بدأ محمد حسين كمال حايك (29 عاماً) رحلته مع الإدمان. من "شمّة" إلى "نكزة"، حتى تطوّرت الأمور، وتدرجت من الحشيشة إلى الحبوب وصولاً إلى الحقن. يقول: "صحيح المخدرات اعطتني شي حلو، بس أخدت مني كل شي منيح". فكيف اقتحمت المخدرات حياته؟
ترعرع محمد في منطقة عدلون الجنوبية خلال سنوات طفولته الأولى، ثم انتقل وعائلته المؤلفة من أربعة أفراد للإقامة لاحقاً في الضاحية. انضم كسائر أطفال منطقته إلى مدرسة برج الثالثة الرسمية، وكان من التلامذة المتفوقين، يقول. إلا أن الخلافات الزوجية بين والديه والمشاحنات اليومية التي كانت تحصل بينهما أدت إلى الطلاق. ما شكل صدّمة لإبن الخمسة أعوام وخيّم عليه الحزن بسبب تفكّك العائلة الذي حرمه عطف الأب وحنان الأم وعدم الاستقرار على شتى المستويات.
ماذا حصل بعد ذلك؟ يوضّح محمد أنه عاش في الثامنة من عمره كابوساً لا ينساه "عندما رأيت والدتي تحمل السلاح وتطلق صوبها ثلاث طلقات عن طريق الخطأ، فترتمي على الأرض وتموت فوراً". يضيف أن الحدث المأساوي مرتبط بخلفية نزاع والدته مع جدّته لجهة عدم اعطائها سند ملكية للمنزل المسجّل باسم والديه. ما سبب تمنّع جدتك عن منحها سند الملكية؟ يجيب: "لم يكن الصك الأخضر بحوذة جدتي، كما قالت، بل مع جدي في مكان عمله في منطقة الروشة. وهذا الأمر لم يقنع والدتي التي طلبت ملكية البيت ضماناً لي ولشقيقي في العيش في المنزل نفسه حتى لو أقدم أبي على الزواج من امرأة أخرى.. وهذا ما حصل".
وفاة والدته.. كان السبب
تداعيات تلك الحادثة الأليمة على محمد خلّفت له مشاكل كثيرة وأزمات عدّة رافقته طويلاً. ويوضح: "شكلت حادثة وفاة أمي أزمة نفسية كبيرة لي ولم أجد سوى الصمت للتعبير عن حزني وصرت عاجزاً عن الكلام وبقيت كذلك حتى الثالثة عشرة من عمري". يضيف: "كنت أتواصل مع أساتذتي ورفاقي في المدرسة من خلال الكتابة على الورق". وراحت علامات محمد تتراجع تدريجاً بفعل الظروف الصحية، الاجتماعية والنفسيّة التي عاشها.
بين ليلة وضحاها، ولما كان محمد يحاول لملمة جراحه والتأقلم مع واقعه المرير، ومنها معاملة بعض التلاميذ الذين كانوا يسخرون من حاله، أحضر له أحد زملائه داخل المدرسة سيجارة حشيشة ونصحه أن يختبرها ويتلذّذ بها. كيف تلقف طفلنا هذا العرض؟ يجيب: "بداية، رفضت لأنني أكره التدخين، فاستمر بمحاولات إقناعي قائلاً إنها ستجلب لي السعادة وربّما أتمكن من النطق. وأخيراً جرّبتها، وصرت تارة أضحك وطوراً أبكي، وإذا بي أستعيد قدرتي على الكلام". هكذا، استهل الشاب البائس رحلته مع المخدرات، ومع مرور الوقت تعرّف إلى أنواعها المختلفة، منها: الحشيشة، الحبوب المتنوّعة، الكوكايين، الهيرويين وصولاً إلى الحقن، "حتى غادرت المدرسة وأنا في السادسة عشرة في صف البروفيه".
ويتحدّث محمد عن هذه الفترة من تعاطي المخدرات قبل تسلّيمه إلى أجهزة الدولة، قائلاً: "كنت أعيش في عالمي الخاص، وحيداً معزولاً، وهمّي الوحيد تأمين المخدرات بأي وسيلة، فلجأت إلى سرقة الدراجات النارية وبيعها كي أشتري بثمنها المخدرات. وصرت معروفاً لدى أبناء الضاحية بأنني مدمن مخدرات من الدرجة الأولى".
ثلاثة أحكام في السجن
دخل محمد سجن رومية ثلاث مرات، وكان في سن الثامنة عشرة عندما دخله في المرة الأولى، بسبب التعاطي، وكذلك في المرة الثانية. أما الثالثة فكانت بداعي السرقة. كان ينفّذ الحكم بين ثلاثة وستة أشهر ويخرج بعدها إلى الحريّة ليعود مجدداً خلف القضبان. عن تجربته في السجن، يروي: "كنت قوياً، استعنت بزنودي وهاتفي الخليوي، وانضممت إلى عصابات آل زعيتر ونصرالدين حيث تعاونّا مع بعض كبار المسؤولين خارج السجن ليرفدونا بالمخدرات، وأصبحتُ من بين الذين يتاجرون بها.. وأنا خلف قضبان الحديد".
"حياة جديدة.. بلا عودة"
ترك محمد السجن نهائياً قبل عامين بمسعى من شريكة حياته التي تزوجها قبل بضع سنوات وعانت من حبيبها الأمرين. ما أدى إلى انفصالهما. إلا أنها لازمته المستشفى عندما دخل في غيبوبة لمدة أسبوع، بسبب تناوله جرعات زائدة من المخدرات قدّرها بـ600 جرعة خلال ثلاثة أيام. قرّر بعدها الإنطلاق من جديد نحو بداية مليئة بالأمل. فأخضع محمد نفسه للعلاج الجسدي والنفسي. ويقول عن هذه المرحلة: "ندمت كثيراً على كل ما فعلت بحياتي، ولا أخجل من التحدّث عن تجربتي التي تعلّمت منها كثيراً. وقد جئت بنفسي وخضعت لعلاج جسدي في مركز بمنطقة جويا، ثم تابعت مرحلة التأهيل بمركز إحياء التخصصي للتأهيل في عاليه، لنحو أربعة أشهر".
قبل أربعة أسابيع فقط، عاد محمد إلى الحياة الطبيعية. وها هو يبحث عن عمل يستطيع من خلاله تأسيس عائلة وتوفير ما يحقق لها الحد الأدنى من العيش الكريم.
وزارة الشؤون تدعم محمد
هل من دور لوزارة الشؤون الاجتماعية في متابعة محمد وأمثاله؟
تشرح مديرة "البرنامج الوطني للوقاية من الإدمان" في وزارة الشؤون الاجتماعية أميرة نصرالدين أن "الوزارة تكفّلت بتغطية كلفة التأهيل الذي خضع له محمد، ولا يقتصر دورنا عند هذا الحد، بل سنكون إلى جانبه بكل تفاصيل حياته، سواء أكان على مستوى تنظيف سجله، أو متابعته في الدعم النفسي، وسنحاول إيجاد عمل له".
وتعتبر نصرالدين أن الوزارة هي مرجعية محمد وسترافقه دوماً، لكن دعت كل من يستطيع مساندة محمد في المجتمع أن يفعل، "لأننا إذا تمكنا من انقاذ هذا الشاب نسهم في انقاذ ألف شاب".