وجهت دول إسلامية، أمس، انتقادات حادة لبورما (ميانمار) ورئيسة حكومتها اونغ سان سو تشي بسبب ما تتعرض له أقلية الروهينغا التي تصنفها الأمم المتحدة بـ«الأقلية الدينية الأكثر اضطهادًا في العالم»، من ممارسات ترقى الى «جرائم ضد الانسانية»، وذلك منذ سنوات بعيداً عن عيون العالم وضميره.
وجاءت الانتقادات الاسلامية بالتزامن مع اعلان الامم المتحدة لجوء أكثر من 90 ألفا من الروهينغا الى بنغلادش، في حين ينتظر نحو عشرين ألفا آخرين العبور بعد اشتداد المعارك بين متمردين والقوات العسكرية البورمية في ولاية أراكان (راخين) غرب البلاد التي تشهد صراعا داميا.
وأراكان (راخين) هي إحدى أكثر ولايات بورما فقرًا ويبلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين من أصل 55 مليون نسمة هم عدد سكان بورما، وتشهد منذ عام 2012 أعمال عنف بين البوذيين والمسلمين، ما تسبب في مقتل مئات الأشخاص وتشريد أكثر من مائة ألف.
وتعتبر بورما الروهينغا «مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش» بموجب قانون أقرته عام 1982، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بـ«الأقلية الدينية الأكثر اضطهادًا في العالم».
وأطلق جيش بورما حملة عسكرية في 8 تشرين الأول الماضي، شملت اعتقالات وملاحقات أمنية واسعة في صفوف السكان في «أراكان»، خلّفت عشرات القتلى في أكبر موجة عنف تشهدها البلاد منذ عام 2012.
وهز انفجاران منطقة على جانب الحدود مع بنغلادش وصاحبهما دوي إطلاق نار وتصاعد دخان أسود كثيف مع استمرار أعمال العنف.
وقال جنود بحرس الحدود في بنغلادش إن امرأة فقدت ساقها في انفجار وقع على مبعدة 50 مترا داخل أراضي بورما ونقلت إلى بنغلادش للعلاج. وسمع مراسلون دوي الانفجارين وشاهدوا دخانا أسود يرتفع قرب قرية.
وصور لاجئ من الروهينغا ذهب إلى موقع الانفجار ما بدا أنه لغم عبارة عن قرص معدني قطره عشرة سنتيمترات ونصفه مدفون في الطين. وقال إنه يعتقد أن اثنين آخرين مدفونان في الأرض أيضا. وقال لاجئان إنهما شاهدا أفرادا من جيش ميانمار في الموقع قبل الانفجارين مباشرة.
وطالب أخيراً أكثر من 12 من حاملي جائزة «نوبل» للسلام، مجلس الأمن الدولي بالتدخل لتفادي المأساة الإنسانية، والتطهير العرقي والانتهاكات الحقوقية في بورما.
وكانت الأمم المتحدة اتهمت مرارا قوات الأمن في البلاد بارتكاب خروق مروعة قد ترقى إلى «جرائم ضد الإنسانية» في إقليم أراكان، غربي البلاد.
ففي مطلع شباط الماضي قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوغريك، إن «السلطات الأمنية في ميانمار ارتكبت خروقا جسيمة لحقوق الإنسان في أراكان اشتملت على جرائم قتل واغتصابات جماعية واختفاء قسري وقد ترقى تلك الجرائم إلى جرائم ضد الإنسانية».
ونقل تقرير حديث للأمم المتحدة شهادات للمئات من أقلية الروهينغا، تضمنت الحديث عن أساليب القتل والتعذيب والإرهاب التي يتعرض لها أبناء الأقلية المسلمة في إقليم أراكان.
ونقل التقرير عن شهود صور ممارسات فظيعة، شملت القتل بأساليب مختلفة، والخطف والإخفاء والتعذيب، عدا عن الاغتصاب والاعتداءات الجنسية بحق النساء، وقتل الأطفال والرضع، وطعن الحوامل بهدف قتلهن وقتل أجنتهن.
ووصف التقرير تلك الممارسات بأنها «ترقى إلى جرائم حرب وممارسات التطهير العرقي».
وأصدرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» (غير حكومية) تقارير تتضمن صوراً جوية لقرى شمالي إقليم أراكان، يظهر فيها بوضوح تعرض المباني والمنازل للحرق حتى تسوى بالأرض.
وتتعرض اونغ سان سو تشي، التي سبق أن عاشت معاناة السجن والاقامة الجبرية في عهد المجلس العسكري الذي كان يحكم بورما سابقا، الى انتقادات متزايدة بسبب امتناعها عن إدانة طريقة التعامل مع الروهينغا أو انتقاد الجيش.
ولم تدل سو تشي التي منحت جائزة نوبل للسلام في 1991، بأي تصريح منذ اندلاع المواجهات الأخيرة قبل عشرة أيام.
وتهدد الازمة العلاقات الديبلوماسية لبورما ولا سيما مع الدول ذات الاكثرية المسلمة في جنوب شرق آسيا، حيث يتصاعد الغضب الشعبي ازاء المعاملة التي تلقاها أقلية الروهينغا.
وطالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، زعماء العالم ببذل المزيد لمساعدة الروهينغا الذين يواجهون ما وصفه بإبادة جماعية.
وقال إردوغان في اسطنبول خلال مشاركته في جنازة جندي تركي: «لقد شاهدتم الوضع الذي فيه ميانمار والمسلمون... شاهدتم كيف أحرقت القرى... وظلت البشرية على صمتها على المذبحة في ميانمار».
وأضاف أن تركيا ستثير القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الشهر. وكان إردوغان بحث العنف مع نحو 20 من زعماء العالم بوصفه الرئيس الحالي لمنظمة التعاون الإسلامي.
وقال «بعض القادة يمكننا تحقيق نتائج معهم والبعض لا يمكننا أن نحقق نتائج معهم. ليس الكل على نفس القدر من الحساسية. وسنؤدي واجبنا». وأضاف أن تركيا تواصل تقديم مساعدات في المنطقة.
وأعلنت جزر المالديف أمس قطع علاقاتها التجارية مع بورما «الى ان تتخذ حكومة بورما اجراءات تردع الاعمال الوحشية التي ترتكب ضد الروهينغا المسلمين»، بحسب بيان لوزارة الخارجية.
وسعى وزير خارجية اندونيسيا ريتنو مرصودي أمس لدى لقائه قائد الجيش البورمي الجنرال مين اونغ هلينغ في نايبيداو للضغط على الحكومة البورمية من اجل ضبط هذه الأزمة.
وقال الرئيس الاندونيسي جوكو ويدودو أول من أمس لدى اعلانه عن المهمة التي يقوم بها وزير خارجية البلاد: «مرة جديدة يجب ان يتوقف العنف وهذه الازمة الانسانية فورا».
واعلنت وزارة الخارجية الباكستانية عن «قلقها البالغ حيال تقارير تفيد بارتفاع عدد القتلى والمهجرين قسرا من الروهينغا المسلمين». وطالبت الوزارة بورما بفتح تحقيق بشأن تقارير حول ممارسة اعمال وحشية ضد تلك الاقلية.
وفي تغريدة له على تويتر انتقد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف «الصمت الدولي حيال العنف المستمر ضد الروهينغا المسلمين»، وقال ان «التدخل الدولي ضروري من اجل تفادي المزيد من التطهير الاتني، على الامم المتحدة ان تتحرك».
وفي ماليزيا تشهد البلاد ذات الغالبية المسلمة تظاهرات منذ انطلاق الجولة الاخيرة من اعمال العنف في بورما.
وتساءل وزير الخارجية الماليزي حنيفة أمان عن سبب صمت سان سو تشي: «بصراحة انا مستاء من اونغ سان سو تشي. (في السابق) دافعت عن مبادئ حقوق الانسان. الآن يبدو انها لا تحرك ساكنا».
كما ألغت قرغيزستان ذات الغالبية المسلمة الاثنين مباراة كانت مقررة الثلاثاء في اطار تصفيات كأس آسيا لكرة القدم مع بورما، تخوفا من «عمل ارهابي محتمل» وسط قلق متزايد بشأن أقلية الروهينغا.
وفي الشيشان، تجمع مئات آلاف المتظاهرين في العاصمة غروزني بدعوة من رئيس الجمهورية الروسية في القوقاز رمضان قديروف، للاحتجاج على اضطهاد اقلية الروهينغا.
وصرحت الناشطة الباكستانية والحائزة على نوبل السلام ملالا يوسفزاي والتي افلتت من الموت بعد ان اطلق طالبان النار عليها ومعاناتها من اصابة بالرصاص في الرأس: «قلبي ينفطر كلما شاهدت الاخبار، قلبي ينفطر ازاء معاناة الروهينغا المسلمين في بورما».
وفي تونس اعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي اثر لقائه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي انه استعرض مع الرئيس أوضاع المسلمين في بورما و«أهميّة تحسيس المجتمع الدولي بضرورة وضع حد لمعاناتهم».
واعلنت شبكة البي بي سي وقف خدمتها باللغة البورمية للتلفزيون البورمي منددة بفرض «رقابة» عليها في بلد يشكل فيه التطرق خصوصا الى أقلية الروهينغا المسلمة من المحظورات.
ولطالما حذر محللون من ان طريقة تعامل بورما مع الروهينغا ستؤدي الى تمرد في داخل البلاد وقد تدفعهم للتطرف والاستعانة بمنظمات خارجية.
ومنذ اندلاع المعارك الاخيرة دعا «القاعدة» في اليمن الى تنفيذ هجمات انتقامية ضد بورما فيما دعت حركة طالبان افغانستان، المسلمين الى «استخدام امكانياتهم لمساعدة المسلمين المضطهدين في بورما».
ويقول المدافعون عن سان سو تشي ان قدرتها محدودة في السيطرة على الجيش البورمي الذي بحسب الدستور الذي وضعه المجلس العسكري، لا يخضع عمليا الى اي رقابة مدنية.
وتعتبر بورما الروهينغا مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش وترفض منحهم الجنسية رغم استقرارهم في هذا البلد منذ أجيال، ما يجعل التضامن معهم عملية لا تلقى اي شعبية في الداخل. في المقابل يرى منتقدو سان سو تشي التي تتمتع بشعبية وسلطة اخلاقية، انها تسبح عكس التيار في هذه القضية.
المستقبل : محنة الروهينغا تتفاقم والقلق الإسلامي يتصاعد
المستقبل : محنة الروهينغا تتفاقم والقلق الإسلامي...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
295
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro