الجولة شملت السعودية وقطر والأردن والإمارات العربية المتحدة ومصر إضافة طبعاً الى كل من إسرائيل وفلسطين. والظروف التي تمّت فيها الزيارة لا تدعو الى التفاؤل بتحقيق اختراقأ او مفاجآت لأسباب عديدة أهمّها:
أولاً، على صعيد أصحاب العلاقة:
• إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو غير جاهزة في الوقت الحاضر لأيّ تنازل عن مواقفها المتباينة مع الموقف الفلسطيني، إذ إنّ نتنياهو لم يوفّر فرصة إلّا وأظهر تصلّبه ضد الفلسطينيّين متذرِّعاً بحجج واهية لتجنّب القيام بأيّ مفاوضات، وذلك ربما للمضي في بناء المستوطنات غير الشرعية، وهذا ما يجعل الفلسطينيين غير جاهزين للتفاوض في ظل استمرار النشاط الإستيطاني.
يضاف إلى ذلك أنّ نتنياهو حالياً موضع تحقيقات جدّية بتهمة الفساد ما قد يؤدّي الى إزاحته من رئاسة الوزارة، وهذا ما يحمله على المضي في اتّخاذ مواقف أكثر تصلّباً إرضاءً لقاعدته اليمينية التي يحتاج الى دعمها.
• الفلسطينيون بقيادة محمود عباس ليسوا في وضع يمكنهم من تقديم أيّ تنازلات إضافية إرضاءً للجانب الإسرائيلي، وعباس في موقف ضعيف بسبب الإنقسام القائم منذ سنين بين فلسطينيّي الضفة بقيادة حركة «فتح» وفلسطينيّي غزة بقيادة «حماس»، كما أنه يلاقي منافسةً جدّية لزعامته من أطراف يسعون إلى إزاحته.
ثانياً، على صعيد الوسيط الأميركي:
على الرغم من الوعود الجازمة التي أطلقها ترامب حتى بعد تسلّمه الرئاسة بأنه سوف يحلّ القضية عبر تحقيق «صفقة نهائية» على حدّ تعبيره، إلّا أنّ ذلك لا يبدو قريبَ المنال للأسباب الآتية:
• عدم وجود استقرار في البيت الأبيض نتيجةً لتغييرات عديدة ومتتالية على مستوى كبار الموظفين والمستشارين، علماً أنّ ترامب يخضع حالياً لتحقيقات جدّية سواءٌ من قبل لجان في الكونغرس أو من قبل محقّق خاص للتأكد من حقيقة التهم الموجَّهة الى حملته الإنتخابية بالتواطؤ مع روسيا لفوزه في الانتخابات الرئاسية، وهي تهمة خطيرة قد تعرّض رئاسته لاهتزازات قوية في حال ثبوتها. هذا بالإضافة الى قلّة خبرته السياسية، خصوصاً في ما يعود لشؤون الشرق الأوسط.
• الفريق الذي اختاره ترامب لإدارة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية برئاسة صهره جارد كوشنير، الذي هو ايضاً كبير مستشاري الرئيس الأميركي، لا يدعو الى كثير من الثقة. خبرة كوشنير الذي لا يزيد عمره عن 36 عاماً تقتصر على الأعمال والصفقات العقارية، كما أنّ علاقته بالشرق الأوسط لا تتعدّى دعم والده ودعمه الشخصي المادي والمعنوي للمستوطنات غير الشرعية وعلاقته العائلية القديمة بنتنياهو عندما كان هذا الأخير قنصلَ إسرائيل العام في نيويورك ثمّ مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة.
• أما بقية أعضاء الفريق المفاوض فهم جايسون غرينبلات الذي كان أحد كبار محامي ترامب ومستشاره للشؤون الإسرائيلية، وهو، مع تأييده لحلّ الدولتين، يرى أنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تشكّل عائقاً للسلام في المنطقة كما أنّه من اليهود الذين تابعوا بعض الدراسات في إحدى المدارس اليهودية في الضفة.
والسيدة دينا حبيب باول من أصل مصري سبق أن عملت في إدارة الرئيس جورج بوش الإبن وهي تشغل حالياً وظيفة نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية، ويبقى أخيراً السفير الأميركي لدى إسرائيل الذي هو ليس عضواً رسمياً في الوفد ولكنّه يلعب دوراً مهماً بسبب إقامته في إسرائيل وهو من غلاة المتشدّدين والداعمين للإستيطان غير الشرعي وقد قدّم تبرّعات ملموسة الى المستوطنين ولا يخفي تأييدَه لضمّ إسرائيل قسماً من الضفة الغربية، كما أنه من أشدّ المتحمّسين لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
ثالثاً: على صعيد سائر المعنيين بالقضية:
• الإتحاد الأوروبي غارق في قضايا الإرهاب الذي يقضّ مضاجع عدد من دوله، وهو في الوقت نفسه منشغل في مشكلات الهجرة غير الشرعية إليه وموضوع اللاجئين، كما أنه منغمس في مفاوضات خروج بريطانيا من كنفه وكل هذه الأمور تحول دون تمكّنه من تخصيص الوقت والجهد الكافيَين للإهتمام بمسألة الشرق الأوسط، إضافة الى أنّ إسرائيل لا تحبّذ التدخّل الأوروبي في هذه القضية.
• جامعة الدول العربية التي من المفروض أن تلعب دوراً بارزاً في دعم القضية الفلسطينية غائبة غياباً تاماً عن الساحة بسبب الشلل الذي أصابها من جراء الخلافات العربية والحرب السورية خصوصاً.
• الدول التي زارها فريق السلام لا تستطيع تقديم أكثر من الدعم الكلامي لتحرّكات الفريق الأميركي، فالسعودية منشغلة بحربها في اليمن وبخلافها مع قطر وبسوء علاقاتها مع إيران، أما مصر فهي منزعجة كثيراً من تخفيض وتجميد بعض المساعدات الأميركية لها وليس هنالك من حوافز تشجّعها على القيام بنشاط إيجابي في هذا المجال، والأردن لا يملك قوة الضغط الكافية للتأثير في مسار المفاوضات.
• الدول المعنية بقضية الشرق الأوسط والتي لم يزرها الوفد مثل العراق تعاني من مشكلات وجودية جمّة منها حربها مع «داعش» والتأثير الإيراني عليها واحتمال انشقاق إقليم كردستان وقضايا اقتصادية واجتماعية معقّدة جداً، وسوريا في حالة حرب أهلية قاسية وهي ماضية بسعيها للقضاء على «داعش» وسائر المنظّمات المتطرّفة، كما أنّ الوجود الروسي فيها والتأثير الإيراني ومواقفها الذاتية لن توظف لصالح دعم المساعي الأميركية في المنطقة.
بالإضافة الى كل ذلك، لا بد من التوضيح أنّ الإدارة الأميركية الحالية ليس لديها حتى الآن تصوّر واضح لما تريده من المفاوضات، وقد أعلن فريق السلام، بعد عودته الى واشنطن، حاجته لثلاثة أو أربعة أشهر لكي يتمّ وضع خطة عمل يتمّ إحياء المفاوضات بموجبها، هذا مع العلم أنّه لتاريخه، لم يصدر عن هذه الإدارة أيّ موقف يعلن تأييدها لحلّ الدولتين الذي هو الموقف الرسمي الأميركي الذي أطلقه الرئيس بوش الإبن في خريطة الطريق التي رسمها لحلّ القضية والتي لا يمكن الوصول الى نتيجة بدونه.
إنّ عدم وجود مؤشرات واضحة لحصول أيّ تقدم في المفاوضات لا يعني أنّ مثل هذه الزيارات ليست لها أيّ فائدة، فهي في أضعف الإيمان تُبقي القضية الفلسطينية حيّة، إلّا إذا كانت هنالك نيّة في تخدير الفلسطينيين والعرب بإقناعهم أنّ الجهود قائمة لحلّ القضية بغية تأمين طمأنينة وراحة لإسرائيل تستطيع في ظلّهما متابعة نشاطها الإستيطاني وخلق أمر واقع على الأرض يصعب الرجوع عنه فيما بعد عندما يحين الوقت للبحث الجدي في القضية.