ارتقى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كعادته عن «الصغار» و«الصغائر» واعطى التحرير الثاني ما يليق به، ويليق بمعادلة الجيش، والشعب، والمقاومة، ثبت التهدئة الداخلية، اعطى المؤسسة العسكرية وقيادتها ما تستحق من اشادة على دورها المفصلي في المواجهة، وانصف «الشركاء» الحقيقين في صنع الانتصار. منح «المترددين» الفرصة لحسم خياراتهم، ورفع سقف التحدي مع الاميركيين «الغاضبين» مع شركائهم الاسرائيليين، وفضح ضغوطهم على الدولة اللبنانية لمنع استئصال المجموعات الارهابية من الجرود، كشف عن لقاء شخصي بالغ الدلالة والاهمية مع الرئيس السوري بشار الاسد في دمشق، جرى خلاله التفاهم على تفاصيل استسلام «داعش» في الجرود، ناصحا الفريق الاخر بمراجعة جدية لموقفه من العلاقة مع سوريا، لان المشروع الاخر يسقط ويتهاوى...
فقد شدد السيد  نصر الله في كلمة له خلال الاحتفال الذي اقامه حزب الله في بعلبك بمناسبة عيد التحرير الثاني، على أن «اتخاذ الدولة اللبنانية قرار المعركة في فجر الجرود هو قرار بالغ الأهمية وهو يمثل شكلاً من أشكال اتخاذ القرار السياسي السيادي»، واعتبر أن هذا القرار «احد انجازات العهد الجديد الذي يمثله فخامة الرئيس العماد ميشال عون الرجل الذي كنت أقول عنه ونحن في حزب الله نقول انه رجل شجاع وقائد مستقل لا يتبع ولا يخضع لأي دولة أو سفارة أو ضغوط او ترهيب... وكشف السيد نصرالله أنه ذهب شخصياً عند الرئيس بشار الأسد وطلب منه المساعدة بنقل داعش من القلمون، ورغم ان هذا الامر يشكل احراجا له وافق على الامر... وعندما سئله كيف نفاوض فقال «اذا ارادت الدولة اللبنانية التفاوض عليها هي التواصل معنا، واذا اراد الحزب التفاوض فليفعل ذلك»...
 

 

 لقاء غير «يتيم»


وفي هذا السياق، اكدت اوساط مطلعة على هذا الملف، ان زيارة السيد نصرالله الى دمشق ليست «يتيمة» وقد سبقتها زيارات عديدة في السنوات والاشهر القليلة الماضية، وكانت دائما في اوقات ومواعيد واحداث حاسمة امنيا وسياسيا في المنطقة وسوريا، وكان الرئيس الاسد في كل لقاء يثمن كثيرا وجود السيد نصرالله في دمشق لجهة تحمله عناء  الزيارة وما تحمله من مخاطر امنية عليه، وكانت اغلبية النقاشات تحسم بقول الرئيس الاسد «ان مجيئك الى هنا وحده اكثر من كاف، وانت تعرف ان لديك «مونة» كبيرة، والشعب السوري مدين لك وللمقاومة بالكثير»... 
 

 «الابعاد الامنية»


وفي البعد الامني للزيارة تشير تلك الاوساط الى ان هذا الاعلان عن الزيارة، يشكل «رسالة» تحد امنية لكل «خصوم» حزب الله وفي مقدمتهم اسرائيل، التي بدأت اجهزتها الامنية مساء امس في تحليل كلام السيد نصرالله، وهي حكما ستجري مراجعة شاملة لكل اجراءاتها بعد فشلها في رصد زيارة مماثلة، ولو علمت بها كانت ستكون حريصة على تسريبها الى الاعلام الاسرائيلي لتوجيه «رسالة» «قاسية» لحزب الله، كانت كفيلة بتحقيق «انتصار معنوي» يعوض احتمال غياب القدرة على تحمل «عبء» وتداعيات محاولة اغتيال السيد نصرالله... وفي المقابل يؤشر الاعلان عن الزيارة الى تحسن كبير في المناخ الامني في سوريا ويعزز الثقة باستعادة الدولة السورية لجزء كبير من «حصانتها» الامنية...
 

 اللقاء مع عون


وفي السياق نفسه، تؤكد تلك الاوساط، ان التنسيق بين السيد نصرالله ورئيس الجمهورية ميشال عون لم يحصل عن بعد، خصوصا خلال التحضير للعملية العسكرية الحالية، وما تحدث عنه الامين العام لحزب الله من ثبات واقدام عند رئيس الجمهورية لم يكن بالتواتر او عبر استعراض لمواقف الرئيس العلنية، ولكنه سمع  منه تلك المواقف شخصيا... وبلغة جازمة، وتأكيدا على حصول هذا اللقاء بعيدا عن الاعلام في الاسابيع الماضية، تسأل تلك الاوساط، هل من ذهب الى دمشق لتنسيق العملية مع الرئيس الاسد، سيتعذر عليه زيارة قصر بعبدا ؟
 

 «الدور الاميركي»


وكشف السيد نصر الله ان الاميركيين لم يكونوا يريدون أن تخرج داعش من تلال البقاع وجروده، وقال إنه «عندما وجد الأميركيون اصراراً طالبوا تأجيلها للعام المقبل، وهذا الضغط ادى الى ارتباك في مكان ما لان الاميركيين هددوا بقطع المساعدات عن الجيش اللبناني»، وتابع أنه «هنا ميزة أن يكون لدينا رئيس جمهورية كالعماد ميشال عون الذي يحفظ هيبة الدولة، الرئيس عون جمع مجلس الدفاع الأعلى بحضور رئيس الحكومة والقادة وحسم القرار اللبناني، ومن الانصاف أن رئيس الحكومة سعد الحريري وافق على المضي في هذا القرار اما رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفه معروف...
 

 خلفيات «التهدئة» الداخلية


وفي هذا الاطار، جاءت اشادة السيد نصرالله بموافقة رئيس الحكومة سعد الحريري على المضي بالعملية العسكرية، بعد ساعات على كلام الاخير في باريس بان «الدولة والشعب والجيش هم من حققوا الانتصار وهناك من يحاول استغلاله»، وقدم السيد نصرالله هذه التصريحات في سياق ادراكه للموقف الحرج لرئيس الحكومة غير القادر الان على اتخاذ قرار بمراجعة سياسية جادة لموقف فريقه السياسي بمعزل عن «ضوء اخضر» اقليمي ودولي لم يتبلور بعد.. وبرأي تلك الاوساط، يعيش الحريري الان في «البرزخ» اي في المنطقة التي تسبق «يوم القيامة» والحساب، وهو في حالة انتظار، لكن الشيء الايجابي في الموضوع ان الحريري يرغب في تجاوز ما حصل من تطورات دون المساس بالاستقرار الداخلي، وهي النقطة التي يلتقي عندها مع حزب الله الذي لا يمانع في مساعدة رئيس الحكومة على «هضمها».
وقد شكل الرئيس نبيه بري «جسر العبور» للتلاقي عند هذه النقطة، ونجح من خلال اتصالاته المكوكية في الساعات القليلة الماضية بترسيخ تهدئة اعرب الحريري عن رغبته بها ولاقاه السيد نصرالله في «منتصف الطريق»...طبعا الحديث هنا لا يرتبط بتكريس تهدئة اعلامية، وانما بتفاهم على خطوط سياسية عامة ستحكم المرحلة المقبلة على مستوى السياسة الداخلية، وكان الرئيس بري واضحا خلال كلمته في ذكرى تغييب الامام الصدر، عندما رفض تحميل الرئيس تمام سلام وحكومته وقائد الجيش السابق جان قهوجي مسؤولية قرار عدم الحسم في الجرود عام 2014، ومن الواضح ان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل غير بعيد عن هذه الاجواء، وصدور بيانه بالامس حول ما جرى تداوله عن تعميم صادر من قبله  لنواب ومسؤولي التيار الوطني الحر بعدم التصعيد في هذا الملف، يؤكد وجود هذا التفاهم بين القوى الرئيسية، على الرغم من دعوة رئيس الجمهورية مساء الى فتح تحقيق لمعرفة المسؤولين عن التقصير في ملف العسكريين.
 

 «الثقة» بالجيش


وفي هذا الاطار دعا السيد نصرالله الى تعزيز الثقة السياسية بقدرة الجيش اللبناني على القيام بالعمليات الخطيرة وهذه الثقة يجب ان تتعزز عند السياسيين، وأكد أن قيادة الجيش والجيش اللبناني أثبتوا انهم جديرون بهذه الثقة... ومشتبه من يظن أننا نريد جيشا ضعيفاً...وأعلن السيد نصرالله تأييده الدعوات التي صدرت عن الرؤساء الثلاثة بتهدئة المناخ الوطني ووقف السجالات...
 

 «لغم» اليونيفل


اوساط دبلوماسية في بيروت كشفت بعض خلفيات ما اعلنه السيد نصرالله عن  دور للخارجية الايرانية في مسالة ابطال «اللغم» الاميركي في مجلس الامن حيال التجديد لقوات اليونيفيل، وقالت ان ذلك ترجم من خلال اتصالات اجراها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع نظرائه الاوروبيين، وخصوصا وزير الخارجية الفرنسي، وتم استعراض مخاطر «الرضوخ» للرغبات الاميركية وانعكاساته السلبية على دور القوات الدولية في جنوب لبنان، خصوصا ان طهران ساهمت في ايصال «رسائل» دبلوماسية واضحة الى الاوروبيين تشير بوضوح الى ان اي مراجعة لدور هذه القوات سيعني حكما تغييرا في «قواعد اللعبة» من قبل حزب الله الذي لن يتعاون، ولن يسهل تطبيق هذه التعديلات، لانها تخدم المصالح الاسرائيلية ولا تأخذ بعين الاعتبار الخروقات اليومية المستمرة للسيادة اللبنانية.
 

 «غياب» العراق...


وحول غياب اي موقف في الخطاب ازاء الحملات العراقية «المثيرة للريبة» ضد حزب الله والسيد نصرالله شخصيا، تلفت مصادر مطلعة على هذا الملف الى ان السيد يعتبر ان بيانه امس الاول اكثر من كاف لوضع الامور في نصابها، وقد جاءت المواقف المتقدمة جدا، العلنية وغير العلنية، من قبل فصائل الحشد الشعبي العراقي، ومن قبل مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى، اتجاه السيد نصرالله وحزب الله، وانتقادهم لكلام رئيس الحكومة حيدر العبادي، لتؤكد هذا المنحى. اضافة الى ذلك حصلت اتصالات رفيعة المستوى خلال الساعات القليلة الماضية بين حارة حريك، وبغداد، وطهران، كانت خلاصتها تعهد عراقي «بلملمة» الموضوع وعدم السماح باستمرار الحملات المشبوهة والمبرمجة التي استغلت «فولا» سياسيا ارتكبه رئيس الحكومة حيدر العبادي نتيجة حسابات داخلية وخارجية خاطئة...
 

 عون والتحقيق


ومساء، طال رئيس الجمهورية خلال كلمة الى اللبنانيين بمناسبة اعلان دولة لبنان الكبير، وحلول عيد الاضحى المبارك، بفتح تحقيق شامل في حادثة خطف العسكريين في عرسال... وقال « احتراما لشهادة الشهداء، ومعاناة اهاليهم، ونظرا للغموض والالتباس القائم منذ ثلاثة اعوام، وكي لا يتهم بريء او يبرأ مذنب... بناء على كل ذلك اطلب من السلطات المختصة اجراء التحقيقات الضرورية واالازمة، لتحديد المسؤوليات...
 

 المجلس الدستوري


وفي خطوة ادت الى حالة من الارتباك السياسي والاقتصادي في البلاد، قبل المجلس الدستوري الطعن المقدم من عشرة نواب لوقف العمل بقانون الضرائب، واصدر امرا تنفيذيا بوقف مفاعيله فورا الى حين البت بدستوريته، وستعقد جلسة المداولة الاولى في 15 ايلول المقبل، وهذا يطرح اسئلة كبيرة حول كيفية تمويل سلسلة الرتب والرواتب اذا ما قبل الطعن، في ظل عدم اقرار الموازنة؟!