لم يعد لنا نحن اللبنانيين من الأيام ما يكفي للإحتفال بالإنتصارات التي تهبط علينا من السماء وبمعاجز إلهية.
وحري بنا أن نكلل رؤوسنا بأكاليل الغار ونقيم الإحتفالات والمهرجانات وترتفع أقواس النصر على الطرقات وتملأ الشوارع والأحياء والأزقة اليافطات التي تزخر بعبارات من وحي المناسبة لكن بأنفاس طائفية ومذهبية ولو أدى ذلك إلى تعريض صيغة العيش المشترك والميثاق الوطني للإهتزاز مما يؤدي إلى إثارة الهواجس لدى شريحة واسعة من المجتمع اللبناني رغم ما يتم تغليفها بطبقة رقيقة من غبار الوطنية.
إقرأ أيضا : ترامب حائر بين امانو والسنوار
والمفارقة أن هذه الإنتصارات على كثرتها تبقى أملاكا خاصة بفريق دون باقي الأفرقاء ولم يصادف أن اللبنانيين على تنوع ولاءاتهم و إنتماءاتهم إجتمعوا على الإحتفال بانتصار واحد يجمعهم ويلم شملهم المشتت.
فلكل فريق رؤية خاصة للإنتصار تختلف عن رؤية الآخرين ومفهوم خاص يستقيه من مخزون ثقافة بائدة وأمجاد غابرة من عمق الأزمنة الغائرة في الماضي يستحضرها من صفحات التاريخ لإعادة إحيائها من جديد في زمن يختلف بل يتناقض تماما مع ظروف تلك الأيام الخوالي.
ودائما فإن الإحتفال يتخطى النصر نفسه ويأتي أكبر منه بكثير بحيث يتم إستنفار كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية والإعلامية والدعائية وكل الطواقم البشرية أفقيا وعاموديا ويتم تعطيل حركة السير خدمة للإحتفال، عدا تخصيص الساحة العامة وتجهيزها بكافة المستلزمات من كراسي وطاولات وصوتيات وكاميرات مراقبة وجيوش من عناصر الإنضباط بما يليق بقداسة المناسبة وتوفير وسائل النقل المريحة للقادمين من مناطق بعيدة دون أي إعتبار للتكاليف المالية الباهظة التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات ، فالمال والحمدلله يملىء الخزائن ولا داعي للقلق من نفاده وهو بالأصل مخصص لهذا النوع من مصاريف الدعاية والإستعراض.
إقرأ أيضا : ثلاثية المقاومة والجيش والشعب ... الدلال والغنجُ للمقاومة
ولا يكتمل المشهد الإحتفالي إلا بعد تعطيل الدورة الإقتصادية للمنطقة التي يقام فيها الإحتفال فلا محلات ولا زبائن ولا بيع ولا شراء فالكل منهمك بالتعبير عن فرحة النصر.
واللافت أن كل الأطراف تخرج من معاركها منتصرة ففي الفيلم الإيراني الطويل الذي تم إخراجه وتصويره في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان وشارك فيه الجيش اللبناني وحزب الله والنظام السوري وجبهة النصرة وتنظيم داعش، الكل خرج منتصرا أما المهزوم فبقي طي الكتمان ولم يتم الكشف عنه وربما التاريخ قد يكشف عن سر الغموض الذي إكتنف هذه المسرحية الهزلية.
إقرأ أيضا : لكم إنسانيتكم ولنا إنسانيتنا
لكن المثير للألم والأسى أن هذا النصر كما سابقاته تم إهداؤه للشعب اللبناني دون مراعاة أن هذا الشعب يرى الإنتصار في هزيمة الفقر والتخلف والحرمان والجهل ويعيش النصر بكافة تفاصيله بالقضاء على الفلتان الأمني وفوضى السلاح بأيدي العابثين بأمن البلد وإستقراره والرصاص الطائش ويرى النصر بالإنتظام العام تحت سقف الدولة وعدالة القضاء. ويرى الإنتصار في عيشة موفور الكرامة دونما حاجة إلى التزلف لزعيم يسهل له الدخول إلى المستشفى ويخفض من قسط مدرسة أبنائه.
فهذا هو النصر الحقيقي الذي يحتاجه المواطن اللبناني وسوى ذلك فهو ذر للرماد في العيون وتشويه للحقائق ومشاهد إستعراضية للإستخدام السياسي في الإستحقاقات الإنتخابية فهذا هو النصر الذي يحتاجه المواطن .