لا يُخفى الانزعاج الدولي والإقليمي من التسوية التي جرى التوصل إليها بين تنظيم داعش وحزب الله، والتي قضت بانسحاب التنظيم إلى دير الزور مقابل كشف مصير العسكريين اللبنانيين وتسليم أسير وجثث لحزب الله. لكن الانزعاج والتعبير عنه أمر، والقرار العملاني أمر آخر.
منذ إطلاق حزب الله معركة جرود عرسال، يدور حديث عن الانزعاج الدولي وخصوصاً الأميركي من الموضوع، لكن حزب الله أنجز ما أراد انجازه ولم يعترضه أحد، رغم التهويل الدولي. والأمر نفسه تكرر في جرود رأس بعلبك والقاع، ففي الوقت الذي كان الجيش يخوض تلك المعركة، كان حزب الله والجيش السوري يخوضانها، ويعلنان التنسيق مع الجيش فيما الجيش ينفي. فتعمّد حزب الله الإشارة إلى ذلك بالواقع العملاني، لجهة إطلاق ساعة الصفر للمعركة، وإعلان وقف إطلاق النار، أي التزامن في بدء المعركة ونهايتها.
كل هذا الكلام لم يقدّم ولم يؤخر، وقد نجح حزب الله في تحقيق ما يريده. وإذا كان مسعاه كما تقول بعض الأطراف الدولية والمحلية، بأنه أراد سحب بساط الانتصار من تحت قدمي الجيش فهو نجح في ذلك. إلا أن هذه المعادلة تسقط، بكلام قائد الجيش، الذي اعتبر أن الوحدات العسكرية كانت تستعد لإطلاق المرحلة الأخيرة من المعركة، لطرد عناصر التنظيم، ولكن استسلامهم وعرض الإنسحاب حالا دون ذلك. بالتالي، تحققت أهداف المعركة من دون خوضها.
في معرض الاعتراض على ما قام به حزب الله، سرت معلومات في بيروت تتحدث عن أن الأميركيين اتخذوا اجراءات عقابية بحق الجيش على خلفية الانصياع للتسوية التي أبرمها حزب الله. وهنا تؤكد مصادر متابعة أن شيئاً من هذه القرارات لم يُتخذ، رغم وجود عدم رضى أميركي على ما جرى، وعلى ما يقوم به حزب الله. وتكشف المصادر أن الجيش لا يملك الدبابات التي حكي أنه تم استردادها، وأن الدبابات التي وصلت إلى بيروت هي من نوع برادلي، وعددها 32 وليس خمسين، ولم يستخدمها الجيش في العمليات، لأنها تحتاج إلى تجريب وتحتاج الوحدات العسكرية إلى التدرب عليها. وتؤكد المصادر أن الدبابات التي استخدمت هي قديمة العهد. وما يعزز هذا الكلام، هو الاتصال الذي اجراه قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي جوزيف فوتيل بقائد الجيش العماد جوزيف عون لتهنئته على انجاز المعركة.
في الأثناء، لم تصدر السفارة الأميركية في بيروت بياناً توضيحيّاً، لأن السياق السياسي في هذه المرحلة، وفق مصادر، يفرض جعل الأمور مبهمة، لحثّ المسؤولين اللبنانيين على تحمّل مسؤولياتهم والتفكير في ما يجري من حولهم، ولتحفيزهم على عدم السكوت وتسليم السلطات المطلقة لحزب الله بدون أي معارضة فعّالة. وتلفت المصادر إلى احتمال أن يكون من سرب هذه المعلومات، هو طرف أميركي خارج لبنان في ظل صراع الأجنحة داخل الإدارة الأميركية، وهو يريد إيصال رسائل متعددة إلى اللبنانيين، بأنه من واجبهم وقف هذا المسار السياسي الذي يؤدي إلى تحلل مؤسسات الدولة، لمصلحة حزب الله. وتستبعد المصادر أن يكون هذا إجراء قد اتخذ بهذه السرعة، أي خلال يومين، كما أن تطبيقه يعني تحقيق وجهة نظر حزب الله، بأن لبنان متروك. بالتالي، هو قادر على السيطرة على البلد عسكرياً بلا أي اعتراض، وإضعاف الجيش وسحب العتاد منه يصبّان في مصلحة الحزب.
الكلام الأميركي وغير الأميركي كثير في هذا الصدد، وسقفه مرتفع جداً، من كلام الرئيس دونالد ترامب عن تحجيم نفوذ إيران في سوريا، إلى كلام السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي بأنه على مجلس الأمن والمجتمع الدولي مواجهة حزب الله الذي يمارس نشاطات تخريبية منذ العام 2006. ولكن هذا لا يخرج عن إطار الكلام، وفق المصادر، إذ لا رؤية سياسية وعملانية لتحقيق ذلك. وهذا الكلام، يخدم حزب الله ويسهم في تقويته، لأنه يظهره منتصراً على واشنطن، التي تريد إلحاق الهزيمة به ولا تستطيع.
وما يسهم في ذلك أيضاً، هو الخبر الذي أعلنه التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بأن طائراته استهدفت القافلة التي تقل مسلحي تنظيم داعش من الجرود اللبنانية إلى شرق سوريا، ليعاد ويوضح الخبر، بأن الطائرات لم تستهدف القافلة، إنما جسراً ستسلكه القافلة، وبالتالي عملت الغارة على إعاقة مرور القافلة، ولم يتم استهداف الإرهابيين، كما يجري استهدافهم في سوريا والعراق. وقد يكون هذا الفعل لحفظ ماء الوجه، فواشنطن غير راضية عن ذلك، ولكنها لم تحل دونه. ويرى البعض أن في هذه الحركة تقديراً ضمنياً لما قام به حزب الله، ولكن واشنطن تحرص على عدم التعبير عن ذلك. وهذا، إذا ما صحّ، ينطوي على تحولات سياسية كبرى، ورسائل مشفّرة يجب قراءة ما بين سطورها بتمعّن وعناية.