اليوم أوّل أيام عيد الأضحى المبارك: عيد التضحية، وعيد الانتصار على المحن والفتن، والعبرة في الجنود الشجعان من الجيش اللبناني الذين قدموا أنفسهم وأرواحهم، فهي «تضحيات ابطال عظام» على حدّ تعبير الرئيس ميشال عون، في الرسالة التي وجهها إلى اللبنانيين لمناسبة عيد الأضحى المبارك، ويوم انتصار لبنان على الارهاب والذكرى 97 لاعلان دولة لبنان الكبير.
وبقدر ما تفتح عطلة العيد التي ستستمر إلى الاثنين المقبل ضمناً المجال لمراجعة هادئة للمواقف، وتجاوز ايام التشجنات والسجالات الماضية، على خلفية استثمار «نصر الجرود»، اعرب الرئيس سعد الحريري عن أمله في أن يُشكّل العيد «مناسبة لطي صفحات التجاذب والخلاف من حياة وطننا» وتجنب الانقسام وتحقيق تطلعات اللبنانيين بالتلاقي والنهوض.
والوضع اللبناني بجوانبه كافة، سواء ما يتعلق بالانتصار الذي حققه الجيش اللبناني في الجرود، أو قضية النازحين السوريين، من زاوية ان الحل «هو في عودتهم الامنة إلى سوريا» أو توفير مساعدات عسكرية ولوجستية للجيش اللبناني ليتمكن من بسط سلطته كقوة شرعية وحيدة على كل الأراضي اللبنانية، سيعاود بحثه الرئيس الحريري مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اليوم، بعدما أن كان بحثه مع نظيره الفرنسي عند الساعة الثانية من بعد ظهر امس مع نظيره الفرنسي ادوارد فيليب في قصر ماتينيون، كاشفا أن لبنان مر بأوقات صعبة جدا خلال الأسابيع الماضية، وان المهم أن الجيش اللبناني تمكن من النجاح، ونحن فخورون به، معرباً عن تحقيق الكثير من النجاحات. وقال رداً على سؤال: لبنان هو الذي انتصر وربح. الشعب اللبناني والجيش اللبناني هما اللذان ربحا، وعندما ينتصر لبنان فهذا يعني أن كل اللبنانيين انتصروا.
واجتمع الرئيس الحريري، خلال وجوده امس في باريس، بكل من وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ووزير الاقتصاد والمالية برونو لومير.
وتوجه الرئيس الحريري بالتهاني إلى اللبنانيين عموماً والمسلمين والعرب خصوصاً بحلول عيد الأضحى المبارك، آملاً ان تحل الأعياد المقبلة وقد انقشعت الغمامة السوداء التي تلف العديد من البلدان العربية الشقيقة، معتذراً عن عدم تقبل التهاني بسبب الأوضاع الراهنة، آملاً ان يشكل العيد مناسبة لطي صفحات التجاذب والخلاف.
ومع عودة النشاط والاستعداد لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى، اتجهت الأنظار إلى ما يمكن القيام به لجهة انماء المناطق المحررة، وإنجاز الملفات الداخلية الملحة.
وفي سياق تعليق المجلس الدستوري العمل بقانون الضرائب، قفزت إلى الواجهة قضية الموازنة، واقرارها في المجلس النيابي، في أقرب فرصة ممكنة.
وفي هذا الإطار، أكّد وزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني لـ«اللواء» أن الموازنة العائدة للعام 2017، ستقر في الشهرين المقبلين على ابعد تقدير، نافياً ما يتردد في بعض الدوائر عن وضع مالي سيئ، يضرب المالية أو الاقتصاد، داعياً لمقاربة مالية نقدية تسمح بإعادة النظر بالفوائد، بما يتناسب مع معطيات الإنتاج، والكتلة النقدية المتعلقة بأصحاب الإنتاج والقطاعات الانتاجية والاقتصادية.
وأكّد رداً على سؤال أن العمل قائم على قدم وساق، لمواجهة الفساد، وإخضاع سائر الصفقات لإدارة المناقصات، مستشهداً بجدوى مناقصة المطار، والأموال التي وفرت على الخزينة، وكذلك الحال، بالنسبة لمناقصة الكنس في بلدية بيروت، وصولاً إلى شاطئ الرملة البيضاء.
التحقيق بأحداث عرسال
وفي تطوّر جديد، ستكون له بالتأكيد تداعيات سياسية وقضائية، وربما أيضاً عسكرية، طلب الرئيس عون من السلطات المختصة اجراء التحقيقات الضرورية اللازمة لتحديد المسؤوليات في القضية التي طاولت القوى المسلحة اللبنانية، وذلك «لكشف الغموض والالتباس القائم منذ ثلاثة أعوام، واحتراماً للحقيقة كقيمة إنسانية مطلقة، واحتراماً لشهادة الشهداء ومعاناة اهليهم».
ولم يشر الرئيس عون إلى الجهة الصالحة لاجراء التحقيقات المطلوبة، ولا بالاسم الى احداث عرسال في آب 2014، مستخدماً عبارة «القضية التي طاولت القوى المسلحة اللبنانية» في إشارة إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي، كما لم يشر إلى المسؤولين عن هذه الأحداث، سواء بالسلطة السياسية التي كانت متمثلة آنذاك بحكومة الرئيس تمام سلام، أو بقيادة الجيش التي كان يتولاها العماد جان قهوجي، ولكن يفهم من عبارات الرئيس عون انه وضع ملف احداث عرسال في «مرتبة القضايا الكبرى»، والتي تستوجب عرض القضية برمتها امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والذي نصت المادة 80 من الدستور على تشكيله.
وبحسب هذه المادة المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 17/10/1927 وبالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990: «يتألف المجلس الأعلى ومهمته محاكمة الرؤساء والوزراء من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار القدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات. وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص».
ولأن احداث عرسال 2014 حصلت في ظل الفراغ الرئاسي، فإن الأنظار، أو أصابع الاتهام، يمكن ان تتوجه إلى الحكومة السابقة التي كانت تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، وهنا من صلاحيات المجلس الأعلى محاكمة رئيس الحكومة والوزراء أيضاً، وفي هذا الإطار، تنص المادة 70 من الدستور على ان لمجلس النواب ان يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز ان يصدر قرار الاتهام الا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحاكم رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم امام المجلس الأعلى كما جاء حرفياً في المادة 71 من الدستور، وعندئذ تكف يد رئيس الحكومة أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه، وإذا استقال لا تكون استقالته سبباً لعدم إقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية بحقه.
ويفترض هنا، تبعاً لمترتبات مسار هذه القضية التي فتحها الرئيس عون، ان يدعو رئيس مجلس النواب نبيه برّي أعضاء المجلس الأعلى، الذين سبق انتخابهم للاجتماع لتحديد الأصول الواجب اتباعها بحسب الدستور، حيث ستكون أولى مهام المجلس تشكيل لجنة تحقيق برلمانية كمقدمة ضرورية لعرض الملف لاحقاً امام المجلس.
وكان سبق للمجلس ان انتخب في العام 2010 النواب: سيبوه قالبكيان، إبراهيم كنعان، نقولا فتوش، سمير الجسر، غازي زعيتر، هادي حبيش، ونقولا غصن اصيلين، فيما انتخب كل من النواب: نوار الساحلي، مروان حمادة ونايلة تويني أعضاء رديفين.
تجدر الإشارة إلى ان المكتب الإعلامي لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، نفى أمس، ما نقل عن الوزير لجهة عدم تحميل الرئيس ميشال سليمان والرئيس تمام سلام ووزير الدفاع السابق سمير مقبل وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي مسؤولية المرحلة السابقة، مشيراً إلى مطالبة التيار بعدم مهاجمتهم إعلامياً ليس أعفاء لأي منهم من المسؤولية في المواقع التي كانوا يحتلونها.
غير ان مصادر مطلعة، حاولت التخفيف من وطأة دعوة الرئيس عون وقالت لـ«اللواء» انه اذا كان التحقيق حول أحداث عرسال يتعلق بالقوى المسلحة فإن ذلك يقع من ضمن مهمة النيابة العامة العسكرية سواء مباشرة أو من خلال الشرطة العسكرية ، أما إذا كان الأمر يتعلق بالشق السياسي المسلكي فذاك يعني أن الأمر منوط بوحدات وزارة الدفاع التي إما أن تطلب من المفتشية العامة أو تكلف فريق عمل من الضباط.
وأكدت المصادر انه اذا كانت هناك من دعاوى قضائية في ما خص القوى المسلحة فإن الأمر من مهمة المحكمة العسكرية. أما في حال المسؤولية المدنية فإن الوضع يكون مختلفاً، مشيرة إلى أنه في المبدأ الدعوة وجهت لإجراء التحقيق بهدف جلاء الأمور.
وعلمت «اللواء» ان وزير العدل سليم جريصاتي، معني مباشرة بالتكليف الرئاسي لإجراء التحقيق حول احداث عرسال، وانه بصدد تحريك الملف بعد إعلان نتائج فحوصات DNA لرفات العسكريين.
وأشارت المصادر إلى ان توسيع «بيكار» القضية لنصل إلى تأليف لجنة تحقيق برلمانية، غير وارد أقله بالنسبة للرئيس برّي الذي كان موقفه واضحاً في احتفال حركة «أمل» بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وكذلك الأمر بالنسبة لاحالة الدعوى امام المجلس العدلي، وبالتالي فإن التحقيقات التي طلبها الرئيس عون ستبقى محصورة ضمن صلاحيات وزارة العدل.
نصر الله
في هذا الوقت، أعلن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله انه زار دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد ليطلب منه الموافقة على اتفاق خروج مسلحي «داعش» من شرق لبنان وسوريا..
وقال نصر الله في خطاب نقله التلفزيون امام الآلاف من أنصاره الذين تجمعوا في بعلبك في شرق لبنان، «انا رحت عند الرئيس بشار الاسد، انا رحت لعنده عالشام». لكنه لم يُحدّد تاريخ هذه الزيارة التي جرت قبل التوصّل في نهاية الأسبوع الماضي إلى الاتفاق بين حزب الله وتنظيم الدولة الإسلامية على انسحاب مسلحي التنظيم المتطرّف من الحدود السورية – اللبنانية إلى محافظة دير الزور في شرق سوريا، والقريبة من العراق.
اضاف: ان حزب الله اضطر إلى ابرام هذا الاتفاق لمعرفة مكان رفات ثمانية جنود لبنانيين اختطفوا في 2014، ويرجح ان التنظيم المتطرّف قام بتصفيتهم. وأوضح في خطابه انه قال للرئيس الأسد «لدينا قضية وطنية إنسانية.. نتمنى ان تساعدونا.. لا نستطيع معرفة مصير الجنود المختطفين الا من خلال هذه التسوية». وقال ان الطلب احرج الرئيس السوري.
واضاف: «هو قال لي «هذا الأمر سيحرجني لكن خلص ما في مشكلة». لقد تحملت القيادة السورية هذا الحرج».
من جهة ثانية، أيد السيّد نصر الله الدعوات التي صدرت عن الرؤساء الثلاثة لوقف السجالات في البلاد وتهدئة المناخ فيها، مؤكدا ان الجرود والحدود هي مسؤولية الجيش اللبناني، موضحا بأنه «لم يدع يوما انها من مسؤولية الحزب».
واعتبر ان اتخاذ الدولة اللبنانية قرار المعركة في الجرود تطور بالغ الأهمية وممارسة للقرار السياسي السيادي الذي هو أحد إنجازات العهد الجديد الذي يمثله الرئيس ميشال عون الذي كنا وما زلنا نؤمن أنه رجل شجاع ورجل مستقل لا يخضع لأي ضغوط أو سفارة أو إغراءات.
ولفت نصرالله الى انه عندما تحقق الإنتصار في جرود عرسال أبلغ الأميركيون اللبنانيين رسالة غضب وعندما قررت الدولة اللبنانية أن يقوم الجيش اللبناني الباسل بتحرير ما تبقى من جرود عاد الأميركيون من جديد وطلبوا من المسؤولين اللبنانيين عدم القيام بهذه العملية العسكرية وهددوا بقطع المساعدات العسكرية عن الدولة اللبنانية.
وقال: «للإنصاف وافق رئيس الحكومة على المضي بقرار تحرير الجرود ومضى فيه أما رئيس مجلس النواب فمواقفه معروفة»، واضاف: نحن ننتظر قراراً سيادياً آخر لأن هناك أرض لبنانية مازالت تحت الإحتلال الإسرائيلي هي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ونحن نطالب الدولة اللبنانية بخطة لتحريرها بقرار سيادي».