بعيدًا عن الجدل العقيم الدائر في البلد على خلفية تحرير جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية من الجماعات الإرهابية التي كانت تحتلها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتشكل منطلقًا لعمليات تفخيخ السيارات وتفجيرها في أماكن مدنية في القرى والمدن البقاعية وفي العاصمة بيروت ومراكز وحواجز للجيش اللبناني، ومبعث قلق وخوف لسكان البلدات اللبنانية القريبة من الحدود السورية، وانقسم اللبنانيون كعادتهم حول أي قضية أو أزمة، فالبعض اعتبر التحرير نصرًا تم تحقيقه ويجب أن يتم تسجيله على لائحة شرف الوطن بإستعادة السيادة على منطقة كانت خاضعة لهيمنة وابتزاز ارهابيين مارسوا الإجرام بأبشع صوره قتلًا وذبحًا واغتصابًا وترويعًا وتهجيرًا، وارتكبوا مجزرة ذبح العسكريين بعد اختطافهم ظلمًا عدوانا وبدون وجه حق، فقط لأرواء غليلهم بإستباحة المحرمات وإهدار الدماء البريئة وازهاق الأرواح وخنق الأنفاس.
إقرأ أيضًا: لحظة حداد على الوطن
وأما الفريق الآخر فقد اعتبر أن النصر لم يتكامل فصولًا خصوصًا في فصله الأخير الذي تم خلاله أحكام السيطرة على فلول الإرهابيين وحصرهم في مساحة جغرافية لا تتعدى مساحتها العشرين كيلو متر مربع.
وبدلا من متابعة المعركة فقد دخل الجيش اللبناني ومعه حزب الله وبالتنسيق مع الجانب السوري دخل في مفاوضات مع تنظيم داعش اتخذت شكل الصفقة المشبوهة لغياب التوازن في ميزان القوى الذي كان لمصلحة الدولة اللبنانية، والتي أفضت إلى تأمين حماية ترحيل مسلحي داعش البالغ عددهم بالمئات مع عوائلهم وبسلاحهم في باصات تولى الجانب السوري تأمينها من الجرود بإتجاه منطقة دير الزور القريبة من الحدود العراقية، حيث ترددت أصداء هذه الصفقة داخل المجتمع العراقي فبادرت شرائح عراقية شعبية واسعة للتعبير عن امتعاضها واستنكارها لنقل هؤلاء الإرهابيين وزرعهم على حدود دولتهم التي تخوض حروبًا شرسة للقضاء على خلافتهم وتحرير بلادهم من خطر الإرهاب الداعشي.
إقرأ أيضًا: صفقة مشبوهة وقسمة ضيزى
وفي تطور لافت فقد أقدم الطيران الحربي الأميركي على قطع الطريق عن قافلة الإرهابيين بقصف جسر عبور لهذه القافلة فعادت أدراجها ودخلت هائمة في صحراء البادية السورية بحماية مسلحي حزب الله وقوات من الجيش السوري ورعايتهم تحت عنوان الجانب الأخلاقي والإنساني الذي يقتضي حماية الأسير والإعتناء به ورعايته ولو كان إرهابيا ومتورطا بجرائم قتل وذبح واغتصاب موصوفة، علمًا بأن الجانب الأخلاقي والإنساني كان غائبًا عند استخدام النظام السوري البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين وعند تهجير أهالي بلدة القصير واحتلالها من قبل مسلحي حزب الله.
هذه المشاهد من فصول معركة تحرير الجرود أدخلت البلد في جدال لا طائل منه، ولكنه يفتح الطريق لمطالبة القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية وبالتنسيق مع حزب الله لإستعادة الأمن المفقود في البلد وخصوصًا في منطقة بعلبك الهرمل التي تعيش واقعًا حياتيًا شاذا يفرضه السلاح المتفلت والرصاص الطائش الذي يحصد حياة مدنيين أبرياء، بحيث يكاد لا يمر يوم دون حصول أشكال او خلاف بين طرفين يتسبب في وقوع قتلى وجرحى.
إقرأ أيضًا: التحضير لمعركة الجرود أكبر من المعركة.
فالدولة اللبنانية التي أنجزت جهادها الأصغر بتحرير منطقة عزيزة على الوطن من رجس الإرهاب، مطالبة وحتى تتكامل فصول انتصارها الدخول في غمار الجهاد الاكبر والذي يتمحور حول إستعادة حقوقها وتفعيل عمل أجهزتها الأمنية والعسكرية والقضائية، وفرض الأمن والاستقرار في ربوع الوطن، وملاحقة العابثين بحياة الناس وإحياء ميزان العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب للعبور إلى وطن الحرية والكرامة والإستقلال، والتحرر من قيود التبعية للخارج، وعدم الارتهان للطائفة والمذهب والفئة، والدخول إلى رحاب المواطنة المفقودة والتنعم بصيغة العيش المشترك، فهذا هو التحدي الذي يواجه الدولة اللبنانية وهذا هو الجهاد الاكبر.