لا يمكن اغفال ايجابيات السياسة النقدية التي يتّبعها مصرف لبنان خلال العقدين الماضيين والتي ادت الى:
1- الحفاظ على الاستقرار النقدي رغم كل التحديات التي واجهت النقد اللبناني سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
2- لجم معدلات التضخم التي كانت تتجاوز الـ100 في المئة عام 1998 الى أقل من واحد ونصف في المئة حالياً.
3- النجاح في تطوير وتحديث وتنقية القطاع المصرفي اللبناني وتعزيز موقعه الاقليمي والدولي.
4- ارتفاع موجودات القطاع المصرفي من 13 مليار دولار الى اكثر من 200 مليار دولار في نهاية العام 2016 وظفت عبر قروض للقطاعين العام والخاص من اجل ابقاء الاقتصاد واقفاً على رجليه.
5- ارتفاع احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية من مليار دولار وتحديداً 300 مليون دولار في نهاية عهد الدكتور ادمون نعيم الى 43 مليار دولار دون احتساب قيمة الذهب الموجود لديه، وذلك لدعم تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية.
6- المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي في السنوات الاخيرة على صعيد منح قروض مدعومة ومخصصة للقطاعات الانتاجية، كما شجع المركزي في تطوير اقتصاد المعرفة الجديدة الذي ادى الى انشاء مشاريع جديدة وتأمين المزيد من فرص العمل خصوصاً للشباب، اضافة الى نجاحه في استعادة الليرة دورها في التداول.
7- كان الممول لاحتياجات الدولة، مع المصارف طيلة السنوات الماضية، عبر سندات الخزينة او اليوروبوندز او شهادات الايداع.
الجدير ذكره ان التسليفات الممنوحة من المصارف للقطاع الخاص المقيم وصلت في نهاية ايار الماضي الى ما يوازي 52058 مليون دولار، والتسليفات المصرفية للقطاع العام ما يوازي 56432 مليار ليرة.
وعلى الرغم من المغالاة احياناً في معدلات الفوائد لتثبيت سعر صرف الليرة التي ادت الى توجه الاموال نحو التوظيفات المالية، فان الارقام السابقة تدل على مدى حجم التسليفات للقطاعين وخصوصاً للقطاعات الانتاجية.
8- تمكن المصرف المركزي من تجنيب لبنان واقتصاده ازمات كبيرة خلال السنوات الـ20 الماضية بفضل سياساته المصرفية والنقدية، ومكّن القطاع المصرفي اللبناني ان يكون القطاع الوحيد في العالم الذي تجنب الخسائر عام 2008 خلال الازمة المالية العالمية.
9- تمكّن المصرف المركزي من حماية القطاع المصرفي من خلال وجود آلية لتطبيق قانون العقوبات الأميركية على حزب الله الذي صدر في العام 2015، وعمل حاكم مصرف لبنان المركزي الدكتور رياض سلامه على التخفيف قدر الامكان من القانون الجديد الذي يبدو اكثر تشدداً، وقد نجح في ذلك نظراً للثقة الدولية التي يتمتع بها وثقة السلطات الأميركية ووزارة الخزانة الأميركية.
في المقابل يقول الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني الى ان غياب السياسة المالية للدولة وعدم اقرار الموازنات العامة منذ العام 2005، والعجوزات المرتفعة وتنامي الدين وانعدام الاستقرار الامني والسياسي كلها عوامل ادت الى وصول البلد حالياً ما تعيشه اليوم.
واعتبر وزني انه في العهد الجديد، يجب ان تلعب السياسة المالية دورها الذي غاب في السنوات الاخيرة بالتعاون مع السياسة النقدية التي كانت الوسيلة الوحيدة لابعاد مخاطر انهيار الليرة في المدى المتوسط.
لكن وزني اكد ان الليرة محصنة في المدى القريب بسبب احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية التي وصلت الى 43 مليار دولار، ويعتبر بالتالي اللاعب الاكبر والاول في سوق القطاع ولن يتمكن اي لاعب آخر التلاعب بسعر الليرة، اضافة الى السيولة المرتفعة الموجودة في المصارف والتي تفوق الـ30 مليار دولار بالعملات الاجنبية، وبسبب التوزيع الآمن وسهل التسديد لاستحقاقات الدولة بالعملات الاجنبية.
وطالب وزني بضرورة اعتماد سياسة تنسيقية بين مصرف لبنان والحكومة، اي بين السياسة النقدية والسياسة المالية لضبط العجز في المالية العامة في الدرجة الاولى وبدء عمليات الاصلاحات في البنية التحتية للدولة وفي اتخاذ الاجراءات التحفيزية للنمو الاقتصادي التي قام بها مصرف لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية بقيمة تعدت الـ4 مليارات دولار.
واعتبر وزني ما يتم تداوله اليوم من ارقام هو «هرطقة اعلامية» ليس اكثر.
اما رئيس جمعية المصارف السابق الدكتور فرنسوا باسيل فاعتبر ما يتم التداول به «حكي لا يقدم ولا يؤخر» وان القطاع المصرفي الذي باتت موجوداته تتعدى الـ200مليار دولار، والليرة اللبنانية المدعومة باحتياطيات مصرف المركزي، هما بألف خير ووضعهما مريح جداً. ولكن باسيل طالب الحكومة الاهتمام بأوضاع البلد اقتصادياً واجتماعياً وتنشيط المشاريع النائمة خصوصاً بعد موافقة المجلس النيابي على قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص خصوصاً بالنسبة للكهرباء من خلال القانون 462 وقانون 188 لانتاج الكهرباء بحيث يقوم القطاع الخاص بادارة هذا المرفق على ان تكون الرقابة والشفافية من قبل الدولة اللبنانية، مع العلم ان الكهرباء كانت تربح عندما كان القطاع الخاص يديرها منذ العام 1962.
وحول الهندسة المالية التي قام بتنفيذها مصرف لبنان قال باسيل: لو لم يقم المركزي بذلك لكان «طار البلد» خصوصاً في ظل الفراغ الرئاسي والدولة عليها استحقاقات قدرت بـ 2 مليار و500 مليون دولار أميركي.
الجدير ذكره ان الهندسة المالية كانت ضرورية في الظروف التي أطلقها مصرف لبنان وذلك لتعزيز احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية التي تراجعت بشكل كبير جداً حيث تحول ميزان المدفوعات من فائض يقارب 3 مليار دولار الى عجز يفوق الـ3.5 مليار دولار، لذلك كانت ضرورية رغم ان ارباح المصارف قاربت الـ5.6 مليار دولار.
لذلك كان يفترض على الحكومة ان تفرض ضريبة استثنائية على هذه المداخيل الاستثنائية للمصارف بمعدل 30 في المئة بدلاً من 15 في المئة ولكانت أمنت ملياراً ونصف المليار دولار بدلاً من 750 مليون دولار.
الجدير ذكره ان مصرف لبنان بصدد اصدار مؤشرات واحصاءات حول الوضع النقدي والمصرفي قريباً.