على وقعِ الاحتفال بتحرير الجرود الشرقية من الإرهابيين، يَحتفل لبنان اليوم بالذكرى الـ 97 لتأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920، التي تُصادف عيد الأضحى المبارك وما سيرافقه من عطلةٍ سياسية وإدارية في البلاد تمتدّ حتى صباح الثلثاء المقبل. وفيما بَرز موقفٌ متقدّم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلبَ فيه من السلطات المختصة فتحَ تحقيقٍ في قضية خطفِ العسكريين في عرسال عام 2014 والذي انتهى باكتشافهم شهداء قبل أيام، يُنتظر أن تكون له تفاعلاته السياسية في قابل الأيام، كرّر الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله دعوتَه الحكومة إلى التنسيق مع النظام السوري، كاشفاً عن أنّه زار الرئيس السوري بشّار الأسد قبَيل إتمام صفقةِ كشفِ مصير العسكريين المخطوفين وترحيلِ إرهابيّي «داعش» من الجرود إلى دير الزور.
على رغم دخول البلاد إجازةً قسرية بفِعل عطلة عيد الأضحى، ظلَّ صدى عملية «فجر الجرود»، على رغم انتهائها وإعلان الانتصار رسميا، يتردّد في الداخل والخارج.

إذ بعد الاتصال الاميركي بقائد الجيش العماد جوزف عون، لفتَ موقفُ بريطانيا التي هنّأت الجيش اللبناني على النجاح العسكري لعملية «فجر الجرود «، واعتبَرت بلسان نائب رئيس بعثتِها الديبلوماسية في بيروت بنجامين واستنيج أنّ هذه العملية «كانت عملية معقّدة وخطيرة ولكنّها ناجحة، حيث أثبَت الجيش اللبناني مرّة أخرى أنه المدافع الشرعي والوحيد، الفعّال والقادر، عن الأمن اللبناني».

وأكّد واستنيج التزامَ بلادِه المستمر«باستقرار لبنان ودعمِ الجيش اللبناني في اعتباره حجرَ الزاوية للسيادة اللبنانية».

وإذا كانت «فجر الجرود» قد وضَعت نقطة على سطر الجدلِ حولها بعد الكلام الذي صَدر في خطابات بيروت وباريس وبعلبك وبعبدا فإنّ العلاقات اللبنانية ـ السورية ظلّ بابها مشرّعاً في ضوء إصرار قوى 8 آذار على وجوب التنسيق مع دمشق لِما فيه مصلحة لبنان. ولكنّ هذا الأمر سيبقى مادةً خلافية حادّة بين أهل الحكومة.

وبالتالي، ستشخصُ الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء المقبلة وهي الجلسة الأولى بعد تحرير جرود رأس بعلبك والقاع بعد جرود عرسال من الإرهابيين، ومواقفِ القوى السياسية المتباينة.

عون

من بعبدا، أكّد الرئيس عون في ذكرى إعلان «دولة لبنان الكبير» أنّ «الانتصار على أشنعِ طاعون عرَفه هذا العصر لم يكن ممكناً لولا تضحيات أبطالٍ عظام، منهم مَن صار شهيداً ومنهم مَن أصيبَ ومنهم مَن لا يزال يقف عند حدود الوطن دفاعاً عن وجودنا». وقال: «لكي لا يُتَّهم بريءٌ أو يُبَرّأ ظالمٌ، أطلب من السلطات المختصة إجراءَ التحقيقات الضرورية لتحديد المسؤوليات في موضوع العسكريين».

الحريري

ومن باريس، حيث اجتمع مع رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب ووزير الخارجية والشؤون الأوروبية جان ايف لودريان ووزير الاقتصاد والمالية برونو لومير، حرصَ رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يتوّج زيارتَه الباريسية بلقاءِ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اليوم، على الإشارة إلى «أنّ الجيش اللبناني تمكّنَ من النجاح في هذه الحرب، وأنّ جميع اللبنانيين فخورون جداً بجيشهم»، وقال إنّ الدولة اللبنانية «هي التي أنجَزت هذا الانتصار، والجيش اللبناني قدّم ضحايا وعَثر على جثث المخطوفين».

وأكّد أنّ «اللبنانيين غير منقسمين»، وتحدّث عن «محاولة البعض لاستغلال هذا الانتصار»، كما أكّد أنّ «لبنان هو الذي انتصَر وربح، والشعب اللبناني والجيش اللبناني هما اللذان ربحا، وعندما ينتصر لبنان فهذا يعني أنّ جميع اللبنانيين انتصروا».

نصرالله

ومن بعلبك، قال السيّد نصرالله في مهرجان «التحرير الثاني» إنّ «اتّخاذ الدولة قرارَ معركة الجرود هو أحد إنجازات العهد الجديد الذي يُمثّله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون»، ووصَفه بأنّه «رجلٌ شجاع وقائد مستقلّ لا يتبع ولا يَخضع لأيّ دولة أو سفارة أو ترهيب».

وأشار إلى أنّ الحريري «وافقَ على المضيّ في قرار تحرير الجرود، أمّا رئيس مجلس النواب نبيه برّي فموقفُه معروف». وطالبَ نصرالله الدولة بخطةٍ لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا «بقرار سيادي».

ودعا إلى إبقاء الجيش اللبناني «خارج النزاعات السياسية»، ورأى أنّ دعم قوّةِ الجيش «لا يُحيل المعادلة الذهبية إلى التقاعد بل يزيدها تألّقاً». وقال: «لا نريد إسقاط الحكومةِ اللبنانية بسبب التنسيق مع الحكومة السورية، بل نريدها أن تستمرّ».

بيروت ـ دمشق

وعلمت «الجمهورية» أنّ اجتماعات مهمّة جداً ستُعقد في دمشق بدءاً من 10 أيلول بين وزارتَي الزراعة اللبنانية والسورية على مستوى وزاريّ، وتضمّ لجاناً مشتركة لبنانية ـ سوريّة لإبرام اتفاقات حول تصديرِ البطاطا والموز من لبنان إلى سوريا وتبادُلِ بعضِ المنتجات الزراعية ومنها الحمضيات بين البلدين، وللتنسيق حول إعادةِ فتحِ الحدود البرّية السورية لشاحنات الترانزيت في اتّجاه معبرَي «التنف» على الحدود العراقية و«نصيب» على الحدود الأردنية.

ملفّ الضرائب

إلى ذلك، شكّلَ قرار المجلس الدستوري أمس تعليقَ العمل في قانون الضرائب، مفاجأةً للجميع. فهلّلَ مقدّمو الطعن، فيما سيطرت الدهشة على الأطراف السياسية التي وافقت على القانون، وأمّا المواطنون فقد احتفلوا. وكان الرابحَ الأكبر في هذا الملف، إلى حزب الكتائب والنواب الذين وقّعوا عريضة الطعن، المجلسُ الدستوري نفسُه الذي أثبتَ جدّية المؤسسات القضائية وفعاليتَها.

وبَرز مؤشّران يوحيان بأنّ قانون الضرائب قد يَسقط نهائياً، وهما:

أوّلاً، موافقة المجلس الدستوري على طلبِ وقفِ العمل في القانون، وهذا يَعني أنه اعتبَر أنّ مقوّمات الطعن جدّية ومقنِعة من حيث المبدأ، على ما شرَح خبير قانوني لـ«الجمهورية».

ثانياً، السرعة التي بتَّ فيها المجلس بالطعن في مرحلته الأولى، ومن ثمّ تعيين جلسة في 15 أيلول الجاري. هذه السرعة توحي بالجدّية وبالأهمّية التي أولاها المجلسُ للطعن.

لكنّ اللافت أنّ تنفيذ قرار المجلس الدستوري ظلّ ملتبساً بالنسبة إلى الوزارات والدوائر الرسمية. وفي حين أصدرَ وزير الاتصالات قراراً بوقفِ تحصيل الزيادات الضرائبية على خطوط التشريج، لم تفعل بقيّةُ الوزارات الأمرَ نفسَه.

وفي حين قال مصدر في وزارة المال لـ«الجمهورية» أنْ لا ضرورةَ لإصدار تعميم لأنّ قرار المجلس الدستوري مُلزم للجميع، وبالتالي سيبدأ تطبيقه فوراً في كلّ الدوائر والوزارات، سادت بَلبلة في دوائر لم تصل إليها تعليمات الوزراء. وعلى سبيل المثال، لم يتوقّف تحصيل الرسم الإضافي على المسافرين عبر المطار.

وقال رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل في لقاء صحافيّ شاركَت فيه «الجمهورية» إنّ قرار المجلس «وقفَ تنفيذِ قانون الضرائب تجاوُباً مع الطعن الذي قدّمه نواب الكتائب مع النواب الخمسة الآخرين يمكن اعتبارُه بداية انتفاضةٍ دستورية دفاعاً عن المؤسسات والقانون». وذكّر بما سبقَ أن صَدر عن رئيس لجنة المناقصات جان العلّية في موضوع ملفّ البواخر، في موقفٍ قانونيّ يتقاطع مع رأي حزب الكتائب.

ورأى «أنّ طعن الكتائب لم يؤدِّ فقط إلى وقفِ تنفيذ قانون الضرائب بقرار المجلس الدستوري، ولكن أيضاً إلى إعادة الأمل بالمؤسسات الرقابية الدستورية وإلى إحياء دورها، بما يُعيد الأملَ للّبنانيين في إمكان استعادة سيادتهم وقرارهم الحرّ، ووضعِ حدٍّ لأركان السلطة وفسادِهم»