـ 400 ميغاواط مهما بلغ حجمها».