"نُقلت أعداد كبيرة من داعش إلى المناطق الحدودية مع العراق أمر غير مقبول". هكذا علّق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على صفقة نقل عناصر من داعش من جرود القلمون إلى منطقة البوكمال الواقعة في سوريا بالقرب من حدودها مع العراق، بعد المعركة التي شنها الجيش اللبناني من جهة والجيش السوري وحزب الله من جهة أخرى ضد مناطق كان يسيطر عليها التنظيم على الحدود اللبنانية السورية.
وسبقت الموقف الحكومي العراقي مواقف شعبية غاضبة من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اتهمته بإرسال الإرهاب إلى العراق. فنصر الله الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة داخل المجتمع العراقي صار محل شك حتى في أوساط فئات كان يحظى عندها بمكانة كبيرة.
لكن المواقف العراقية لم تكن جميعها مناهضة لخطوة حزب الله، بل كان هناك من "يُؤيد" و"يُبرّر" ذلك، وهؤلاء هم من الفئات التابعة لأحزاب وفصائل شيعية مسلحة. أما أتباع مقتدى الصدر، فقد وقفوا ضد هذا الاتفاق.
وكان داعش قد وافق في 27 أغسطس، بعد أن فقد السيطرة على معظم الجيب الحدودي الذي كان ينتشر فيه، على وقف إطلاق النار وكشف مصير جنود لبنانيين كان قد اختطفهم وكشف مصير أسرى وقتلى لحزب الله، مقابل تأمين انسحاب عناصره إلى شرق سوريا، بعد مفاوضات خاضها مع حزب الله.
رافضون للاتفاق
الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، وأحد أبرز المدونين العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، هشام الهاشمي، كتب في صفحته على فيسبوك: "الحليف الأناني يرمي بخطر داعش من لبنان على العراق".
وتابع: "العراقيون دمروا ثاني أكبر مدنهم (الموصل) من أجل عدم السماح لعناصر داعش بالهرب إلى سوريا وتضرر الجار، لكن اللبنانيين والسوريين رفضوا التضحية بقرى صغيرة لا تُساوي زقاقاً واحداً من أزقة مدينة الموصل القديمة".
من ناحيته، سخر رسام الكاريكاتور العراقي أحمد فلاح، الذي يُجسّد مأساة العراق عبر رسوم من الكوميديا السوداء من الاتفاق الذي نقل مئات الإرهابيين إلى حدود العراق، وذلك برسمه باصين: الأول أسود وفيه شريط هدايا في إشارة إلى أن حزب الله قدم باصات الإرهابيين هدايا للعراقيين في عيد الأضحى.
أما الباص الثاني فلفّه بعلم العراق، ويرمز إلى النعش الذي يحمل جثامين القوات الأمنية العراقية والقوات المُساندة لها والذين سيضطرون لمقاتلة هؤلاء الإرهابيين.
في المقابل، بررت الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة الاتفاق، بينما التزمت فصائل أخرى الصمت، لكن أتباع التيار الصدري شنّوا هجمة كبيرة على نصر الله.
واعتبر بعض المدونين المؤيدين للتيار الصدري، أن الاتفاق "عار تاريخي" على من قام به.
وكثيراً ما ينتهج مقتدى الصدر ومؤيدوه مواقف مناوئة لمواقف بقية الفصائل الشيعية والأطراف المتحالفة مع إيران، معللين ذلك بأنه "تفكير بالمصلحة الوطنية".
مُدافعون عن الاتفاق
المدافعون عن الاتفاق كانت لهم وجهة نظر أخرى. تقول وجهة نظرهم التي تبناها أتباع الأحزاب والفصائل المُسلحة، إن "عناصر داعش نقلوا إلى منطقة البوكمال التي يُسيطر عليها التنظيم، ولا ضرر في ذلك، لأنهم سيُقتلون جميعاً هُناك".
واتهم بعض هؤلاء مناهضي الاتفاق بأنهم "أبناء السفارة" في إشارة إلى السفارة الأمريكية في بغداد، في تطابق مع حديث سابق لنصر الله أطلق فيه تسمية "شيعة السفارة" على خصومه الشيعة.
وكتب عباس شمس الدين، وهو واحد من أبرز المدونين العراقيين الذين يدخلون في سجالات مستمرة مع رافضي الحكم الإسلامي والمشروع الإيراني في العراق، على فيسبوك إن "هناك ضعفاً في الرياضيات والجغرافيا"، متسائلاً: "لماذا يمتعض البعض من 300 عنصر من داعش على الحدود بينما يتغاضى عن وجود أربعة آلاف داخل بغداد"، مشيراً إلى معلومات يمتلكها حول وجود أربعة آلاف إرهابي في العاصمة العراقية.
وسخر في منشور آخر عندما كتب إعلاناً افتراضياً عن فتح باب التطوع لتحرير منطقة البوكمال، على أن يتم تسجيل أسماء المتطوعين في صفحة المتحدث العربي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.
وفي خطاب سابق لحسن نصر الله، انتقد ما اعتبر أنه "فكرة" أمريكية تُريد فتح ممرات لعناصر تنظيم داعش للخروج من مدينة الموصل ووصولهم إلى سوريا، لكنه نفّذ خطة انتقدها قبل أقل من عام.
مواقف برلمانية وسياسية
لم يصدر الكثير من المواقف السياسية العراقية البارزة من صفقة نقل عناصر داعش إلى منطقة البوكمال، بل كانت هناك ردود فعل فردية من شخصيات برلمانية، شيعية وسنّية، لكن أخطرها المعلومة التي أدلى بها عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي.
الكربولي الذي يُمثّل محافظة الأنبار التي ترتبط بحدود مع منطقة البوكمال، قال في تصريح صحافي، إن "معلومات تُشير إلى وصول زمر داعش وعوائلهم التي تم ترحيلها من الحدود اللبنانية السورية الى منطقة راوة في محافظة الأنبار".
واتهم النائب في البرلمان العراقي عن التحالف الوطني (الشيعي)، علي البديري حكومتي لبنان وسوريا بالتآمر على العراق.
وقال البديري في تصريح صحافي إن "الاتفاق الذي حصل بين حزب الله اللبناني والحكومة السورية من جهة وتنظيم داعش الإرهابي من جهة أخرى نعتبره بكل بساطة مؤامرة على العراق".
وبحسب أستاذ الأمن الوطني في جامعة النهرين العراقية، حسين علاوي، فإن عملية نقل عناصر من تنظيم "داعش" وتكديسهم على الحدود العراقية، لا يُمكن إلا أن يُعتبر تهديداً للأمن الوطني العراقي.
وقال علاوي لرصيف22 إن "هذه الصفقة ستزيد المصاعب العسكرية على العراق، وتُحمّل قواته مهمات أكبر مما كان متوقعاً للعمليات المرتقبة لتحرير مناطق غرب الأنبار".
وقال الباحث والمراقب العراقي رحمن الجبوري لرصيف22: "أصبحت كل القيم الإنسانية تُفسر بأشكال مختلفة. واتفاقية نصر الله مع داعش، لا تفرق عن شرعنة الفساد في العراق بالقيم نفسها".