وحين خطَر لأحد ملوك فرنسا أن يعمِّم زراعة البطاطا في البلاد، خشيَ إنْ هو فرَضها على الشعب فرضاً أن يتلكَّأ في التجاوب معه، فتظاهر بأنه يحتكر زراعة هذا الصنف، وسرعان ما امتدَّت إليه خِلْسةً أيدي المزارعين.
هذه الواقعة لا نستشهد بها من أجل ترويج ثقافة البطاطا، بل لأنها تفسّر العلاقة المرتبكة والثقة المفقودة بين الحاكم والمحكوم، فلا يتمّ التفاعل بينهما إلّا بالمعاكسة.
إنها حالةٌ نفسيّةٌ لم تقتصر على عهود الملوك، بل تكرّست مِنْ بَعْد، بأشكال أخرى، ولم يصدُفْ منذ انقراضِ سلالات الممالك أَنْ أنعمَ اللهُ على الشعوب بحكَّامٍ من سلالة إمرأة قيصر، حتى إذا ما قادت الأقدار حاكماً من الأطهار، فما أنْ تطأ قدماه فردوس القصر حتى تبدأ ألسنةُ الأفاعي بالهَمْس، وتتفشَّى في نفسه وساوسُ الشيطنة.
ما دام هناك مَنْ يثق بالرئيس ميشال عون، بشخص الرئيس وحدَه لا شريك له، برئيس واحدٍ ضابطِ الكلّ، لا بشجرة الرئاسة وازدواجية الرئاسة وحصر الإرث.
فما رأيكم والحال هذه، في أن يبدأ الحكْمُ عندنا باحتكار الإصلاح على غرار تجربة احتكار البطاطا، فيمنع عن الحكومة ممارسة الإصلاح وقد ظهرتْ بوادره عندها بما لا يبيّض الوجه.
ويمنع الإصلاح عن الوزراء وهمْ أصلاً ممتنعون ولا يربحون جميل الحكم ولا جميل المادة 66 من الدستور التي يتولى بموجبها الوزير «إدارة مصالح الدولة ويناط به تطبيق الأنظمة والقوانين...».
أليس أن الحكومة هي التي تحتاج الى إصلاح ذاتها وقد أصبحت مُثْقلةً بالعاهات، قبل أن تحقق الإصلاح للآخرين؟
أليست هي التي تحتاج الى تغيير قبل أن تبدأ بتغيير الآخرين وقد استفحلت بين أعضائها المواجهات والإنقسامات، وكلٌّ منهم يشترك في رقصة «الفالس» ويحتفظ بالخنجر في إحدى قبضتيه؟
أَفما تخوض هذه الحكومة في داخلها معارك ساخنة وحروباً باردة، وتخوض كلّ يوم معركة فجر الجرود ومعركة ليل الكهرباء، وكلامُ الليل عندها لا يلبث أن يمحوه النهار، وقد ينكشف كلُّ فجرٍ آتٍ عن معارك جاهليةٍ قد تسجّل فيها الحكومة تفوُّقاً على تلك التي إسمها حرب البسوس؟
إذا كانت الحكومة هذا الغَزْلُ غَزْلَها، فكيف نحلم معها بأن نلبس بعضاً من خيوط الحرير؟
وإذا كان الوزراء هذا العَزْلُ عَزْلَهم، وقد أعلنوا وأثبتوا بالممارسة أنّ كلاً منهم وزيرٌ لطائفته ومذهبه ومنطقته ومرجعيته، في معزل عن مرجعية الدولة والحكومة والشعب، «وبعد حماره لا ينبت الحشيش!»
وإذا كان المجلس النيابي بما هو عليه، وبمَنْ هُمْ فيه، مهيَّأً في أيِّ حين لأنْ يصبح عاطلاً عن العمل وله في هذا المجال سوابقُ تُنْذر بالمَلاحِق.
بعد هذا كلّه، علامَ تعوِّلون، وبمَ تتفاءلون، وأيَّ إصلاح تتوقعون، وأيّ تغيير تتوخون؟
فخامة الرئيس
وأنت وحدك أقسمتَ على «احترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها والحفاظ على سلامة الوطن وسلامة أراضيه».
فما رأيك إذاً، أن تحتكر أنت وحدك الإصلاح والتغيير فقد تمتد إليهما أيدي الآخرين خلسةً، وما أدراك فقد يتمثَّل الإصلاح بالبطاطا، والله يخلق من الشبَهِ أربعين.