أسئلة كثيرة طرحت، وكثير من التعجّب رافق البيان الذي أصدره حزب الله، بشأن محاصرة طائرات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، القافلة التي تضمّ عناصر من تنظم داعش وعائلاتهم التي غادرت من القلمون الغربي إلى دير الزور بموجب صفقة أبرمت بين الطرفين. في العودة إلى البداية، لا بد من التأكيد أن جزءاً كبيراً مما يحصل في سوريا، يتخطّى المنطق، ويخرج عن سكة السياق الصحيح لربط الأمور ببعضها البعض، كتلاقي المصالح بين القوى المتصارعة في أكثر من محطة أو مناسبة أو معركة. قد يندرج بيان الحزب، في هذا السياق، وقد تكون له أبعاد أكثر، رغم محاولات تبسيطه.
في القراءة البديهية والتبسيطية، التي تعممّت بشكل واسع في لبنان في اليومين الماضيين، تركزت التعليقات المنتقدة الحزب على أنه حريص على داعش، بسبب التقاء المصالح بينهما، وأنه لا يريد للتحالف الدولي أن يقصف القافلة أو يدمّرها أو يبيد من فيها، لأن الحاجة إليهم لم تنتف بعد بالنسبة إلى الحزب، خصوصاً في المنطقة التي يتوجهون إليها. بالتالي، قد يكون الهدف هو استثمارهم في خوض معركة ضد القوى والفصائل المعارضة الأخرى، في شرق سوريا، بما يسهّل على الحزب بعض المهمات، وبعض السيطرة على مناطق يسعى إلى السيطرة عليها من دون الدخول في معركة مباشرة.
فيما ذهب البعض الآخر، في وصف ما يجري، بأن الحزب حريص على داعش كي لا يقال إنه يدعي محاربة التنظيم ولكنه يبرم الصفقات معه، بينما واشنطن التي يتهمها الحزب في رعاية التنظيم وصناعته، هي التي تقوم بتصفية عناصره. بينما هناك من يعتبر أن التقاء المصالح الإستراتيجي بين التنظيم والحزب، لا يقتصر على مناصبة العداء للثورة السورية وتصفية كل الفصائل المعارضة المعتدلة، إنما يقوم على ركيزة أن النزعة الداعشية تعزز الالتفاف حول الحزب في بيئته. لمواجهة هذا الخطر الذي يشكّله التنظيم.
ولكن، لدى العودة إلى اليوم الأول للمعارك التي أطلقها الجيش اللبناني ضد تنظيم داعش، والتي حظي فيها بدعم أميركي علني واسع، كان واضحاً حجم الاهتمام في مجريات المعركة، والحرص على أن يكون الجيش وحيداً ولا ينسّق مع أي طرف. ومن جهة أخرى، برز التناقض في الموقف الأميركي، الذي لم يحرّك ساكناً أمام إعلان وقف إطلاق النار وفسح المجال للمفاوضات التي خاضها حزب الله، وأدت إلى تلك الصفقة. سكت الأميركيون عن الإتفاق، ووافق عليه الجيش اللبناني، لأن لديه هدفين، هما كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى داعش وتحرير الجرود. وتلقت قيادة الجيش رسائل واتصالات أميركية عديدة، للتهنئة على الإنجاز الذي تحقق، إلا أن الأميركيين رفضوا، فيما بعد، انتقال المسلحين إلى شرق سوريا، وقصفوا أحد الجسور التي ستعبرها القافلة، ولا تزال محاصرة حتى اليوم. وهنا، يُطرح سؤال لماذا وافق الأميركيون في البداية، ولم يسمحوا باستكمال الصفقة بكامل بنودها؟ قد يعتبر البعض أن الأميركيين يعملون على القطعة، أي حققوا هدف تحرير الجرود اللبنانية، واعترضوا على انتقال هؤلاء إلى منطقة أخرى.
ولكن السؤال المطروح، هو عن سبب عدم استهداف طائرات التحالف هذه القافلة؟ على غرار كل القصف الذي تمارسه هذه الطائرات على مدن وبلدات من دون تمييز بين الإرهابيين والمدنيين. في لغة تقاذف الاتهامات، قد يبرز إتهام أيضاً بأن الأميركيين متواطئون مع داعش أيضاً، وهم يتخذون هذا القرار ويتقصدون الإعلان عنه، لإظهار أنهم يعارضون الإتفاق، بعد الانتقادات التي وجّهت إليهم حول خلفية موافقتهم والسماح لمسلّحي التنظيم بالانتقال إلى شرق سوريا تحت أنظارهم. مع السؤال عن سبب عدم قصف القافلة.
تشير معلومات اواردة من البادية السورية، إلى أن القافلة المحاصرة لا تتعرض لأي مضايقات، سوى أنه لا يُسمح لها باستكمال مسارها. في المقابل، هناك مجموعات غادرت القافلة وتابعت طريقها في اتجاه دير الزور، ولكن بشكل فردي أو مجموعات صغيرة، من دون اعتراض أي طرف. بالتالي، فإن الأيام المقبلة قد تشهد بقاء الحافلات فارغة، فيما من استقلّها وصل إلى حيث يريد الوصول. وهذه قد تدفع البعض إلى الإشارة إلى وجود إتفاق ضمني، بين التنظيم والتحالف الدولي، وتؤشر إلى أن التحالف يرعى الاتفاق الذي حصل، ولكنه أظهر الاعتراض عليه، لتجنّب الحرج.
لا شك في أن المعركة بكل تفاصيلها وحيثياتها، تسببت بارتباك مختلف القوى؛ ولا شك أيضاً أنه يجوز الاعتبار أن حزب الله أخطأ في البيان الذي أصدره، بمعزل عما إذا كان مصيباً فيه أم لا. وهذا قد يعود إلى الارتباك الذي أحدثته المعركة، لأن الحزب الذي بدا حريصاً على نحو 600 شخص بين مسلّح ومدني، لم يكن حريصاً على حمص التي دمّرت وهجر أهلها، ولا على الزبداني، ومضايا، ووادي بردى، ولا حتى على حلب أو غيرها.
قد تكون لدى لحزب أسباب دفعته إلى إصدار هذا البيان، وأولها استكمال الصفقة لتنفيذ كامل بنودها، أي لتسلّم مزيد من الجثث، وأسرى إيرانيين ربما، فيما هناك من يعتبر أن ثمة أهدافاً أخرى، أكثر أهمية، وهي الخشية من وقوع هؤلاء الدواعش في قبضة التحالف الدولي، كما كانت الخشية بارزة من أن يقعوا في يد الجيش اللبناني، لتجنّب أي اعترافات قد يدلون بها، والتي قد تفيد عن تنسيق مباشر أو غير مباشر مع النظام السوري والإيرانيين وحزب الله، وتكشف عن حجم التقاء المصالح بينهم، فيما البعض الآخر يعتبر، أن الخشية من القبض على هؤلاء، ستكشف كثيراً من الأخبار والمعلومات، ليس عن المرحلة الماضية فحسب، بلل عما يعود إلى أكثر من ثلاث سنوات، وخصوصاً عن كيفية سقوط القلمون، وتسليمه لحزب الله والنظام.