كخبير تفكيك ألغام، ينتقل التربويّون من عقدِ اجتماعٍ إلى جلسةٍ مقفلة وأخرى مفتوحة مروراً بمؤتمر صحافي، لتفكيك قنبلةِ زيادة الأقساط في قطاع التعليم الخاص، التي انفجرَت بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب. إجتمعَت أمس للمرّة الأولى لجنة الطوارئ التي أعلنَ وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة عن تشكيلها منتصَف الأسبوع المنصرم، فيما ينطلق المؤتمر السنوي للمدارس الكاثوليكية «الراعوية المدرسية» اليوم، وسيَبرز موقف للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يشدّد «فيه على تعديل السلسلة لتصبح عادلة»، وفق ما كشفَه مصدر خاص لـ«الجمهورية».كم ستبلغ الزيادة على الأقساط؟ هل ستنطلق السنة الدراسية في موعدها؟ أبرزُ سؤالين يتردّدان على ألسنة أهالي تلاميذ القطاع الخاص، فيما الأساتذة في حيرةٍ من أمرهم «هل سننال الدرجات التي أقِرّت لنا بموجب السلسلة»؟
لجنة الطوارئ
حيال الفوضى التي تكتنف مطلع السنة الدراسية، وبعد اجتماع اتّحاد المؤسسات التربوية على مختلف طوائفها ومذاهبها في (22 آب الماضي) والتي تضمّنت أبرزُ مقرّراتها «إمّا تأجيلَ تطبيق الزيادات المقرّرة للسنة الدراسية المقبلة، أو أن تساهم الدولة في تغطية الزيادة على الأقساط في كلّ المدارس الخاصة، الناجمة عن الزيادات في الرواتب للعام 2017- 2018 لسنة واحدة».
ترَأس حمادة الاجتماع الأول للجنة الطوارئ التي شكّلها برئاسة مدير عام الوزارة فادي يرق، للتوصّل مع الأهالي والتربويين إلى قراءة موحّدة للقانون 515، الذي ينظم الموازنة المدرسية، بما فيها من مصاريف ورواتب للمعلمين وأقساط مدرسية.
وضمّ الاجتماع نقيبَ المعلمين رودولف عبود ونائبَه وليد جرادي، أربعة ممثّلين عن اتّحاد «المؤسسات التربوية الخاصة» وممثّلي اتّحاد لجان الأهل في كسروان والمتن وبيروت.
كواليس الاجتماع
إستمرّ اجتماع لجنة الطوارئ المغلق لأكثر من ساعتين، وفي هذا السياق يوضح مصدر خاص مواكب للاجتماع لـ«الجمهورية»: «أنّ كلّ طرف مشارك أدلى بهواجس الجهة التي يمثّلها، يمكن إعطاء اللقاء درجة الجيّد، المساحات المشتركة أكبر من النقاط المختلف حولها، وبما أنّ النوايا حسنة فلا يمكن التخوّف من الوصول إلى حائط مسدود، أو التوقّف عند «نَق» الأطراف من المسائل التي تزعجها».
ويضيف: «على لغة الأرقام والدراسات الحسم في مسألة الأقساط، فهي تكرّس مبدأ الشفافية وتمنَح كلّ طرف حقّه»، مثنِياً على «خريطة الطريق الاستقصائية التي أعدّها حمادة»، قائلاً: «هي تضمن الوصولَ إلى حلول عقلانية ليس على حساب أحد، «لا من كيس المعلّمين ولا من جيب الأهالي».
في سياق متّصل، يقول مصدر مسؤول آخَر رفضَ الكشفَ عن إسمه، «إنّ الاجتماع كان بمثابة حفرِ الأساس، وتصويبِ البوصلة، كلُّ طرف أدلى بما لديه وسط أجواء جيّدة، بدا أنّ الوجع نفسَه لدى جميع الأطراف، بصرف النظر عن التباينات في قراءة النسَب والزيادة المفترضة».
وعمّا إذا يمكن الحديث عن تقدُّم في نقطة معيّنة، أجاب: «التقدّم الوحيد الذي أحرِز هو جمعُ الأطراف المتحاورة، من أساتذة إلى الأهل والوزارة والإدارات الخاصة، يبقى التقدّم الفعلي و»الحكي الجدّي» في اجتماع اللجنة الخميس المقبل».
وبعد انتهاء اجتماع لجنة الطوارئ قال حمادة: «لسنا على خصام، ويتمّ البحث جماعياً عن الحلول، لا يمكننا أن نطلبَ من الأساتذة التنازلَ عن حقوقهم أو أن نترك الأهل «لا معلّقين ولا مطلّقين»، كما لا يمكن أيضاً أن ندع المدارسَ عرضةً للإفلاس».
وأضاف: «هناك حلول يجب النقاش فيها بين إدارات المدارس ولجان الأهالي، هذا الاجتماع هو الأوّل من سلسلة اجتماعات، يليه اجتماع يوم الخميس المقبل بعد الظهر لكي يكون قد تسنّى لي وضعُ مجلس الوزراء في ما تداوَلناه».
خريطة الطريق
وكان حمادة قد عرَض قبل الاجتماع المغلق ورقةً، وصَفها بـ«خريطة الطريق»، قائلاً: «نحن لسنا أبداً في حرب مع التعليم الخاص، ولسنا في صَدد التحامل عليه ولا التآمر عليه… تَهمُّنا حقوق المعلّمين الذين انتظروا لسنوات هذه السلسلة، أمّا لجان الأهل فهم الذين يَدفعون الفاتورة في كلّ الأحوال، ولا أستطيع إلّا أن أكونَ متعاطفاً معهم حتى لا يتحمّلوا كلَّ النتائج».
وأضاف: «نَسمع من يقول أن تدفعَ الدولة عن الجميع، وهذا الطرح غير قابل للتطبيق لأسباب عديدة. أوّلها ما نَعتبره تعدّياً على الدستور وعلى حرّية التعليم الخاص وخصوصيته.
كذلك فإنّنا غير مرتبطين بمعلّمي القطاع الخاص بأيّ علاقة تعاقدية مماثلة لأساتذة القطاع العام»، مشيراً إلى أنّ «الدولة قادرة على تغطيةِ جميع المتعلّمين إذا انتسبوا إلى التعليم الرسمي».
وأبرز ما تضمّنته الخريطة:
• إستيفاء القسط الأول، على ألّا يتجاوز 30 في المئة من القسط السنوي للسنة الدراسية السابقة، وذلك كدفعةٍ على الحساب في انتظار نتائج الحوار والدراسات الجارية.
• في حال فرَضت المدرسة رسماً للانتساب إليها أو التسجيل، فلا يجوز أن يتعدّى هذا الرسم 10 في المئة من قيمة قسط السنة السابقة، ويجب في مطلق الأحوال اعتباره جزءاً من أصل القسط السنوي المتوجّب.
• إعتبار السنوات الخمس الماضية، مادةً استقصائية لتحديد تطوّرِ الأقساط وأسبابها.
المطران رحمة: «محسومة»
في وقتٍ تُواصل لجنة الطوارئ اجتماعاتها، ينتظر الأهالي بفارغ الصبر ما يمكن أن يحمله اجتماع الخميس لجهة إمكانية تحديد هامش الزيادة على الأقساط وسقفٍ منطقيّ لها.
بالنسبة إلى المدارس الكاثوليكية، يوضح رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة لـ«الجمهورية»: «أنّنا لن نتبنّى أيَّ زيادة تؤلم الأهالي.
موقفُنا محسوم، كلجنةٍ أسقفية لا نعترف بالسلسلة طالما هي ليست عادلة وغير ممكنة». ويوضح: «من جهتنا سنَعتبر السلسلة غيرَ موجودة إلى حين تعديلِها بشكل منطقي عادل».
أمّا عن قصده من التعديل، فيجيب: «أي إمّا أن تموّلَ الدولة الزيادة التي فرضَتها، أو تُخفض الدرجات الاستثنائية التي منَحتها للأساتذة». ويتابع: «سنضيف «الزودة الطبيعية غير المؤلمة» للأهالي نظراً إلى أنّ الأساتذة يتقدّمون كلّ سنتين درجة ووفقَ الأقدمية من 1 إلى 52 درجة، في الماضي كانت قيمة الدرجة 35 ألف ليرة، وباتت وفق القانون الجديد 50 ألف ل.ل، لذا تلقائياً تشهد الأقساط زيادةً تبقى منطقية من دون احتساب الدرجات الاستثنائية التي تطرّقت لها السلسلة».
أمّا عن الصياغة التي تمّ التوصّل إليها مع الأساتذة في المدارس الكاثوليكية، فيوضح رحمة: «لا شكّ في أنّ كلّ أستاذ يحلم براتب 5 آلاف دولار، ونحن لا نُنكِر جميلَ كلّ من تعبَ وسهر، ولكن هناك منطق ومسؤولية تجاه الأهل وتجاه ثقتِهم بمدارسنا، لذا سنجلس مع الأساتذة الذين كبروا معنا وتوسّعنا بفضلِهم لنناقشَ الأزمة بحسب كلّ مدرسة ونوضح لهم الحقوقَ التي بوسعنا تقديمها لهم وتلك التي نعجز عنها».
«الراعوية المدرسية» اليوم
رغم أنّ المؤتمر السنوي يحمل عنوان «الراعوية المدرسية في المدارس الكاثوليكية – رؤية ومسارات»، ويستمرّ ليومين (5-6 أيلول)، ولا علاقة له مباشرةً بالمشكلة العامة التي يواجهها قطاع التعليم الخاص، لكنّ القيّمين عليه لن يفوّتوا فرصة توجيهِ الرسائل والتحذير من السلسلة غير العادلة.
في هذا السياق، يَلفت مصدرٌ مواكبٌ المؤتمرَ لـ«الجمهورية»، إلى «أنّ الكلمات الرئيسية في المؤتمر لن تتجاهل الأزمة المرافقة للسنة الدراسية والفوضى التي استجدّت من إقرار السلسلة في شكلٍ غير مدروس». ويَلفت إلى أنّ «خطاب البطريرك الراعي سيكون واضحاً لجهة المطالبة بتعديل الأمور لتصبحَ أكثر واقعية وممكنة»، مضيفاً: «بَس يصير في تشريع حقيقي للدولة اللبنانية نحن أوّل من يطيع».