باكراً بدأ النائب سليمان فرنجية حركته الانتخابية. اختار الانطلاق من بعيد، لتأكيد اتساع حضوره، فهو لم يعد يريد الإنحصار في زغرتا، أو في الشمال. بدأ فرنجية حراكه السياسي الإنتخابي من جزين، في الجنوب. تتجلى الرمزية هنا، بعوامل عدة، أولها أن القضاء بأغلبيته المسيحية، يضم نموذجاً من التعايش الطائفي، ولطالما اعتبر منذ العام 2009 عرين التيار الوطني الحر انتخابياً، لكن مع القانون الجديد والتحالفات الجديدة، أصبحت إمكانية التغيير قائمة. وإلى جانب رمزية التيار الوطني الحر في المنطقة، لا يمكن إغفال الميزان الذي تتكفل بإمالته أصوات مناصري حركة أمل وحزب الله، إضافة إلى دخول عامل جديد وهو صيدا.
لأسباب عدة لم يختر فرنجية زيارة البترون أو كسروان، فإمكانية زيارته تلك المناطق إمكانية قائمة في أي وقت. أراد إيصال رسالة واسعة عن حجم مشاركته في الانتخابات النيابية المقبلة، ليس بالضرورة من قبل حزبيين في تيار المردة، بل إلى جانب أصدقاء وحلفاء، كحال زيارته جزين، والمرشّح إبراهيم عازار، نجل النائب الراحل سمير عازار. لم يختر فرنجية إحداث ضجة إعلامية لزيارته، بل أرادها أن ذات مغزى سياسي وليس إعلامياً.
حسبما يؤشر اتجاه رياح التحالفات، فإن فرنجية سيكون داعماً أو شريكاً في كل اللوائح التي تواجه لوائح التيار الوطني الحرّ التي سيختار مرشيحها الوزير جبران باسيل. سيعمل فرنجية على تشكيل كتلة نيابية، متجانسة سياسياً، لا مناطقياً، ولا حزبياً. وفي ظل القانون الجديد، يعتبر أن بإمكانه تشكيل كتلة نيابية تتناسب مع حجمه وحجم تحالفاته، لأنه لم يعد يرضى بأن يختصر بثلاثة نواب في الشمال.
صحيح أن المعنيين في هذه الزيارة يحرصون على تأكيد أن الزيارة تتسم بالطابع العائلي، إلا أن البعد الأساسي لها هو سياسي، ويستند إلى أرقام في التصويت وفق القانون الجديد وما سيفرزه من نتائج. ففي الانتخابات الفرعية الماضية التي شهدها قضاء جزين، وتنافس فيها النائب أمل أبو زيد مع عازار، حصل أبو زيد على نحو 14 ألف صوت، فيما حصل عازار على 7 آلاف صوت. الأصوات التي حظي بها أبو زيد، كانت عبارة عن تحالف عريض، بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الله، حتى أن الأصوات التي كان يحصل عليها عازار من جبل الريحان، من حركة أمل، لم يحصل عليها كما يجب. بالتالي، واجه عازار هذا التحالف العريض وحيداً. اليوم، هذه الأرقام تقول إن عازار هو المرشّح الوحيد الذي أصبح ضامناً نيابته، لأن نسبة الأصوات التي حظي بها تعادل نسبة خمسين في المئة، فيما الأصوات التي صبّت لمصلحة أبو زيد، ستتوزع على ثلاثة مرشحين من قبل التيار الوطني الحرّ، بفعل الصوت التفضيلي. بالتالي، فإن عازار سيتقدم على الجميع.
حتى الآن، التحالفات في تلك المنطقة، وغيرها من المناطق لم تتضح بعد، ولا شك أن الكتل النيابية كلها تواجه صعوبات كبيرة في كيفية نسج التحالفات في القضاء، فهناك كلام عن إمكانية تحالف تيار المستقبل مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، لكن ذلك غير ثابت بعد، خصوصاً أن التيار الوطني الحر يريد ترشيح ثلاثة مرشحين مقابل اثنين للمستقبل، الأمر الذي ترفضه القوات، واستبقه رئيسها سمير جعجع بإعلان ترشيح عجاج الحداد عن المقعد الكاثوليكي. ستدخل مشاروات ما قبل التحالفات في بازار كبير، لسحب مرشحين لمصلحة آخرين، أو ربما سيتوسع تشكيل اللوائح، بحيث لا تنحصر باثنتين إنما قد تتشكل ثلاث.
التيار الوطني الحر يحافظ على علاقته وتواصله مع النائب أسامة سعد، تحسباً لحصول أي طارئ. وفي حال وقع الخلاف مع المستقبل، فإن الأخير سيتحالف مع القوات وعازار لمواجهة التيار الوطني الحر. إلا أن التيارين الأزرق والبرتقالي يحرصان على عدم المواجهة انتخابياً في أي دائرة من الدوائر. ولكن، الاحتمالات كلها لا تزال مفتوحة.
إشارة فرنجية من خلال زيارته جزين، تتركز على تأكيده أنه سيخوص الانتخابات في العديد من الدوائر، ولن تقتصر ترشيحاته على دائرة الشمال الأساسية، أي بشري، زغرتا، الكورة والبترون. بل سيرشّح في كسروان وجبيل، أصدقاء ومقربين وليس بالضرورة محازبين. كذلك الأمر بالنسبة إلى بيروت وبعبدا. فالانتخابات المقبلة قد تجمع كثيرين من المسيحيين وغير المسيحيين، لمواجهة تيار باسيل وتمدده، والهدف الأساسي خلالها سيكون تحجيم تكتل باسيل النيابي، لمصلحة كتل أخرى، تحرمه الإدعاء بأنه الممثل المسيحي الأكبر والأوسع.